تقرير – فاطمة هزاع
رقية مطهر يمنية دفعتها الحرب التي تشهدها البلاد منذ سبع سنوات إلى تغيير مسار حياتها بالكامل حيث إنها لم تخطط أن تكون سيدة أعمال يوما ما وانما دفعها إلى ذلك تعرض زوجها لانتكاسة في عمله بأحد البنوك اليمنية وخروجه من وظيفته أدى إلى انقطاع دخله المالي الشهري وتدهور في حياتهم المعيشية.
ورغم كونها ربة منزل ولم يتجاوز تعليمها الثانوية العامة فإن التحدي أمامها كان كبيرا لتعيل أسرتها الصغيرة بعد مرض زوجها وكانت الانطلاقة لها خوض تجربة الأعمال اليدوية البسيطة والاشتغال على تزيين المباخر الجصية بالخرز معتمدة على موهبة فنية كانت تهواها منذ الصغر.
بدأت رقية بعرض ما تنتجه على الأهل والصديقات والجيران فلقيت التشجيع والدعم بشراء المباخر المزينة بحبات الخرز مما شجعها على خوض تجربة ثانية تمثلت في صناعة البخور والعطور وشكّل لها هذا الأمر منعطفا كبيرا في حياتها العملية.
والى جانب ذلك اهتمت رقية بخياطة الملايات وأغطية فراش ووسائد النوم وكلها أعمال تخص النساء ويقبلن عليها.
وعانت رقية معيشيا كغيرها من اليمنيات بسبب الانهيار الكبير للدخل المالي لمعظم الأسر باليمن ودخول قطاعات كبيرة من اليمنيين في دائرة الفقر والحاجة والعوز وكل ذلك نتيجة لاستمرار الحرب في البلاد والتدهور المتواصل للعملة المحلية الريال وارتفاع أسعار معظم السلع الضرورية بشكل جنوني.
لم تقتصر أفكار رقية على صناعة البخور والعطور بل توسعت وأصبح لديها محل خاص في منزلها.
بعد معرفتها بأساليب التسويق والترويج من خلال دورات تدريبية حصلت عليها بعد أن بدأت أعمالها والتركيز على مشروعها الخاص بشكل دائم افتتحت رقية(كشكا) في زاوية داخل شقتها المستأجرة يحتوي على ما تحتاجه المرأة من مستلزمات نسائية من ملابس وإكسسوارات وبخور وعطور وهي الخطوة التي لاقت نجاحا كبيرا.
وخلال اشتغالها بأعمالها اليدوية وبيع منتجاتها أتيحت لها المشاركة مجددا في دورات تدريبية تنمي الذات والمهارات وكان أهمها الالتحاق بدورة مدربين حيث تمكنت إثرها من الانتقال إلى تدريب النساء في كيفية صناعة البخور والعطور وصارت مدربة معتمدة من معهد الأيتام وأقامت دورات لنساء في منظمة “همة شباب”.
النجاح دائما يقود للنجاح وهي الآن تعمل على الحصول على منحة لتمويل مشروعها الخاص والخروج بالكشك من المنزل للخارج حيث تبرز بوصفها صاحبة مشروع وتجارة بعد أن كانت سابقا ربة بيت متقوقعة على ذاتها وأسرتها فقط.
أزمة عميقة
ويعيش مئات الآلاف من موظفي الدولة، في العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وضعاً إنسانياً متردياً بسبب توقف صرف رواتبهم منذ سبتمبر 2016.
ويتمنى هؤلاء أن تتوصل أطراف الصراع (الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين) لاتفاق يُنهي معاناتهم التي تتفاقم يوماً بعد آخر خصوصاً مع ارتفاع الأسعار وإيجارات السكن وتكاليف المعيشة الباهظة وانتشار جائحة كورونا في البلاد.
غير أن كافة المؤشرات تفيد بأن الانقسام السياسي والمالي بين طرفي الصراع ما يزال يتسع بشكل مطرد.
وحتى نهاية العام 2014 كان هناك نحو (1.2 مليون) موظف في القطاع العام باليمن توقفت رواتب غالبيتهم منذ بداية الحرب ما أدى إلى عجز الكثير منهم عن توفير الاحتياجات الأساسية لأُسَرهم.
البداية
وبدأت أزمة توقف المرتبات عندما أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مايو 2016 قرارا جمهوريا قضى بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عدن العاصمة المؤقتة للبلاد.
وعقب توقف صرف المرتبات أطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مشروعا تحت اسم “الموظفين النازحين” ويتقاضون حاليا رواتبهم بشكل غير منتظم.
لكن هذا المشروع يشمل القليل فقط من الموظفين في القطاع العام.
في جامعة صنعاء مثلا، هناك 394 أكاديميا وموظفا فقط يتقاضون رواتبهم ضمن هذا المشروع من إجمالي 2400 أكاديميا وموظفا ينتسبون لكبرى الجامعات اليمنية.
وبحسب الكشوفات الرسمية للعام 2014 يبلغ إجمالي عدد الموظفين في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الحوثيين (800 ألف موظف)، مقابل (400 ألف آخرون) يتواجدون في نطاق المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
جهود أممية لم تنجح
يشعر اليمني عبد الكريم شعيب بمرارة القهر والألم على خلفية انقطاع راتبه الحكومي منذ نهاية عام 2016.
شعيب موظف في وزارة الإعلام كصحافي منذ أكثر من 15 عاما لكنه اضطر لتغيير مهنته إلى عامل بالأجر اليومي لدى مالك مطعم وسط صنعاء.
يقول شعيب “قبل الحرب كان راتبي يغطي نفقات أسرتي المكونة من سبعة أفراد وتكاليف السكن ومنذ توقف صرف رواتب الموظفين في سبتمبر 2016 بسبب الانقسام السياسي في البلاد، عشت وما أزال ظروفاً قاسيةً”.
ويضيف “بعت كل ما أملك من ذهب ومقتنيات خاصة وفرضت التقشف على أسرتي لكنني لم أستطع النجاة من مالك العقار الذي اسكنه اجبرني على البحث عن فرصة عمل جديدة بعدما تجاوزت مستحقاته 300 ألف ريال يمني”.
ويتابع “ظروفي سيئة جدا منذ انقطاع راتبي ومثلي مئات آلاف الموظفين وأسرهم أناشد الحكومة والأمم المتحدة بصرف مرتباتي”.
ويعرف شعيب موظفين “زج بهم ملاك العقارات في السجون على خلفية التأخر بسداد الإيجارات والقضاء لم يحرك ساكنا واعتبرهم كمتهربين من الوفاء بالتزاماتهم تجاه المؤجرين دون عذر” على حد قوله
الأمم المتحدة ومنظمات مجتمع مدني بذلت جهودا على مدار ثلاث سنوات لحل هذه المشكلة ترتّب عليها صرف رواتب العاملين في سلك القضاء والنيابات والعاملين في القطاع الصحي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمتقاعدين المدنيين.
لكن تلك الجهود لم تصمد أمام الصراع المستمر بين صنعاء وعدن ومنع الأولى التداولَ بالطبعة الجديدة من العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها احتجاجاً على طباعة الحكومة الشرعية أكثر من 1,7 تريليون ريال دون غطاء نقدي حسب قولها.
وكان “اتفاق ستوكهولم” الموقع بين أطراف الصراع في اليمن برعاية الأمم المتحدة في السويد 13 ديسمبر/كانون الأول 2018 ألزم الأطرافَ المتصارعة بسرعة التوصل لآلية كفيلة بإنهاء معاناة موظفي الدولة.
ونظراً لتعثر تنفيذ هذا الاتفاق تعثر مشروع صرف مرتبات موظفي الدولة المدنيين وبانتظار التوصل إلى حل سياسي بين أطراف الصراع في اليمن سيظل الموظفين الحكوميين بلا رواتب تعينهم في توفير احتياجات أسرهم الأساسية.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.