تقرير – احمد حسين
شكل فايروس كورونا تحديا مربكا للقائمين على السجون في اليمن ولاتزال المخاوف قائمة من تفشي الفايروس التاجي بين نزلائها في ظل غياب الاجراءات الاحترازية المتخذة فيها واكتظاظ السجون بالمساجين.
ومنذ العام الماضي انتشرت اخبار عن ظهور حالات مصابة بفيروس كورونا داخل السجون في اليمن لكنها لم تؤكد من قبل الأطراف المسيطرة على السجون وحدث تضارب في الأخبار حول ذلك.
وانطلقت في مختلف أنحاء البلاد دعوات كثيرة منادية بحماية المساجين من الإصابة بفايروس كورونا واتخاذ الإجراءات الاحترازية لحمايتهم من الإصابة محملين أطراف الصراع في اليمن المسؤولية ذلك.
السجون المركزية جريمة داخل جريمة
جريمة بداخل جريمة هو الوصف الأدق لأحوال السجناء في السجون المركزية اليمنية بشكل عام؛ من صنعاء إلى عدن إلى تعز، إلى غيرها من المدن اليمنية الأخرى بدون محاكمات عادلة أو محامين، وبدون أن يعرف البعض تهمته ومصيره، يقبع مئات السجناء في سجون تفتقر لأدنى وسائل السلامة والحقوق الكريمة.
من تفشي العدوى إلى الطعام الفاسد والملوث، إلى غياب الأدوية ومعالجة المرضى، إلى الموت تحت القصف بقذائف جماعة الحوثي كما هو الحال في سجن مركزي تعز، حيث يعيش السجناء مسلسلًا طويلًا من المعاناة المركبة. بعض السجناء يموتون بكل بساطة بسبب سوء التغذية والأمراض، أو بسبب تعرضهم للانهيار النفسي. هذا قبل اجتياح فيروس كورونا للعالم، ووصوله إلى اليمن خلال الجائحة الأولى، ومن ثم الجائحة الثانية التي دخل بها هذا البلد الواقع تحت حرب مستمرة منذ أكثر من 6 أعوام.
و كانت مصادر طبية في تعز قد كشفت عن وصول كورونا مجددًا إلى السجن المركزي في سياق الجائحة الثانية للفيروس وأن غالبية نزلاء السجن يعانون من الأعراض الأولية للفيروس.
وبحسب المصادر، فإن لجنة طبية قامت بزيارة إلى السجن، قبل يومين وخلصت إلى انتشار الفيروس بين النزلاء وأن كارثة وبائية تهدد السجن خصوصًا في ظل غياب الخدمات الطبية والازدحام الكبير بالنزلاء.
وعن ذلك قال مدير مكتب الصحة في محافظة تعز الدكتور راجح المليكي أنه تم تكليف إدارة الترصد الوبائي بمكتب الصحة بإرسال فريق تقصٍّ قبل أن نبلغ، وتفاجأنا بوجود حالات وهنا كانت الكارثة”.
وأوضح قائلًا: “وجهنا برقية عاجلة لرئيس محكمة الاستئناف لاتخاذ إجراءات كفيلة للتخفيف من الازدحام داخل السجن، بما يضمن نوعًا من التباعد”.
في ظل هذه الجائحة، فإن من أهم طرق انتقال الفيروس هو التواصل المباشر مع المصاب، وفي السجون يختلط عدد كبير من النزلاء بشكل يومي في مساحات محدودة غالبًا ما تكون صغيرة وضيقة، وبفعل هذا الأمر يصبح السجن بيئة خصبة لانتقال الفيروس بين النزلاء والأمراض المعدية الأخرى.
وعلى مستوى العلاجات والجوانب الأخرى التي تتعلق بالإجراءات الصحية، قال المليكي: “صرفنا أدوية لما يقارب 600 سجين، وصرفنا وسائل حماية شخصية ومعقمات، وحاليًا نحن مجهزون فريقًا طبيًا للنزول الميداني”.
مع تكدس السجناء في مساحات ضيقة تفتقر لأدنى المتطلبات الصحية من تدفئة وتهوية وعلاج متوفر ونظافة وغذاء، يصبح السجناء أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا والفيروسات الأخرى القاتلة.
وفي ظل هذه الجائحة، فإن من أهم طرق انتقال الفيروس هو التواصل المباشر مع المصاب، وفي السجون يختلط عدد كبير من النزلاء بشكل يومي في مساحات محدودة غالبًا ما تكون صغيرة وضيقة، وبفعل هذا الأمر يصبح السجن بيئة خصبة لانتقال الفيروس بين النزلاء والأمراض المعدية الأخرى.
ما سيعمل على إحداث كارثة غير مسبوقة، إضافة إلى ما سبق، هو أن عددًا من النزلاء يعانون من أمراض مستعصية، كالضغط والقلب، في حين أن آخرين يعانون من ضعف المناعة نتيجة نقص الطعام وتلوث مياه الشرب وسوء أحوال السجناء الصحية وغياب الرعاية الصحية بشكل تام.
امهات المختطفين يقفن من أجل السجناء
وفي مارس من العام 2020 أبدت “رابطة أمهات المختطفين اليمنيين” مخاوفها الكبيرة من تفشي فيروس كورونا المستجد في سجون الحوثيين .
وجددت الرابطة خلال وقفة احتجاجية نفذتها في مدينة إب (وسط اليمن) تزامناً مع عيد الأم دعوتها للأمم المتحدة والمنظمات الحكومية والحقوقية بالتدخل الفوري لإطلاق سراح المختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثي بمحافظة إب، قبل تفشي فيروس كورونا فيها.
ودعت أمهات المختطفين الصليب الأحمر لزيارة السجون وأماكن الاحتجاز والتعرف عن قرب على حجم المعاناة التي يعانيها المختطفون في سجون الحوثيين.
وشددت على أهمية الإسراع في تنفيذ الافراج عن المختطفين في ظل الانتشار السريع لوباء كورونا في العالم.
وذكرت الرابطة أنه خامس عام على التوالي الذي يحتفلن خلاله بعيد الأم أمام السجون حيث يقبع المختطفون والمخفيون قسراً بينما أمراض بعضهم تتفاقم في غياب الرعاية الصحية.
وقالت إن العشرات من المختطفين توفوا بسبب هذا الإهمال، آخرهم المختطف مصطفى عبدالله حمود الذي توفي بعد أسابيع من الإفراج عنه من سجون جماعة الحوثي المسلحة في محافظة إب.
وطالبن الرابطة بإطلاق سراح بقية المختطفين والمخفيين قسراً قبل أن يفقدوا حياتهم خلف القضبان. كما حمّلت الأمهات جماعة الحوثي مسؤولية حياة وسلامة جميع أبنائهن المختطفين والمخفيين قسراً خلف قضبان السجون.
ويقبع المئات من أبناء محافظة إب، منذ سنوات في سجون ميليشيا الحوثي الانقلابية، فيما توفي العشرات منهم داخل السجون وخارجها جراء عمليات التعذيب الوحشية التي ترتكبها الميليشيا بحقهم، وفق ما وثّقته عدة تقارير حقوقية.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفثس، قد دعا الأطراف اليمنية الى سرعة إطلاق جميع الأسرى والمحتجزين خشية إصابتهم بفيروس كورونا، مشدداً على ضرورة اتخاذ الإجراءات لتسريع تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى.
مواقف متضاربة لأطراف الصراع
في ابريل من العام الجاري كشفت مراسلات رسمية بين هيئات حكومية تتبع جماعة الحوثي بصنعاء عن انتشار أمراض تنفسية وجلدية في مصلحتين للسجناء في ظل أوضاع سيئة تعيشها الإصلاحيات في اليمن بفعل ظروف الحرب.
وأقرت المذكرات الرسمية المنشورة بين وزارتي الداخلية والصحة ومؤسسة الرئاسة في حكومة الحوثيين بوجود 38 حالة مصابة بالتهابات تنفسية، وسل، والصـدفية والزكام والجرب في سجني احتياطي الثورة وعلاية في صنعاء.
وتحكي الوثائق الرسمية أن القصة بدأت نهاية يناير/كانون الثاني الماضي عندما خاطبت مصلحة السجون قيادة وزارة الداخلية بوجود 18 حالة اشتباه بمرض السل في سجن علاية، و20 حالة في سجن الثورة.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي خاطب اللواء علي سالم الصيفي وكيل وزارة الداخلية لقطاع الموارد البشرية والمالية في حكومة الحوثيين الوزير اللواء عبدالكريم أمير الدين الحوثي في مذكرة رسمية يبلغه فيها أن غرفة عزل أحد المصابين في سجن الثورة قريبة من العنابر التي يحتجز بها المساجين، الأمر الذي قد يزيد من حالات العدوى موصيا ببناء أماكن عزل بتهوية جيدة.
واقترح الوكيل الصيفي اعتماد كوادر صحية لمتابعة المصابين يوميا والاعتناء بهم خاصة في جانب التغذية لرفع المناعة لمقاومة الفيروسات والبكتيريا.
هذه المقترحات رفعها وزير الداخلية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي مهدي المشاط حسب إحدى المذكرات، ليقوم المشاط بتوجيه وزارة الصحة وأمانة العاصمة باتخاذ الإجراءات المطلوبة للحد من تفشي الأمراض والأوبئة بين النزلاء حسب مذكرة أخرى من مكتب الرئاسة نهاية مارس/آذار الماضي.
وتتشابه هذه الأعراض مع بعض أعراض كورونا بينما تعاملت الوثائق معها كالتهابات صدرية وأعراض قريبة من مرض السل خصوصا، وقد انتشرت نهاية يناير/كانون الثاني قبل انتشار الموجة الثانية من كورونا في اليمن.
ويرى مختصون صحيون أن أعراض كورونا تتشابه مع بعض أعراض الإنفلونزا الموسمية أو التهابات الصدر، وأن التمييز بينها يحتاج لخضوع المصابين لفحص “كوفيد-19” سواء فحص “بي سي آر” (PCR)، أو فحص الأجسام المضادة (لكشف الإصابة السابقة)، أو فحص الأجسام الامتصاصية (المناعية) للإنزيم.
وتثير هذه المعلومات مخاوف كثير من أسر المعتقلين في اليمن خصوصا مع تفشي وباء كورونا بشكل مخيف خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويقول المحامي عبدالمجيد صبره -وهو أحد المحامين المتابعين لأوضاع المعتقلين- إن الأوضاع الصحية وخدمات الرعاية في أماكن الاعتقال سيئة جدا ولا ترقى للحد الأدنى المطلوب في الخدمات الصحية.
معتقلون يطالبون بالرعاية
وأكد صبره أنه من خلال متابعته لأوضاع المعتقلين اطلع على انتشار بعض الأوبئة بين المعتقلين بسبب عدم تعرضهم للشمس فترات طويلة.
ويكشف عن وجود حالات كثيرة لمعتقلين خرجوا من السجن معاقين بسبب الإهمال الصحي، وبعضهم خرج أعمى، ويستشهد بشكوى معتقلين في جلسة محاكمة عقدت في 22 مارس/آذار الماضي طالبوا فيها بالعناية الصحية.
موقف الحكومة المعترف بها دوليا
الحكومة المعترف بها دوليا تحمّل جماعة الحوثي المسؤولية
من جهته حمل الناطق الرسمي للحكومة الشرعية راجح بادي جماعة الحوثي مسؤولية الأوضاع السيئة للمعتقلين في سجون صنعاء، خصوصا مع تفشي الأوبئة وجائحة كورونا.
وأضاف بادي أن مليشيا الحوثي اعتمدت على احتجاز المعتقلين في أماكن غير صحية وبعضها غير معروف وفي ظروف اعتقال تعسفية، حيث تمنع الرقابة وحق الوصول إليها من قبل المنظمات الحقوقية المعنية سواء المحلية أو الدولية.
وأشار إلى أن كثيرا من المعتقلين المفرج عنهم خرجوا يعانون من أمراض متعددة بسبب التعذيب أو سوء التغذية وانعدام النظافة في أماكن الاحتجاز وحرمانهم من التطبيب والرعاية الصحية.
ودعا بادي منظمة الصليب الأحمر الدولية لزيارة السجون وتوفير الحماية للمعتقلين والموقوفين، وتوفير بيئة تحفظ حقوق الإنسان وحياتهم في الإصلاحيات والمعتقلات.
وأكد أن مآسي سجون الحوثيين كثيرة لا تتوقف عند تدهور الأوضاع الصحية، بل يضاف إلى ذلك الإخفاء للمعتقلين وحرمان أسرهم من الزيارة، والتعذيب الذي وصل حد الموت لعدد من المعتقلين.
ودعا بادي إلى سرعة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمدنيين على ذمة الحرب خصوصا مع تفشي جائحة كورونا والأوبئة في ظل سياسة التكتم وعدم الشفافية التي تتخذها المليشيات تجاه انتشار وباء كورونا في مناطق سيطرتهم.
موقف جماعة الحوثي
تهربت جماعة الحوثي من الرد مباشرة على مضمون الوثائق واكتفت بالتلميح بوجود جهود لتحسين الوضع الصحي، معتبرة انتشار بعض الأمراض أمرا اعتياديا بسبب ظروف الإصلاحيات في ظروف الحرب والحصار وقلة الإمكانيات .
وتجنب العقيد نجيب العنسي مدير مركز الإعلام الأمني بوزارة داخلية الحوثيين (غير معترف بها) التعليق الصريح على مضمون الوثائق التي تكشف عن 38 حالة إصابة بين المساجين بأمراض تنفسية، لكنه قال إن الأمراض المعدية تظهر في السجون وتختفي بين الفينة والأخرى، ودائما ما تتم السيطرة عليها.
واعتبر أن هذا هو حال السجون اليمنية بشكل دائم منذ عقود، حيث بُنيت بقدرة استيعابية محدودة، ولم يتم توسعتها مما يجعلها مكتظة بالمساجين.
وأشار إلى وجود جهود لتحسين وضع السجون من النواحي الصحية والقدرة الاستيعابية في ظل صعوبات تتمثل بشح الإمكانيات وانعدام الموارد بسبب الحرب والحصار.
إلى ذلك، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين العميد عبدالخالق العجري، تفشي أي أمراض أو فيروس كورونا في السجون، وقال للجزيرة نت إنه قد يصادف وجود مريض بالربو أو بحساسية الصدر أو أمراض شائعة فيجري توظيفها من قِبل الخصوم توظيفًا مغايرًا للواقع.
وأشار إلى أن وزارة الداخلية حريصة على تنفيذ كل الإجراءات الصحية المناسبة في السجون وجميع أماكن الحجز بقدر المتاح، من نظافة وفحوصات وبما في ذلك عزل أي حالة اشتباه وتقديم الرعاية الصحية وفق المعايير المتفق عليها.
وحول وضع الأسرى المحتجزين، قال العجري إن ملف الأسرى هو من اختصاص لجنة الأسرى، غير أنه أشار إلى أن جميعهم يتمتعون بصحة طبيعية، وإن سلطاته -وفق توجيهات عليا- تعلن على الفور في حال تردت صحة أي أسير، وتطالب بكل وضوح بسرعة إخراجه للعلاج خارج البلاد إذا استلزم ذلك، كما حدث مع الأسير السعودي المُفرج عنه في وقت سابق.
وأضاف “نحن نسعى إلى تبادل للأسرى لدوافع إنسانية أولًا، غير أن الطرف الآخر هو من يعرقل أي تفاهمات في هذا الجانب”.
الصليب الأحمر مستعد للمساعدة
من جهته، يقول بشير عمر المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن إنه لا توجد لديهم معلومات بتفاصيل هذه الوثائق، إلا أنه في حال طلبت منهم سلطات السجون المساعدة، سيقيّمون الوضع للقيام بالتدخل المطلوب.
وأوضح عمر أن الاهتمام بالمساجين من مهام الدولة وسلطات السجون، وفي حال عجزت هذه الجهات بسبب نقص في الإمكانيات تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم المساعدة بناء على طلب السلطات وبالتنسيق معها.
وأكد عمر أن أبواب اللجنة الدولية للصليب الأحمر مفتوحة لكل السلطات في مختلف مناطق اليمن وفي حال ظهرت احتياجات في أماكن الاحتجاز سيقومون بالزيارة وتقييم الاحتياج وتقديم المساعدة، مشيرا إلى أنهم عادة يزورون السجون بالتنسيق مع الجهات المعنية ويقومون بالتدخل أو العلاج إذا تطلب الأمر
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.