المواطن/ كتابات ـ مختار الفهيدي
سمعت وقرأت عنه الكثير من الإخبار الطيبة، والمواقف البطولية والوطنية التي خاضها قبل أن التقي به وجها لوجه.
أعجبت به كـشخصية وطنية وقفت على ناصية الحلم الذي يحلم به كل أبناء اليمن، وقاتل من أجل تحقيقه.
كان هذا قبل عامين تقريبا.
في كل يوم أنام فيها كان ذهني يرتب جدولاً لذلك اليوم الذي سوف ألتقي به مع شخصية وطنية بحجم العميد الركن عدنان الحمادي.
أما عن البداية فقد كانت بسبتمبر، وأكتوبر 2017 عبر الأديب والكاتب الصحفي المعروف منصور السروري الذي تعرفت عليه ذات يوم بالصدفة عندما كنت عائداً من أحد أسواق المدينة عند زيارته للصديق وضاح اليمن القادم من القاهرة، وجمعتنا كثير لقاءات وجلسات، وسهرات وعندما كان يحدثنا عن الحمادي كقائد عسكري وطني إستثنائي كنت أتمنى الالتقاء بهذا القائد فأخبرته أن ينسق للقاء معه.
انقضت بضع أشهر من لقائي بالصحفي منصور السروري الذي أصبح صديقي بعد ذلك.
وفي ليلة من ليالي شهر “رمضان” كنت مع بعض الرفاق والأصدقاء نتناقش بحرارة حول معظم القضايا الجارية أنذاك بوعي واقعي يجسد مدى الهم الوطني الذي يحمله كل الشباب الحاضرون تلك السهرة.
ورويدا رويدا بدأ الصمت يتسلل عبر النوافذ كما يفعل في كل جلسات القات المعتادة عندما تصل نشوة القات ذروتها أو ما تعرف بـ ” الساعة السليمانية” ليصبح كل واحداً منا منهمك بمشاغله الخاصة.
وحده الصمت سيد المكان ولكنه لم يستمر بسيدته هذه المرة والزميل وضاح اليمن بيننا حيث اخترق أسواره بجملة -هي يا شباب لا تزال مفاجأة الليلة تنتظركم-نطق الجميع بصوت واحد ماذا هناك؟
وضاح: ” غدا سنكون في ضيافة صاحب الطلقة الأولى في وجه الميلشيات الإنقلابية، غدا ستقابلون مؤسس الجيش الوطني -العميد الركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع.
تغامز الجميع بتجاه وضاح ورموه بالابتسامات التي تحمل الود له، ولمنصور السروري على الوفاء الذي جعلنا نحظى بهذه الفرصة، تعانقنا وضحكنا ضحكة الفرح، وعاد وضاح يكمل الكلام ويقول:
ـــ لكن قبل أن نلتقي بالقائد سنتجه صوب جبهة الصلو لـزيارة أبطال اللواء هناك، وسنجري معهم الحديث وسنحمل لهم تهاني قدوم عيد الفطر المبارك.
لم أنم تلك الليلة منتظر شروق الشمس حتى اصافح القائد تحت خيوطها الذهبية.
أتى الصباح بعد التنسيق مع الصديق والصحفي عبد الحليم صبر” فقد كنت مدججا ومستعدا للخروج كجندي يحمل كامل عدته يتشوق للموت.
انطلقنا من وسط المدينة حاملين مظاريف السلام للقائد من أبناء تعز الاحرار وتوصينا عليه كما أوصى يعقوب أولاده على يوسف.
على الطريق وفي الضباب كان ذهني يرسم تحركات الحمادي، وهو يحرر كل هذه التباب التي تغيب خلفنا، لم تمر ساعة الطريق سريعا بل كانت طريق طويلة وكان الشوق للقاء برمز وطني كـالعميد عدنان الحمادي يسبق الطريق في تخيل استقبالنا ومصافحته لنا ومناقشته من الوهلة الأولى.
سبحت في رسم هذه المشاهد المتنوعة، فلم أستعيد وجودي على متن السيارة إلا وقد وصلنا جبهة الصلو المعروفة بتضاريسها الوعرة وجبالها الشامخة تلك، نبحث عن شوق يختبئ منذ وقتا طويل أستقبلنا الضباط والجنود هناك بلحظات تغمرها السعادة والفرح بقدومنا إليهم.
عند وصولنا جبهة الصلو التقينا ببعض الضباط والجنود في الجبهة والجلوس معهم للحديث عن المعارك التي خاضوها والبطولات التي سطروها في مختلف جبهات اللواء 35 مدرع.
كان الجندي منهم قد خاض المعارك بعدة جبهات، وشهد تحرير العديد من المواقع.
شعرنا ذلك اليوم من حماسهم بأنه لم يتبقى لعملية تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين إلا وقت قليل يرتبط بجدية القرار السياسي، وتكاتف جميع القوى في المحافظة للانطلاق نحو التحرير ودحر الإنقلاب.
أجرى الزميل وضاح مقابلات إذاعية لإذاعة صنعاء ولبرنامج (عيدنا مقاومة) مع العديد من الضباط والجنود هناك، ومع غروب الشمس وشروع المغرب يقترب أكثر فأكثر تحركنا للعودة للالتقاء بالقائد العميد ركن عدنان الحمادي قائد اللواء في قريته يافق مسقط رأسه بعزلة بني حماد التي وصلناها بعد آذان صلاة المغرب، حيث كان ينتظرنا للإفطار والعشاء معاً.
عند وصولنا إستقبلنا القائد بإبتسامات لا أستطيع وصفها.
صافحنا جميعا بعناق الأب لأبنائه وبطريقة تنم عن تواضع كبير لهذا الرجل العظيم.
بدأنا بتناول وجبة الإفطار الرمضاني حتى أكملنا وجبة العشاء.
بعد أن أخذنا استراحة لبعض الدقائق قام زميلنا وضاح اليمن بإجراء مقابلته اﻹذاعية مع القائد عدنان الحمادي لبرنامج عيدنا مقاومة.
تحدث خلال المقابلة عن مشاكل وصعوبات عملية التحرير، وأهم المشاكل التي تقف عائقا أمام إنطلاق عملية التحرير، وفك الحصار عن المدينة.
أثناء مشاهدتي واستماعي للقائد في الردود على أسئلة الزميل وضاح وجدته ليس قائداً عسكرياً فحسب بل ورجلاً سياسياً ومثقفاً كبيراً منغمساً بكل الاخلاص في حبه لتعز الأرض والإنسان.
لقيت قوة صدقه في عملية تخليص تعز، والوطن من كابوس أيلول الأسود.
انتظرنا حتى يكمل زميلنا وضاح حواره معه.
بدأت جلسة القات مع القائد، وخضنا معه نقاشاً مفتوحا.
طرحت الأسئلة التي كان الشباب قد أعدها قبل ذلك اليوم بوقت طويل.
لم نشعر بأي تذمر منه عن تلك الأسئلة التي كانت متنوعة، وبعضها شديدة.
وجدناه يبادر بالإجابة على كل الأسئلة ويشرح بالتفاصيل المعارك التي خاضها اللواء وعن تضحيات المقاتلين وصمودهم أمام نيران العدو.
كان يحدثنا كأب يتحدث مع ابنائه وبكل بساطة مملؤة بالتواضع لصاحب قلبا نقي وطاهر لا يحمل الحقد لاحد.
وناقشنا معه كثير من القضايا سواء التي تخص تعز ومشاكلها أو اليمن بشكل عام.
لم نمل من الحديث معه وهو أيضا لم يمل منا.
كانت ليلة استثنائية لا يمكن أنساها.
حدثنا عن المشاكل والصعوبات التي تعيق تحرير بقية المناطق التي لا تزال تحت سيطرت المليشيات الإنقلابية، وبعض الخلافات التي عصفت بالمؤسسة العسكرية في المحافظة وعملية الخلط بين هذه المؤسسة، وتدخل السياسة بوظيفتها حتى جعلت حركة محور تعز العسكري مشلولة.
سألناه عن حملات التخوين، والتحريض الموجهة ضد اللواء 35 مدرع واتهامه بالخيانة الوطنية، والعمالة.
كان رده لنا بأن هذه الاتهامات لن تثنيه عن مواصلة عملية النضال في عملية التحرير، واستعادة مؤسسات الدولة من قبل جماعات الحوثي اﻹنقلابية وبناء اليمن الإتحادي، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
بعد عودتنا تلك الليلة من عنده إلى المدينة أخذت أتابع كل الأخبار عنه.
وجدته في كل الخطابات الرسمية وغير الرسمية، كل جلساته مع الشباب والناشطين والوجهاء والقيادة العسكرية في تعز يدعو إلى ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة وترك الخلافات الجانبية والتوجه نحو العدو المتربص لأبناء تعز والخلاص من هذا الكابوس المشؤوم الذي دمر كل شيء في بلادنا.
دائماً كان يدعو قيادة محور تعز العسكري ويقول:
ـــ إن عدونا الأساسي هو جماعات الحوثي التي قتلت، ونكلت، ودمرت كل شيء في بلادنا العداء ليس فيما بيننا.
كان يكرر دائما نحن أبناء بلاد واحدة… أبناء مدينة واحدة.
كان ينادي ضباط الجيش، والأمن كل في موقعه إلى تغليب الأخوة والمحبة في نفوس المقاتلين، ونزع الظعينة، وترك ما يزرعه اﻹعلام من عملية التخوين والتحريض ضد بعض.
لم يكن هذا اللقاء هو الوحيد فقد تعددت اللقاءات به في مناسبات مختلفة وبدون مناسبات.
كنت أجده دائماً قائدا متسلحاً بالحرية، واشراقة الفكر، مؤمنا بحق هذا البلد في حياة أفضل، وكان هذا الإيمان عنده أقوى من كل الأسلحة … أقوى من كل مدفعية ودبابة.
وجدته عزيزا لا ولن ولم ينحن سوى لله، وللوطن.
علمنا وزرع فينا الكثير من الحكمة، والأمل والنشوة من أجل الانتصار حتى وإن كان في سبيل ذلك منحدرات وصعوبة في تحقيق المنال.
امتدت صداقتي معه منذ تلك الليلة لما يقارب السنوات الثلاث حتى خلطته بنفسي، وصرت أعرفه معرفة الفكر والوعي كأنه شيئاً في عقلي، ومعرفة القلب كأنه شيئاً يسير في دمي.
وفجأة وقع ما لم نكن نتوقعه ولا نريده أن يحدث.
اخذته رصاصات الغدر منا بعيداً في عملية إغتيال جبانة لم تطال جسده وحده، وإنما طالت جسد تعز، واليمن كلها.
ربما هو الأن صار غائبا عن الأبصار لكنه لن يغيب عن بصائر قلوب، وأرواح كل الشرفاء الأحرار على ظهر هذه الأرض.
المجد والرحمة والخلود والسلام لروحه الطاهرة النقية.