تقرير _ ابرار بجاش
في خضم ما تعيشه البلاد من مأساة الحرب منذ ستة أعوام يعاني ما يقارب 3.6 مليون نازح ونازحة أزمة إنسانية متفاقمة بحسب منظمة الأمم المتحدة التي ذكرت بأن ما يقارب 24مليون يمني بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية .
خلفت تلك الأزمة بطبيعة الحال آثارًا سلبية على النازحين بشكل خاص نتيجة نمط الحياة التي يعيشونها في المخيمات ، حيث ساهم ذلك في انخفاض مستوى الإدراك والفهم لمدى أهمية النظافة والوعي الصحي مما أدى إلى سهولة تفشي وباء 19 COVID بشكل سريع .محدودية الفحص تخفي الأرقام الحقيقية
محدودية الفحص تخفي الأرقام الحقيقية
لقد هاجمت الموجة الثانية من جائحة كورونا اليمن بشدة ، إذ سُجلت 6,864 حالة مؤكدة و 1,350 حالة وفاة مرتبطة بالوباء، مع العلم أنه تم الإبلاغ عن أكثر من نصف إجمالي الحالات في الربع الحالي من العام الجاري. بحسب متحدثة المنظمة الدولية للهجرة السيدة أوليفيا هيدون.
وتستدرك هيدون: ” نظراً لمحدودية الفحص والإبلاغ عن الحالات في اليمن، فمن المرجح أن يكون عدد الحالات أعلى من ذلك بكثير، و من الطبيعي أن يكون النازحين أكثر عرضة للإصابة بالأمراض كفيروس كورونا؛ لأنهم يعيشون عادة في مواقع مزدحمة تفتقر لأبسط الوسائل لمواكبة تدابير الصحة العامة الأساسية أو حتى دون إمكانية وصولهم إلى المياه أو الصرف الصحي، وبالتالي فإنهم أكثر عرضة للآثار السلبية الناجمة عن هذه الأمراض؛ نظراً لمحدودية وصولهم إلى الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية.
وتضيف قائلة: ” علاوة على ذلك فإن 37% من النازحين يقطنون في مواقع معرضة لخطر الفيضانات بعد هطول الأمطار الغزيرة، مما يؤدي إلى زيادة مخاطر تلوث المياه و تفشي الأمراض المعدية؛ و بالتالي فإن غالبية هذه المواقع التي تشكل ما نسبته32% من الأماكن المستهدفة لدى النازحين معرضة بشدة لانتشار الأمراض من ضمنها فيروس كورونا، الذي تسبب بضغط إضافي على المرافق الصحية التي تعمل حالياً، مما أدى إلى تقليص الاستفادة من الخدمات الصحية.
وأوضحت هيدون بأنه تم إعادة تخصيص ما يقارب 15% من النظام الصحي للتصدي لفيروس كورونا، مما تسبب في تقليل التغطية الصحية الشاملة بنسبة 20 إلى 30%، هذا في بلد تعمل فيه 50% فقط من المرافق الصحية ،ووفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) ، فإن 45 %من النازحين أو أي شخص في أسرتهم ، قد عانوا من أعراض COVID-19.
تحدي التباعد داخل المخيمات
في الفترة من 30 مارس إلى 18 يوليو من العام الجاري سجلت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة انتقال أكثر من 10,000 شخص بسبب فيروس كورونا، ويرتبط معظمهم عادةً بمخاوف الإصابة بالفيروس وتأثير تفشي المرض على الخدمات وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
كما أفادت هيدون بأن عدم القدرة على الابتعاد عن الآخرين هو التحدي الأكثر شيوعاً في المخيمات ، والذي جعل من الحد من انتشار الفيروس صعبا على النازحين، و كذا الافتقار إلى مرافق غسل الأيدي الذي يمثل تحدياً كبيراً للنازحين الذين يعيشون سواء في مواقع منظمة أو غير منظمة.
والآن بعد أن تعامل البلد مع موجة ثانية من فيروس كورونا، تظل التغيرات السلوكية التي تهدف إلى الحد من انتقال العدوى على مستوى المجتمع أولوية رئيسية، فقد عملت المنظمة الدولية للهجرة بلا كلل منذ مارس 2020 لمساعدة المهاجرين والنازحين على البقاء في مأمن من كورونا من خلال زيادة الوعي، وتوزيع أدوات النظافة، ودعم اختبار فيروس كورونا، وبناء مركز الحجر الصحي، ودعم الوصول إلى المياه النظيفة، وغيرها من أشكال الدعم الأخرى.
تحرك حكومي وجهود أممية
و في إطار الاستجابةً لجائحة فيروس كورونا، أعلنت السلطات المحلية في اليمن حالة طوارئ صحية على مستوى البلاد، وفرضت قيوداً على الحركة على طول نقاط العبور والحدود الرئيسية، كما وضعت تدابير وقائية، وفحوصات صحية إضافية للأشخاص الذين يمرون عبر عشر نقاط عبور تستخدم للتنقل العام بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وتحديداً في النقاط الواقعة في تعز والبيضاء.
تعمل المنظمة الدولية للهجرة ضمن إطار الأمم المتحدة، وبالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان ومنظمة الصحة العالمية على توفير خدمات الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية الأولية والثانوية المنقذة لحياة النازحين والمجتمعات المضيفة والمهاجرين، ودمج جهود الاستجابة لفيروس كورونا عبر برنامج صحة الهجرة.،كما تعمل المنظمة الدولية للهجرة بشكل وثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان ومكتب الصحة بالمحافظة على أنشطة التأهب والاستجابة لفيروس كورونا المستجد.
وفي عام 2020، فرضت السلطات في عدة مواقع في مختلف أنحاء المناطق الجنوبية و في مأرب حظر التجوال، وأصدرت توجيهات تعتبر جزءا من الجهود المبذولة لتعزيز التغيرات السلوكية الإيجابية للمساعدة في السيطرة على انتشار الفيروس حسب المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة أوليفيا هيدون، التي أضافت أنه: “بحلول نهاية مارس 2021، تلقى اليمن 360,000 جرعة من لقاح أسترا زينيكا، وهو أول دفعة من 14 مليون جرعة سيتلقاها اليمن من خلال منشأة الكوفاكس. و كجزء من استجابة المنظمة الدولية للهجرة للنزوح الأخير في مأرب.
وفي السياق ذاته تقول هيدون: “اجتمعت المنظمة مع مكتب صحة المحافظة لمناقشة الاحتياجات والفجوات الصحية، شملت الاحتياجات الفورية التي تم تحديدها، منها: دعم مركز عزل فيروس كورونا ومراكز الحجر الصحي، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية الصحية الأخرى في المناطق المكتظة بالسكان.
احترازات وقائية
ويذكر لنا نزار عبودي المنسق الإعلامي في المؤسسة الطبية الميدانية، أنه ومن خلال تجربته الميدانية في مخيمات النازحين، لفت نظره بشكل كبير أن النازحين في المخيمات فهموا الأسباب و الأعراض لكنهم لم يلتزموا بالإجراءات الوقائية؛ لعدم توفر ظروف ملائمه تسمح لهم بالتكرار الدائم لغسل اليدين؛ لعدم توفر المياه بشكل مستمر.
من جانبه يذكر لنا الدور الكبير الذي لعبه الفريق الطبي الميداني في رفع الوعي الصحي لدى النازحين في إحدى المخيمات ويقول:” تم تدريبهم على أساسيات الإسعاف الأولي، وتوزيع حقائب النظافة، وصندوق إسعافات حتى أصبح عندهم نوع من الوعي، وفي حال ظهرت لهم الأعراض يتم العزل والذهاب المبكر للمراكز الصحية القريبة، والتباعد الاجتماعي وغيره من الإجراءات الوقائية .
تلقى معظم النازحين رسائل تعزيز النظافة للتصدي لفيروس كورونا، ولكن قد يكون من الصعب التأكد من أن المجتمعات تأخذ الرسائل وتدمجها في حياتها اليومية بحسب رئيس الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين، ففي هذا الصدد يقول السعدي: “حاولنا نحن والمنظمات الدولية التركيز على توزيع مواد النظافة و التعقيم بشكل أكبر وتنفيذ حملات توعوية الوحدة التنفيذية خصوصا منظمة اليونيسف، ولكن المخيمات بوضعها الراهن غير مؤهلة لإحداث عزل صحي كامل بحيث يمنع عدوى انتقال الفايروس كليا.
في بداية الجائحة كان عدد كبير من النازحين يؤمن بأهمية تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها؛ للوقاية من فيروس كورونا، ولكن ممارسة هذه التدابير كانت منخفضة للغاية بين أفراد المجتمع بسبب الافتقار إلى الظروف البيئية الملائمة، التي تسمح للأشخاص باتباع مثل هذه الإجراءات، مثل: ازدحام المواقع، ونقص المراحيض الآمنة / الملائمة في بعض المواقع، وكذا نقص توفر معدات الوقاية الشخصية.
لقد عملت المنظمة الدولية للهجرة عن كثب في المواقع التي تعمل فيها، على توفير بعض هذه الاحتياجات لتزويدهم بالوقاية اللازمة لضمان حصولهم على حماية إضافية.
المخيمات لا تكفي!
يخبرنا الصحفي والمصور عبدالله الجرادي من خلال تجربته في مخيمات النازحين في مأرب عن بعض الأمور التي لاحظها كون عمله مركز وبشكل كبير في تلك المناطق، إذ يقول: ” أسهمت المنظمات والسلطة المحلية في مأرب من خلال الخدمات التي تقدمها في المخيمات في جذب كثير من النازحين من مختلف المحافظات.
واضاف الجرادي: “لكن بقدر ما كان هذا الشيء إيجابي بقدر ما هو سلبي؛ لأنه وللأسف بسبب الحرب على محيط مأرب أدى ذلك إلى توافد الكثير إلى المدينة، وازدحام في مخيمات النازحين في المدينة التي تضم أكبر مخيمات الجمهورية اليمنية، إذ إن أحد المخيمات يصل عدد النازحين فيه ما يقارب مليون نازح”.
وتابع الصحفي الجرادي: “بسبب هذا الازدحام اضطرت الكثير من العائلات إلى استضافة عائلات أخرى في نفس الخيمة التي يسكنون فيها، وهذا ناتج عن عدم قدرة المنظمات على استيعاب هذا الكم الهائل من النازحين. وقد حدث كل هذا بالتزامن مع الجائحة مما أسهم في انتشارها بشكل واسع.
من خلال تجربة المصور الجرادي في المخيمات سألنا عن الوضع الصحي للنازحين في بداية الجائحة، وكان رده: ” الكثير من الناس فقدوا حاسة الشم والتذوق وشعور بفتور في الجسم، وكان الجميع يخبروا بعضهم البعض بمعاناتهم من هذه الأعراض دون الاعتراف بالإصابة بكورونا؛ وذلك لأن السلطة المحلية بالتعاون مع منظمة الهجرة فتحت مراكز للحجر الصحي، الأمر الذي أدى إلى تخوف النازحين من الاعتراف بالإصابة.
يضيف الجرادي: ” هذا الشيء أيضا أسهم في انتشار الفيروس أكثر و؛ لكن السلطة فرضت حظرا مسائيا ساعد نسبيا في الحد من التفشي.
يعتبر كبار السن الفئة الأكثر تضررا في ظل الجائحة، حيث لوحظ أن غالبية المصابين من كبار السن حيث كانوا ضحية هذه العشوائية بالرغم من أنهم لم يكونوا من ضمن الأشخاص الذين يتجولون في المدينة، وهذا يعني أن الفيروس انتقل إليهم بعد الانتقال إلى منازلهم عبر باقي أفراد الأسرة.
“للمبادرات الشبابية دور كبير في خلق وعي صحي بالتعاون مع السلطات المحلية في مأرب بحسب الجرادي، وكان لذلك التثقيف عدة أشكال منها: تشجيع المبادرات المجتمعية من خلال دعمهم مالياً لتنفيذ حملات رش وتعقيم وتوعية في المخيمات وفي أرجاء المدينة، وتعليق لوحات إرشادية وتوعوية للحد من انتشار الفيروس.
لم تكن مزاولة العمل الإعلامي في المخيمات بتلك السهولة، فقد عانى الجرادي وواجه مشقات كثيرة في سبيل إيصال صورة مكتملة لما يعيشه النازح في مخيمات مدينته، وكان لذلك نتائج إيجابية كبيرة بحسب الجرادي.
يختم الجرادي:”هذا الإصرار في تحمل المشقات كان له نتائج إيجابية حيث قررت بأن يكون لي شيء يخصني بعيداً عن كل الجهات، وهو التصوير ونشر هذه المعاناة في صفحتي الخاصة ومواقع التواصل، والمطالبة بمساعدتهم، وكان هناك تفاعل إيجابي كبير من المجتمع اليمني، تمثل في الحصول على الكثير من المساعدات لهؤلاء.
و بشكل عام فقد تسبب الصراع القائم ب إلحاق أضرار جسيمة بالخدمات العامة كالمياه النظيفة وأنظمة الصرف الصحي الآمنة في مختلف أنحاء البلاد، و علاوة على تبعات فايروس كورونا فإن اليمن الذي تطحنه الحرب للعام السابع على التوالي يشهد أسوا أزمة في العالم بحسب منظمة الأمم المتحدة.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا