كتابات – ضياف البراق
في ١٠ فبراير من العام ٢٠١١ مات أبي بين يديَّ في مستشفى الثورة بتعز. في اليوم التالي، ١١ فبراير، انفجرت الثورة السلمية وانفجر قلبي من الفرح. كان عمري ١٧ سنة تقريبًا. بعد أيام قليلة من اشتعالها خرجتُ مُتحمِّسًا مع طلاب المدارس في المظاهرات الكبيرة وهتفتُ معهم ضد النظام الفاسد. ها أنذا اليومَ أتذكّر تلك الأيام الجميلة من حياتي وأحاول استعادتها لكي أعيشها من جديد. آمنتُ بالثورة من يومها الأول، وسأظل معها حتى آخر رمق من حياتي. أنا لا أتعب من الحرية، ولا أيأس منها. ثورتنا لم تنتصر بعدُ؛ الحربُ قطعت طريقها، لكنها ستنتصر ذات يوم، فالمستقبل لها، وهذا قدر الثورات على مر التاريخ. وأهدافها سوف تتحقق مع الزمن، إنّي لمؤمنٌ بهذا النصر اليمني المُنتظَر. فالثورة صرخة أبدية في وجه الظلم اللعين. هي الفعل الجماهيري الكفاحي والتنويري المستمر إلى أن يحقق جميع أهدافه أو بعضها على الأقل. ولنعترف هنا أن هذه الثورة لم تنجح في إسقاط النظام الظالم بصورة تامة، وأسوأ من ذلك أنها لم تغيِّر ثقافة المجتمع، ولكنها ثورة مستمرة حتى تحقق نجاحها المنشود. بالتأكيد، لن تقوم الدولة المدنية التي ننشدها إلّا بعد تغيير ثقافة مجتمعنا، لأنّها ثقافة متخلِّفة جدًا وغير إنسانية، وما هذه الكوارث المُدمِّرة التي نغرق فيها إلّا من إفرازات هذه الثقافة الظلامية. سنغيّرها.
هي ثورة غالبية الشعب اليمني ضد الطبقات المُتسلِّطة، هي ثورتنا السلمية الصادقة على السياسة الظالمة، هي ثورتنا العادلة من أجل إقامة الحق والحقيقة والسلام الاجتماعي، هي ثورتنا المستمرة للخلاص الكامل من هذا الظلام التاريخي الطويل، هي إصرارنا الجمعي القوي على أن نعيش أحرارًا لا عبيدًا.
١١ فبراير، يوم يمني تحرري عظيم لم يتوقعه علي عبدالله صالح، ولذلك أسرع بتحريك نظامه لإسكات صوت شعبنا الثائر، ولكن سلمية الثورة وإرادتها كانت أقوى من وحشية النظام. هذا الوطن ملك للشعب بأكمله، ومن سيقف ضد هذا الحق سيجرفه شعبنا إلى مزبلة التاريخ، ومن سيقدس شعبنا سيحترمه شعبنا، فشعبنا العزيز عندما يثور لا ييأس ولا يموت. يجب ألا نستسلم، يجب ألا نيأس، يجب أن نستمر في زحفنا الفبرايري حتى اجتثاث الظلم بجميع أشكاله من أرضنا. وهنا سأقول للساخرين: دفاعي عن ١١ فبراير هو دفاعٌ عن وجودي، دفاعٌ عن حقي في العيش بكرامة، دفاعٌ عن أحلامي وكلماتي وأيامي وحياتي ومستقبلي. ليس أمامي من خيار آخر غير هذا: المضي على درب ١١ فبراير حتى النصر أو الموت!
كان أبي سيعيش طويلًا لولا الفقر والحرمان والفساد الصحي. بنفس المعاناة أيضا ماتت أمي. إذَنْ، انفجرت الثورة لأن الطبقة الحاكمة المُستبِدة كانت قد أفسدت كل شيء في البلاد، واغتصبت جميع حقوق المواطن، أي سحقت كرامته. إنّ كرامة الإنسان هي فوق كل شيء، وهي أغلى من كل شيء؛ إذ تنتهي قيمة الإنسان بسقوط كرامته أو بضياعها أو باغتصابها. فالكرامة هي شرف الإنسان، كما هي شرف الشعب أيضًا. وفي مسلسل الزير سالم يقول كليب وهو في موقف صعب: “ولكن الكرامة يجب الدفاع عنها دون تفكير في العواقب!”. ونحن خرجنا في فبراير ذائدين عن كرامتنا، خرجنا من أجل حياة كريمة ينعم بها الجميع. وسنبقى سائرين على هذا المبدأ حتى ننال ما نريد، إذ لا بُدَّ من حياة كريمة لكل يمني.
اليومَ، نحن اليمنيين، لم يبقَ لنا من الوطن سوى ١١ فبراير المجيد، فلنتشبّث به ولنستمر فيه حتى نستعيدَ ما فقدناه ونبني دولتنا المدنية الرائعة. هذا يكفي.