المواطن – أحمد طه المعبقي
كلنا سمعنا عن ثورة أحمد عرابي في مصر ولكننا لم نسمع عن ثورة تحفة حُبل في اليمن، لاعجب مادام والتاريخ العربي برمته تاريخ ذكوري بأمتياز.
عمومًا أي ثورة أو انتفاضة في عصر من العصور، لابد انها ناتج طبيعي عن ظلم أجتماعي جائر خلق فوارق أجتماعية لمجتمع ما، نستطيع القول بأن ثورة تحفة من أهم الاحداث التاريخية في القرن العشرين لكنها أهملت من المؤرخين الذكور.
وتعد ثورة تحفة أرقى انتفاضة شعبية، أسست للتغيير السلمي في اليمن فقد سبقت ثورة الشباب السلمية بنصف قرن من الزمن، وأجبرت الإمامة في ذلك الحين على تلبية معظم مطالب الانتفاضة الشعبية، ولبى الإمام مطالب ثورة تحفة، لامتصاص الغضب الشعبي إدراكًا منه للمدلول الطبقي والاجتماعي الذي تحمله ثورة تحفة، ولكي لا تتحول إلى ثورة عارمة في عموم اليمن.
لذا يتوجب أن تكون ثورة تحفة منهج دراسي يدرس لطلاب اليمن على وجه الخصوص، والطلاب العرب على وجه العموم، كما يتوجب على المؤرخين والباحثين اعطاء ثورة تحفة أهمية واقامت الدراسات العلمية عليها، فهي لا تقل عن الثورات والانتفاضات التي حدثت في العصور الوسطى والعصور الحديثة، كثورة البرامكة والبابكين والقرامطة، في العصر العباسي، وثورة عرابي وسعد زغلول، وانتفاضة الزرانيق وانتفاضة المقاطرة؛ في التاريخ المعاصر.
عمومًا، نستطيع القول بأن المقدمات والعوامل للثورات والانتفاضات واحدة ولها مدلول أجتماعي وطبقي بغض النظر عن الحقبة الزمنية أو المكان.
لمعرفة بعض التفاضيل عن الثائرة تحفة حُبل سوف اعرض عليكم ماورد عنها بقلم حفيدها محمد سعيد الشرعبي:
تحفة سعيد سلطان الشرعبي، المعروفة بـ”تحفة حُبل” ثائرة يمنية رائدة رفضت الظلم وقاومت عكف الإمامة، وأوقدت شعلة الحرية في عز سطوة الرعب والجهل والكهنوت.
تمكنت تحفة حُبل من تأليب المقهورين في شرعب، واستعادوا أراضيهم المنهوبة من قبل عمال الإمامة، ووسعت ثورة الرفض للظلم والاستبداد حتى وصل صيتها إلى الإمام أحمد.
كانت تحفة حُبل تدرك نقمة الإمام عليها، ولهذا فرضت حضورها الشعبي بالانحياز للناس، وقادت أول مسيرة سلمية راجلة منتصف خمسينيات القرن العشرين من شرعب إلى قصر العرضي في مدينة تعز (مسافة 40 كيلو).
كان هدف المسيرة غير المسبوقة إيصال رسالة إلى الإمام أحمد عن ظلم عماله لأبناء منطقة شرعب، ووعدها بوقف التعسف والظلم، وتبين بعد ذلك عدم تنفذ وعوده.
وبعد أشهر معدودة وتأكيداً على رفضها للظلم، طردت عامل الإمامة من شرعب، ووصل الخبر إلى الإمام، وهددها برسالته الشهيرة التي جاء فيها: “من الإمام أحمد إلى تحفة حُبل.. يا شرعبية خلي الأذية .. صوت المدافع في الجحملية”.
فهمت الثائرة تحفة حُبل فحوى الرسالة، وهذا ما زاد سخط الناس من تهديد الإمام أحمد، ولكنها لم تذعن، وعملت مع أبناء المنطقة على تأمين أنفسهم وتوحيد صفوفهم وزراعة أرضهم.
وكان للثائرة تحفة حُبل دورًا اجتماعيًا كبيرًا في منطقتها، وكانت تحل الخلافات بين الرعية بدون مقابل، وحكمها لا ينقض بحكم ثقتهم بعدالتها بعدما ذاقوا مرارة الظلم على يد عكف الإمامة.
وتقدير المجتمع الفلاحي شمال تعز للمرأة مكن الثائرة تحفة حبل من تعزيز حضورها أكثر من الرجال في عز مرحلة عرفت بالجهل والجوع والخوف من الإجرام الإمامي.
وبفضل شجاعة تحفة حُبل وحرص أبناء المنطقة على رفض الظلم خرجت شرعب عن سيطرة عكف ما كان يعرف بالمملكة المتوكلية قبل خمس سنوات من 26 سبتمبر 1962، وإعلان قيام الجمهورية.
تلك هي الثائرة الملهمة تحفة حُبل التي دونت تاريخها بأحرف من ذهب، وجمهرت في شرعب شمال تعز قبل ميلاد فجر الجمهورية بعقد من الزمن.
عاشت تحفة سعيد الشرعبي جمهورية المبدأ، فولاذية الإرادة وشخصية مهابه تعتز بموقفها المناهض للظلم حتى آخر يوم في حياتها، ورحيلها عن الدنيا يوم 29 ديسمبر 1994م.