بلال الطيب
المُشاركة الشعبية المُنظمة خلال ملحمة السبعين يومًا الخالدة برزت من خلال المُقاومة الشعبية التي أعلن عن تشكيلها في 11 نوفمبر 1967م، بعد مُؤتمر شعبي أعد لذلك، ومُباركة حكومية جعلت المُقدم غالب الشراعي على رأس قيادتها، فيما أسفرت انتخابات ذلك المؤتمر عن اختيار عشرة أعضاء من الاتجاهات المُختلفة لمجلس قيادتها، كان الأستاذ عمر الجاوي أبرزهم، أسندت إلى الأخير مهام الأمانة العامة، إلى جانب دوره الإعلامي الذائع الصيت.
فتح الإعلان عن تشكيل المُقاومة الشعبية آفاقًا رحبة أمام قطاعات واسعة من الجماهير التواقة لتقرير المصير، والخلاص من الحكم الإمامي الكهنوتي المُظلم وإلى الأبد، وانخرط في صفوفها قيادات وأعضاء من القوى الوطنية بمُختلف مُكوناتها الحزبية، وعدد من القيادات العسكرية، والشخصيات الوطنية المُستقلة، وحتم من وجود ذلك الكيان أكثر، ضآلة أعداد أفراد القوات المُسلحة والأمن في مدينة صنعاء المُحاصرة.
بدأت المُقامة الشعبية مع بداية الحصار مهامها، وأصدر الفريق حسن العمري – القائد العام – قرارًا بتشكيل قيادتها العسكرية 7 ديسمبر 1967م، وتم توزيعها إلى أربعة قطاعات: قطاع الطلاب، وقطاع العمال، وقطاع المُوظفين، وقطاع التجار، وفي ساحة مدرسة عبد الناصر – ميدان الظرافي حاليًا – تم تدريب أعضائها المُتحمسين، ومن ثم القيام بتسليحهم وتوزيعهم على جميع مناطق وأحياء العاصمة.
بصرف النظر عن التغييرات التي حدثت بين حين وآخر، فقد تكونت قيادة المُقاومة الشعبية إلى جانب الشراعي والجاوي من كلٍ من: علي مهدي الشنواح، ويحيى الشامي، ومالك الإرياني، وسيف أحمد حيدر، ومحمد دغيش عن الموظفين، وعبدالحميد حنيبر، وعبده سلام عن الاتحاد العام للعمال، وعلي محمد زيد عن الطلاب، وصالح السلامي عن التجار، ويحيى البشاري، وعبدالله جباري، وأمين النزيلي.
فيما شُكلت القيادة العسكرية من كلٍ من: النقيب محمد صالح الكميم، والملازم نُعمان المسعودي، وعبده قاسم الجيشي، وأحمد الكرادي، ومحمد القربي، وناصر السعيد، ومُحسن الجبري، وعبد الإله سلام، ويحيى بيدر، ومحمد علي عبدالله.
معظم المهام التي نفذتها المقاومة الشعبية لم تكن قد رسمت مُسبقًا من قبل القيادة، وإنَّما فرضتها الأحداث وتطوراتها، وعندما اشتد الحصار شُوهد الكثير من عناصرها يُقاتلون إلى جانب أبناء القوات المسلحة والأمن في أكثر من موقع، ويمدون المُقاتلين بالماء، والغذاء، والدواء، وسقط أثناء قيامهم بذلك الكثير منهم بين شهيد وجريح.
وقبل التوسع أكثر في ذكر المهام التي اضطلعت بها المقاومة الشعبية أثناء الحصار – سنتناولها بموضوع مُستقل – وجب التذكير أنَّ الاستعدادات الشعبية للدفاع عن العاصمة صنعاء كانت قد بدأت مُبكرًا، وتحديدًا بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية في الخرطوم أغسطس 1967م، تداعت حينها القوى والشخصيات السياسية – من مدنيين وعسكريين – إلى عقد اجتماعات متوالية في فندق قصر البشائر، واستمرت لعدة أيام، وكان جدول أعمالها يتكون من عدة نقاط، تندرج تحت عنوان عريض يتلخص في ضرورة الاستعداد للدفاع عن الثورة من هجوم عدائي مُتوقع، آخذين في الاعتبار أنَّهم سوف يُقاتلون هذه المرة بمفردهم.
وقد تجلت الترجمة العملية لتلك الاجتماعات في مواقف عملية ملموسة مُشتركة، كان أبرزها مظاهرة 13 أكتوبر 1967م، التي غصت بها شوارع العاصمة احتجاجًا على وصول اللجنة الثلاثية، وبرغم الحوادث المؤسفة التي تخللتها، وبرغم أنَّها ساهمت في الواقع في إضعاف موقف الرئيس عبدالله السلال، ومهدت للانقلاب عليه، فقد كانت – كما أفاد جار الله عُمر – عملًا جماهيريًا لم يسبق له مثيل في تاريخ العاصمة؛ فهي لم تُرغم لجنة التدخل العربية على مُغادرة صنعاء خائبة وتحت حراسة مُشددة فحسب؛ بل كانت قبل كل شيء بروفة للصمود والمقاومة، ومُؤشرًا حقيقيًا إلى أنَّ الانتصار في تلك المعركة المصيرية سيكون من صنع الشعب بأسره.