فهمي محمد
كان النظام السياسي في صنعاء يدرك جيداً أنه خاض أربع سنوات من الصراع السياسي المكثف، مصحوبةً بالإعداد والتخطيط للكثير من عملية الإغتيالات السياسية التي شكلت أحد الأزمات القاتلة بين شركاء الوحدة، ناهيك عن تفجير حرب صيف عام 94 / كل ذلك كان بهدف الوصول إلى هذا الوضع السياسي / السلطوي/ الأحادي / المريح في دولة الوحدة = { نجاح الإنقلاب} والذي أصبح معه متحرراً من أي مرجعيات سياسية وحدوية وحتى من أي شريك فاعل = { حزب } يقدم نفسه حاملاً سياسياً لتلك المرجعيات الوحدوية بين شمال اليمن وجنوبه ، وهذا يعني أن نظام صنعاء بعد حرب 94/ لم يكن قابلاً بالمطلق لكي يكبل نفسه بأي مرجعيات سياسية وحدوية جديدة تحت ضغط مطلب الحراك الجنوبي المتمثل يومها في إصلاح مسار الوحدة اليمنية، كما أن نشوة الإنتصار العسكري لمثل هؤلاء الذين لم يقرأوا التأريخ – بعقلية المعتبرين سياسياً – جعلتهم غير مكترثين بالوقوف على مآلات الإنقلاب الذي استهدف المكون الجنوبي على وجه الخصوص، ومستقبل الدولة والديمقراطية في يمن ما بعد الوحدة على وجه العموم، فقد كانت الحرب لدى هؤلاء تمثل خيارهم الأمثل لحل مشكلة الصراع السياسي بين شركاء الوحدة، وكان التعميد بالدم بكل بساطة يمثل شرعية القوة المطلقة نحو حيازة السلطة حسب تفكيرهم، في حين أن حقيقة ما جرى كان يمثل نقطة البداية في المشكلة السياسية والوطنية لليمنيين في يمن ما بعد الوحدة .
يوجز أحد الفلاسفة نجاعة التعاطي الإيجابي تجاه المشكلات السياسية الكبرى في البلدان من موقع المسؤولية السياسية والوطنية بقوله ( لكي تفكر سياسياً بشكل صحيح عليك أن تقرأ تأريخاً بشكل صحيح ) ومع أن فاقد الشيء لا يعطيه حين يكون العقل السياسي لهؤلاء الإنقلابين وتفكيرهم الآني غير مؤهل لمسألة التعاطي المسؤول مع سنن التأريخ ومآلاته وحتى مع مفهوم – الوطنية السياسية – تجاه المستقبل، فإنه لا غرابة في أن يذهب نظام صنعاء في خطابه السياسي بعد الحرب إلى وصف الحراك السياسي في الجنوب بكونه مجرد زوبعات من قبل الإشتراكين في الجنوب بهدف العودة إلى كرسي السلطة تحت يافطة المطالبة بإصلاح مسار الوحدة اليمنية أو على حد تعبير الرئيس صالح حين قال في أكثر من خطاب ( أن الحزب الإشتراكي خرج من الباب ويريد أن يعود إلى السلطة من النافذة ) ثم يعقب بقوله إذا أراد الإشتراكي أن يعود إلى السلطة فمرحباً به عبر صناديق الإقتراع، بعد أن نجحت سلطته ( سلطة الحرب ) من ابتلاع دولة الوحدة اليمنية = { التي مثلت اول مشروع سياسي للدولة الوطنية في تأريخ اليمن الموحد } وإفراغ العملية الديمقراطية من محتواها السياسي والتنافسي.
بلا شك نستطيع القول أن ذهاب النظام الحاكم في صنعاء إلى وصف الحراك السياسي بكونه حراك مفتعل من قبل الإشتراكين كان يعني عدم اعترافه “المستمر” بفعل الإنقلاب الذي أسس للمشكلة السياسية المتعلقه بمستقبل الوحدة اليمنية بعد صيف 94/ وهذا أدى في المقابل إلى اتساع رقعة الحراك السياسي في الجنوب وبشكل دفع بالقضية الجنوبية إلى سطح المشهد السياسي، وقد بدت هذه الأخيرة – مع إستمرار عدم الإعتراف بالمشكلة- مفتوحة على مصراعيها أمام المعقول السياسي وغير المعقول التأريخي والوطني في الجنوب، وبدلاً من أن يتم الجلوس مبكراً لسماع المعقول السياسي = { إصلاح مسار الوحدة} وبشكل يقطع الطريق أمام اللامعقول التأريخي والوطني، بدلاً من ذلك ذهب صالح بعقلية المنتصر إلى تجسيد مفهوم السلطة المطلقة على حساب فكرة الدولة، ومع تلاشي فكرة الدولة الوطنية ( دولة الوحدة) أصبحت السلطة بعد ذلك غير قابلة للشراكة الوطنية أو حتى للقسمة الغنائمية بين القوى التي تحالفت سياسياً في 1994/ وفجرت حربها الانقلابية على المرجعيات الوحدوية في يمن ما بعد الوحدة .