المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
نستطيع القول أن الإمامة نفسها كفكرة سياسية وكنظام سياسي متخلف، إضافة إلى سياسة العزلة التي اتخذها إمام السلالة السياسية اثناء حكمه، قد حافظا بشكل كبير على بقاء القبيلة كمؤسسة فاعلة داخل المجال الإجتماعي في شمال اليمن، على إعتبار أن القبيلة في ظل مملكة إمام السلالة السياسية بقت قادرة على ممارسة حضورها التأريخي ودورها الوظيفي اجتماعياً – وقد كان هذا بحد ذاته كافياً في نظر شيخ القبيلة طالما أن إمام السلالة السياسية لا يملك مشروع وطني، يعمل على تحقيق أي شكل من أشكال القطيعة التأريخية مع مؤسسة القبيلة ومع دورها الوظيفي تجاه الفرد والمجتمع وعلى وجه التحديد في منطقة شمال الشمال- إلا أن الأهم من ذلك أن أمام السلالة السياسية منذ 1918/م، بدأ قادراً على إتخاذ سياسة رادعة وقوية في حق القبيلة وشيخها دون إكتراث، فهو لم يَعد يتعاطى مع القبيلة وشيخها من منظور الحاجة إلى المقاتلين القبليين في معركة الولاء السياسي بين هذا الإمام أو ذاك أو ضد قيام دولة منازعة له هنا او هناك، كما هو الحال في الماضي، بل على العكس من ذلك أصبح امام السلالة السياسية منذ 1918 يتعاطى مع القبيلة وشيخها إنطلاقاً من فكره سياسية تقول بضرورة الخضوع التام للسلطة الحاكمة بالمعنى السيادي والسياسي، مع حرصه الشديد على أن تظل سلطته، سلطة مقدسة دينياً في الوجدان الشعبي الذي أتسعت رقعته بشكل يتجاوز حدود المكون الزيدي المؤمن بفكرة الإمامة، ناهيك عن أن هذه السلطة قد أصبحت سلطة معترف بها دوليا ومدعومة من محيط إقليمي مرتبط بسياسات ومصالح دولية، لاسيما وأن هذا المحيط الإقليمي قد تحول هو الآخر إلى مملكات وسلطنات عائلية ومشائخية تحتكر السلطة الحاكمة وحتى المجال السياسي العام وتعمل بكل حرص على بقاء هذا النمط السياسي “الكانتوعائلي ” حاكماً في المنطقة الجغرافية المحيطة بشمال اليمن، وقد شاهد اليمنيون مثل هذا الحرص، في الدعم العسكري والسياسي والمادي المقدم لإمام السلالة السياسية في معركته الطويلة مع ثورة سبتمبر التى استمرت ثمان سنوات كان الهدف منها إعادة نظام الإمامة إلى سدة الحكم في شمال اليمن.
تُعد سياسة الرهائن التى اتبعها إمام السلالة السياسية والتي تمثلت يومها في أخذ أبناء شيوخ القبائل بدرجة أساسية، أو أبناء الشخصيات ذات الوزن الإجتماعي أو الوظيفي المؤثر “رهائن في قصر الإمام” إحدى الأدوات التى عملت على ترسيخ سلطة إمام السلالة السياسية، وضمان الولاء السياسي له أثناء حكمه للمملكة المتوكلية في شمال اليمن، لكنها أي سياسة الرهائن على سبيل المثال، بقدر ما كانت تعبر من جهة أولى عن الحقيقة القائلة بأن المخيال السياسي لإمام السلالة السياسية لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مؤهلاً للإيمان بفكرة الدولة أو حتى لمسألة التعامل بادواتها تجاه المحكومين، وتلك نتيجة طبيعية على إعتبار أن الفكر السياسي المنظر لفكرة الإمامة على إمتداد تراثه السياسي لا يؤمن مطلقاً بحقيقة أن الإجتماع البشري هو مصدر السلطة وأن الشعب هو مالكها، ومن جهة ثانية فإن سياسة الرهائن كانت تعبر في الأساس عن وجود حالة من القلق السياسي التأريخي القائم بين شيخ القبيلة وإمام السلالة وعلى وجه التحديد داخل المكون الزيدي، لذلك عملت سياسية هذا الأخير على تحجيم دور القبيلة وشيخها وحتى حضورهما في المجال السياسي العام، بمعنى آخر مصطلح “القبيلة السياسية” الذي يجعلنا بحاجة ماسة إلى القول به واستخدامه أثناء الحديث عن مُشكل السلطة والدولة فيما بعد الثورة وفي ظل الجمهورية، هو المصطلح الذي يفقد معناه أو الحاجة إليه في ظل سلطة إمام السلالة السياسية التى حكمت شمال اليمن تحت مسمى المملكة المتوكلية، لكون سياسته كانت تعمل على توظيف داعي القبيلة والمذهب على حدٍ سواء في خدمة مشروع السلالة السياسية، وقد استمر ذلك حتى قيام ثورة ال26 من سبتمبر 1962/م، التي أطاحت بالنظام الإمامي، لا يعني ذلك أن القبيلة أصبحت خانعة أو في حالة من السكونية تجاه سياسة إمام السلالة، فقد انتفضت هنا او هناك ضد سياسته وفي المقابل أقدم هو على قتل شيخ القبيلة، لكن المقصود أن إمام السلالة السياسية استطاع أن يحيد القبيلة عن صناعة القرار السياسي في مملكته، أو أنها تتجرى على إقتحام المجال السياسي العام بشكل يمكنها من إقامة دولة القبيلة… .
يتبع….