المواطن/ كتابات – فهمي محمد
منذو 2011 / وحتى 2019/4/11/م ، مازالت الشعوب العربية تعيش زمن الفعل الثوري القادر على هدم ما يريده = ( اسقاط الحكام المستبدين والفاسدين ) لكن المفارقة أن مسألة تحقيق ما تريده الشعوب الثائرة وما تتطلع إليه = ( تطبيق مشروع ثوري يتولى عملية الخلاص للواقع العربي نحو بناء المستقبل ) مازال في حكم المجهول حتى اليوم ، رغم زخم الفعل الثوري المتواصل وتضحياته الجسام في أكثر من دولة عربية ، وكأن تجربتنا في الربيع العربي مع العملية الثورة تقول بلسان حال المفكر محمد جابر الانصاري ={ نستطيع أن ندمر مانريد لكننا لا نستطيع أن نبي ما نريد } ولتوضيح الصورة اكثر فيما يخص معضلة التغيير الثورية في واقعنا العربي علينا أن نستلهم او نتذكر مقولة المناضل الانساني نلسون مانديلا = { هدم الظلم اسهل بكثير من بناء العدل } .
وإذا كان نجاح الفعل الثوري كما شاهدناه في أكثر من قطر عربي قد اجبر الحكام المستبدون على الرحيل بعد صراع طويل من أجل البقاء، فإن ذلك يعود في الأساس إلى أسباب موضوعية تتعلق بمعانات الملايين المطحونة ، وهي معانات كفيلة بأن تدفع تلك الحشود الجائعة والعارية للتجمهر الثوري ، إضافة إلى روح الشباب التى تحولت الى طاقة ثورية تمارس الفعل الثوري وتقدم التضحيات الجسام التي تحاصر الحاكم أخلاقيا وتفقد شرعيته السياسية داخليا وخارجياً ، فإن الإخفاق في بناء المستقبل الذي تتطلع إليه الشعوب على إثر هذا الفعل الثوري يعود هو الآخر إلى وجود حلقة مفقودة أو اختلالات جوهرية رافقت مسار الثورات العربية منذو 2011/ وحتى 2019/م .
كان بالإمكان لثورات الربيع العربي أن تستفيد من أخطأ بعضها ، او بمعنى آخر كان يتوجب على ثورة الجزائر والسودان أن تتجاوز أخطأ ثورة اليمن وليبيا ومصر ، وذلك مالم يحدث أو هكذا يبدو لي ، والتجاوز المقصود هنا لايعني عدم الذهاب بالمجتمع الى حالة من الانقسام والإقتتال فحسب كما حدث في اليمن وسوريا وليبيا ، أو تسليم السلطة إلى قيادات عسكرية اكثر قمعاً ، كما حدث في مصر ويوشك أن يحدث في السودان ، بل يعني التجاوز أيضاً قدرة الحراك الثوري على صناعة التحول التاريخي الذي يعني تغيير الواقع بشكل عام وليس تغيير الحاكم فقط ، أو بمعنى آخر تغيير التوجه المغلوط والخاطئ الذي كرسه الحاكم المستبد ونظامه الفاسد وليس تغيير الوجوه فحسب وهذا يتطلب في الأساس ضرورة نجاح الثورة في تطبيق مشروع ثوري جذري وليس الإكتفاء بما حققه الفعل الثوري الذي تولى هدم ما هو قائم ، وهنا يكمن الفرق الكبير بين وصف الثورة بالحدث السياسي أو الحدث التاريخي .
بين نجاح الفعل الثوري في هدم ما هو قائم ومرفوض شعبيا وبين الفشل في بناء ما يجب أن يكون عليه الواقع العربي بعد رحيل الحاكم المستبد أو سقوط نظامه ، يبدو الحديث مشروعاً عن وجود حلقة مفقودة تتعلق بمسار الثورة كفكرة وممارسة شعبية ، بل هي التي جعلت من الربيع العربي يتموضع واقعياً على نصف ثورة ونصف كارثة ،
ما أقصده بالحلقة المفقودة هنا أن ثورات الربيع العربي تحركت ومازالت تتحرك بدون رأس سياسي يتولى قيادة العملية الثورية ،
فالجماهير العربية تثور منذو 2011/ وحتى اليوم ، وتقدم التضحيات لكنها لا تقود مرحلة التحول التاريخي ولا تفرز قيادة سياسية ثورية تعبر عن تطلعات الجماهير الثائرة ، بمعنى آخر أن الحراك الجماهيري والثوري لم يفرز في اي قطر عربي قيادة سياسية او تنظيم سياسي ثوري من داخل الساحات يتولى قيادة الثورة الشعبية ويعبر عن وجودها المستمر في وجه القوى الممانعة ، بل ويحول تلك الجماهير الثائرة الى قوى سياسية منظمة وضاغطة في معادلة صراع مستمرة من أجل التغيير الجذري للواقع العربي وهذا ما يجعل مبادرات الحلول تأتي من داخل النظام نفسه كما يحدث الآن في الجزائر والسودان ، فيما يتوقف دور الحراك الثوري على التعاطي مع هذه الحلول بالرفض أو القبول .
إذا كان الفعل الثوري بزخمه الجماهيري قد أدى في بعض الأقطار العربية إلى انقسام النظام الحاكم على بعضه فإن فراغ القيادة السياسية في ثورات الربيع العربي قد سهل بشكل كبير على هؤلاء المنشقين من ضلع النظام الحاكم أن يركبوا موج الثورة كما حدث في اليمن .
بلاشك الثورات هي المخرج والحل للواقع العربي لكن نجاحها مشروط من جهة بقدرتها على فرز قيادات سياسية او تنظيم سياسي يتولى قيادة المرحلة الثورية نحو التغيير ، ومن جهة ثانية مشروط بقدرة الثورة على تأسيس معادلة صراع تقوم على أساس الفرز الطبيعي بين قوى حداثية ومدنية تؤمن بالدولة المدنية وتتطلع للمستقبل وبين قوى تقليدية ممانعه لأ تؤمن بذلك .