المواطن/ تحليلات – فهمي محمد عبدالرحمن
مقدمه :
مثلت مشاورات ستوكهولم المنعقدة في الفترة مابين 12/6 الى 2018/12/13/ م في مملكة السويد ، المحطة الرابعة التي تقابل فيها اطراف الصراع في اليمن وعلى بعد سنتين من مفاوضات الكويت المحطة الثالثة في المفاوضات ، لكن ما يميز مشاورات السويد انها جرت في ظل متغيرات في السياسة الدولية وفي أداء المنظمات الحقوقية والانسانية التي القت بظلالها على اطراف الصراع والحرب في اليمن ، وشكلت عوامل واسباب مباشرة اجبرت الجميع على تقديم التنازلات والذهاب الى السويد ، وهذه الورقة تحاول ان تقدم قراءة متواضعة في هذه المحطة الرابعة من المشاورات التي يفترض أن تؤسس لعملية السلام في اليمن إذا ما كتب لها النجاح .
اولاً : قراءة سريعه في المحطات الاولى للمشاورات المتعلقة بإيقاف الحرب في اليمن .
– جنيف الاولى:
كانت مفاوضات جنيف الاولى التي انعقدت في حزيران / يونيو / 2015 / م هي اول محطة للمفاوضات بين الشرعية والانقلابيين ، حيث كان الهدف منها الزام جماعة الحوثي وصالح بالاعتراف بالقرار الأممي 2216/ حيث بدأ مطلب الحكومة الشرعية والتحالف بضرورة ان تعلن جماعة الحوثي الموافقة المسبقة على القرار الأممي والبدء في تنفيذه ، وهو ما قوبل يومها بالرفض من قبل وفد الحوثي وصالح ، وبعد اسبوع من المشاورات انتهت مفاوضات جنيف بالفشل ليعود بعد ذلك وفد الانقلابيين الى مسقط ، ووفد حكومة الشرعية الى الرياض ، وعلى إثر هذه العودة التقى مجدداً وفد الحوثي وصالح في مسقط بالمبعوث الأممي والذي حاول إقناعهم بضرورة قبولهم بالقرار الأممي مقابل ايقاف الحرب ، فتم الرد عليه بالقول كيف يمكن ان نوافق على القرار بدون حل سياسي ؟
وقد ضلت مسألة التقديم والتاخير في تطبيق القرار الأممي اولاً او الحل السياسي هي العقبة التي تعيق إحراز إي تقدم في المفاوضات اليمنية اللاحقة حتى أتي جريفت بطريقته الجديدة في عقد مشاورات تقوم على تجزئة الحلول كما حدث في مشاورات السويد .
– مابين جنيف الأولى والثانية ” الوساطة العمانية “
في الثامن من آب / اغسطس / 2015/ م ، توجه وفد الانقلابيين الى مسقط للقاء المبعوث الاممي الى اليمن ، وبعد نقاشات مع المبعوث الأممي تم الحديث عن المبادرة العمانية مكونة من 7 نقاط ، كان الالتزام بقرارات مجلس الامن هي النمرة رقم واحد في هذه المبادرة ، وقد قوبلت هذه المبادرة من قبل حكومة الشرعية بشي من التحفظ ، واشترطت للتعاطي معها صدور بيان موقع بتلك المبادرة .
كانت المبادرة العمانية تقوم بشكل عام على نقطتين اساسيتين اولهما إقناع طرفي النزاع بهدنة انسانية – تبداء معها مفاوضات – ثم وقف دائم لإطلاق النار ، وثانيهما تنطلق في مسقط جولة المفاوضات بمشاركة أممية وأوربية وأمريكية ، مع ضمانات دولية ، لكن تقييم دول التحالف للنظام السياسي في عمان احال دون عقد هذه المفاوضات في مسقط ، وعلى إثر هذا الفشل وتحديداً في 3/ اكتوبر 2015/ م ، قام وفد الانقلابيين بارسال رسالة رسمية الى الامين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي وسفراء الدول ال18 مضمونها الموافقة على قرارات مجلس الأمن بما في ذلك القرار 2216 والاستعداد للحوار .
– جنيف الثانية :
بعد ان نجحت جهود الأمم المتحدة في عقد هدنة ، توجه وفد الشرعية ووفد الحوثي وصالح الى مقاطعة بيل السويسرية وتحديداً في ديسمبر/ 2015/ م .
وبعد اسبوع من المفاوضات فشل الطرفين في إحراز أي تقدم يذكر ، ليعود بعد ذلك وفد الانقلابيين الى مسقط ، وبحسب المعلومات فقد اقدم صالح الذي لم يكن يتوقع التدخل العسكري على نصح الحوثيين بأن يحلوا مشكلتهم مع السعودية ، وهو ما عرف بعد ذلك في اتفاقات الظهران في جنوب السعودية ، حيث التقى الجانب السعودي مع الحوثيين لينتج عن هذا اللقاء تفاهمات بينية بين السعودية وجماعة الحوثي على مرحلتين :
الاولى تقضي بوقف الغارات الجوية على المحافظات الشمالية وتبادل الاسرى والجثامين لكن ما حدث عملياً هو التبادل فقط .
والثانية تقضي بتشكيل 7 لجان تذهب الى الطهران في جنوب السعودية بعيداً عن الإعلام لغرض التوقيع على 7 اتفاقات تتعلق بعدد من المحافظات من بينها تعز ، ليتم بعد ذلك الانتقال الى حوار سياسي علني بشرط ايقاف القصف الجوي من قبل التحالف ،
– مفاوضات الكويت ( 2016/4/18/ م )
بعد تفاهمات الظهران شبه السرية توجهت الأنظار الى دولة الكويت التي استضافت المفاوضات في 18/ من نيسان ابريل 2016/ م ، لكن جلساتها الفعلية لم تنعقد الى في ال21/ من ابريل ، وذلك يرجع الى رفض وفد الحوثي وصالح عقد جلساته قبل ان يتوقف التحالف عن غاراته الجوية ، وبعد اربع ايام توقفت الغارات واستمرت المفاوضات اكثر من 100/ يوم دون إحراز اي تقدم يذكر ، فقد تمسك وفد الشرعية بضرورة الانسحاب وتسليم السلاح والإعتراف بالشرعية اولاً وبعدها يتم الحديث عن الحوار السياسي وهو ما قوبل بالرفض من قبل وفد الحوثي وصالح الذين ارادوا الاتفاق على الشكل السياسي ثم تشكيل حكومة في صنعاء وبعد ذلك يتم الانسحاب وتسليم السلاح .
وبعد رفض آخر صيغة مقدمة من قبل وفد الشرعية تقضي بضرورة الانسحاب وتسليم السلاح ليتم بعد ذلك عقد حوار بعد شهرين من عودة الحكومة الشرعية الى صنعاء ، غادر الوفدين الكويت وعاد وفد الانقلابيين الى مسقط وظل عالقاً هناك لمدة ثلاثة اشهر .
في تقدير هذه الورقة فإن تصلب الحركة الحوثية عن تقديم تنازلات في مفاوضات الكويت يعود لكونها تدرك يومها انها مازالت تقاتل خارج حاضنتها الشعبية إذا ما تم مراعات البعد المذهبي الذي تنتمي اليها الحركة الحوثية ولهذا كانت متصلبه اكثر في الموقف ، كما انها كانت لم تحسم بعد معركتها مع شريكها في الانقلاب وبالشكل الذي يجعل الحركة الحوثية قادرة على حيازة بعض المكاسب السياسية في المشاورات السياسية بكونها لم تكن طرف وحيد على الطاولة مقابل الشرعيه ، او بمعنى آخر ان القوى التي كانت يومها حامل سياسي وعسكري للمشروع الانقلابي داخل العاصمة صنعاء كانت يومها مازالت تحمل في طياتها كثيراً من التناقضات والصراعات الحادة التي لا تقف عن حدود النقطه التي يجب ان يقف عندها مشروع الانقلاب ، بل كان هذا التناقض والصراع على السلطة والقرار في صنعاء مليئ بالشك والتوجس من وجود الآخر الشريك في معادلة الانقلاب منذو اللحظة الاولى ، ذلك ما جعل الحركة الحوثية او جماعة انصار الله كما يسمون انفسهم يسعون جاهدين الى توحيد المسار والقيادة للمشروع الانقلابي في صنعاء والذهاب إلى أي مشاورات قادمة برأس سياسي واحد ، وهو ما تحقق لهم في 4/ ديسمبر/ 2017/ م بقتل صالح شريكهم في الانقلاب ووالي نعمتهم في تحقيقه في ال21/ من سبتمبر 2014/ م ، او في ايلول الاسود كما ورد في وصف صحيفة الثوري يومها ،
وإذا كان ذلك ما ينطبق على الحركة الحوثية ، فان موقف الشرعية ومن ورائها التحالف كانت متحرر من أي ضغوط جاده من قبل المجتمع الدولي بهدف تقديم تنازلات على حساب المرجعيات ، وهو ما يعني ان تصلب الحركة الحوثية في تقديم التنازلات قابله تصلب من قبل الحكومة الشرعية بعدم التفريط،والتمسك بالمرجعيات والقرارات الدولية الخاصه باليمن وذلك ما ادى الى عدم تحقيق اي تقدم في المشاورات رغم طول الفترة الزمنية التي أتيحت امام المتشاورين والتي تزيد على 100/ يوم .
– جنيف الثالثة
بعد تعين البريطاني جريفت مبعوث الأمين العام للامم المتحدة في اليمن خلفاً لسلفه المورتاني ولد الشيخ ، بدأ ان هذا البريطاني جاداً في إحراز تقدم يذكر في حلحلة عملية السلام في اليمن بعد ان توقفت المفاوضات لمدة سنتين ، ولهذا بدأ التحضير لجولة ثالثة عن طريق المشاورات وليس المفاوضات والتي كان من المفترض عقدها في جنيف في 6/ أيلول سبتمبر 2018 / م ، وباستراتيجية تقوم على تجزئة الحلول وعدم وضع البيض في سلة واحدة ، وبناء على هذه الاستراتيجية تم التركيز اولاً على إستعادة بناء الثقة بين الاطراف عن طريق حلحلة بعض الملفات المتعلقة بالجانب الاغاثي والانساني مع الحديث عن رواتب الموظفين وميناء الحديدة ، بحيث يتم ذلك عن طريق المشاورات وهي تعني من حيث الدلالة القانونية تكيف اصطلاحي اقل من المفاوضات ، لكن هذه المشاورات لم تنعقد لعدم حضور وفد الحوثي تحت مبرر عدم وجود ضمانات دولية بالعودة الى صنعاء وكذلك السماح بإصطحاب الجرحي والسماح لهم بالخروج الى مسقط لتلقي العلاج اللازم وضرورة توفير طائرة عمانية ، لكن بداهة القول في هذه المطالب تقول انه كان بالإمكان طرح مثل هذه المطالب البسيطة على المبعوث الأممي اثناء التمهيد للمشاورات ليتم النظر فيها والأخذ بها ، أما ان يتم الاحتجاج بها لعدم الحضور الى جنيف بعد ذهاب وفد الشرعية ، دون ان يتم طرحها اثناء تنقلات المبعوث الأممي بين صنعاء والرياض تمهيداً للمشاورات فذلك يؤكد بالقطع انها مبررات تخفي الاسباب الحقيقية وراء عدم الحضور الى جنيف ثلاثة ، وهي ترتبط هنا برغبة ايران بعدم الحضور حيث كانت يومها تتعرض لضغط شديد من قبل ادارة ترمب بخصوص الغاء الاتفاق النووي ، والذي بلا شك يصب في مصلحة السعودية لاسيما وان ترمب اراد يومها اتفاق جديد يشمل الصواريخ البالستية الايرانية والتي اصبحت في متناول الحركة الحوثية في اليمن ، لهذا ارادت ايران الاحتفاظ بورقة ضغط في اليمن ، كما أن ( اوهام القوة والنصر ) كانت مازالت متمترسة داخل العقل المقامر للحركة الحوثية ولم يتزعز على إثر ما حدث بعد ذلك في معركة الحديدة الاخيرة ،
كما أن كسب المزيد من الوقت دائما ما يصب في مصلحة الحركة الحوثية فالوقع يقول ان كل يوم يمر يغرق فيه التحالف بجرائم تتعلق بحقوق الانسان وبالقانون الدولي الانساني وذلك ما تؤكده تقارير المنظمات الدولية التي ادانت حتى قوات الشرعية ، كما ان سياسة النفس الطويل بعقلية مقامرة وكذلك المراهنة على حدوث المتغيرات الدولية تحققة في مقتل الصحفي خاشقجي الذي اضعف الموقف السعودي وفتح النار عليه دولياً وذلك احد الاسباب الرئيسية التي أنتجه اتفاق السويد بهذه الصورة .
ثانيا : مشاورات السويد ( 2018/12/6 )
ا – قراءة في الاسباب الموضوعية التي ادت الى إنعقاد مشاورات السويد .
1- معركة الحديدة ( الرغبة في انقاذ الحركة من السقوط )
في تقديرنا انه من الاسباب الرئيسية والجوهرية التي ادت الى ذهاب الاطراف اليمنية للمشاورات في السويد وتحديدا استجابة جماعة الحوثي لذلك هي المواجهات العسكرية في جبهة الحديدة والتي شكلت حالة من الضغط الشديد ، حيث تكبدت خلالها الحركة الحوثية كثيراً من الخسائر البشرية والعسكرية وبالشكل الذي كان يستحيل معه مواصلة الصمود لفترة اطول لاسيما وأن ذلك تزامن مع إشتعال المواجهات في جبهات اخرى ، وإذا كانت الحركة الحوثية تدرك قبل غيرها أنها كانت تعيش ضروف عسكرية صعبه في معركة الحديدة وهي ضروف سوف تؤدي حتماً الى هزيمة عسكرية ، فإن ذلك قد قوبل برغبة دولية لاسيما الادارة الامريكية في إنقاذ الحركة الحوثية لأسباب سياسية برجماتية بحته ، نجد مبرر هذه الرغبة تكمن في ضرورة استمرار سياسية الحماية الغربية وتحديداً الامريكية لدول الخليج العربي والتي يتم بموجبها استرجاع الدولار الامريكي المدفوع مقابل شراء النفط الخام ، عن طريق شراء السلاح الغربي من قبل دول الخليج ، وهذا يقتضي من وجهة النظر الامريكية ضرورة وجود شيء ما ، يشكل خطر مستمر على هذه الدول النفطيه ، ووجود الحركة الحوثية في اليمن والتي لا نقل عنها انها صناعة أمريكية ( حتى نكون دقيقين في التحليل ) تصبح ذات قيمة نفعية يسهل إستثمار وجودها وتوظيفها وفق منطق السياسة الامريكية البرجماتي والتي لا تعرف الثبات عند القيمة الاخلاقية ، وآية ذلك تلويح الرئيس الامريكي ترامب وحديثه المتكرر على إثر الضغط على إدارته بخصوص موقفها من مقتل خاشقجي بصفقة السلاح مع دولة السعودية وحدها والمقدرة ب410/ مليار دولار أمريكي ، مبلغ خرافي بكل المقايس .
2- ضعف الموقف السعودي ( مقتل خاشقجي )
شكلت واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في اسطنبول ، احد العوامل التي ساهمت في ذهاب الاطراف المتقاتلة ( انقلاب وشرعية ) الى مشاورات السويد ، من حيث كونها أثرت بشكل كبير على موقف السعودية اخلاقياً وسياسيا على المستوى الدولي ، وبدأ ان المخرج من هذه الفضيحة هو تنحي محمد بن سلمان من ولاية العهد أو ان المعارضين للنظام الحاكم في السعودية ضغطوا في هذا الاتجاه ،
كما أن السباق المحموم حول التجديد النصفي لإنتخابات الكنغرس الامريكي بين الجمهورين والديمقراطين قد وجد في مقتل خاشقجي واقعة يمكن استغلالها في كسب الاصوات ، حيث مارس الديمقراطيون ضغوطاً شديده على الرئيس ترامب للحد الذي تم فيه وضع هذا الاخير وإدارته في دائرة الاتهام في التواطؤ مع ولي العهد وعدم اتخاذ موقف حازم تجاه محمد بن سلمان ، او أن علاقة الرئيس ترامب الزائدة عن الحد المعقول مع بن سلمان قد شجعت هذا الاخير على ارتكاب مثل هذه الجريمة وقبلها الجرائم المرتكبة في حق الاطفال والمدنيين في اليمن طوال اربع سنوات ،
وأمام هذا الضغط الشديد الذي تعرضة له إدارة ترامب من الداخل الامريكي والضغط الشديد الذي تعرض له النظام الحاكم في السعودية على المستوى السياسي والاعلامي دولياً ، كان لابد على الأقل من تقديم تنازلات او تحقيق تقدم في الملف اليمني لتخفيف الضغط على محمد بن سلمان ( لاسيما وأن حديث الضغط في امريكاء كان يربط بين تهور بن سلمان في مقتل خاشقجي وبين جرائمة في حق اليمنيين المدنيين ) وهذا ما يفسر ضغط السعودية على وفد الشرعية لتوقيع على إتفاق السويد ، وآية ذلك كلمة الشكر الحارة الموجة من معالي المبعوث الاممي لولي العهد السعودي ، ولك أن تقراء في ذلك ما شئت .
3- الملف الانساني .
الوضع الانساني الكارثي في اليمن بكل ابعاده وتجلياته ساهم هو الآخر بشكل كبير في ذهاب اطراف الصراع في اليمن الى مشاورات السويد بكونه اصبح واقعاً لا يطاق ، صحيح ان الوضع الانساني الكارثي بدأ يتشكل منذ بداية الحرب في اليمن ولم يتم الإلتفات اليه ، لكنه بعد اربع سنوات من الحرب اصبح مادة متداولة بلغت ذروتها في تقرير المنظمات الدولية والحقوقية المهتمة بالوضع لانساني والحقوقي ، وإذا كانت هذه التقرير الدولية قد وضعت الجميع تحت طاولة الإدانة والمسؤولية “شرعية وتحالف وحوثيين” فإنها فوق ذلك بدأت توجه اللوم الشديد في وجه الدول والحكومات التي تبيع السلاح لاطراف الحرب في اليمن ، وهو ما ادى الى إقدام بعض الدول او برلماناتها على ايقاف صادرتها من السلاح الى دول التحالف العربي ، كما هو الحال في المانيا وبعض الدول الاوروبية .
ب – قراءة في اجوا إنعقاد المشاورات في السويد
انعقد مشاورات السويد في مدينة ستوكهولم في ظل اجوى نفسية غير طبيعية ، وفي ظل اجوى مليئة بالضغوط ، وإذا جاز لنا ان نجدول الحديث هنا عن هذه الاجوى الى نقاط كما سيأتي لاحقاً ، فإنه من وجهة نظر هذه الورقة فإن تلك النقاط شكلت عوامل ضغط نفسي على وفد الشرعية اكثر منها على وفد الانقلابيين .
1- الدور السلبي للمبعوث الاممي
رغم الجهود المبذولة من قبل مبعوث الامين العام للامم المتحدة في اليمن السيد “جريفت” في سبيل إحياء عملية السلام في اليمن ، إلا أن دورة هذا لا يخلوا من السلبية في التعامل مع اطراف الصراع في اليمن ، وقد بدأت سلبية الرجل منذو فشل مشاورات جنيف 3 بسبب عدم حضور وفد الانقلابيين الى جنيف وبدلاً من اتخاذ خطاب حازم تجاه الحوثيين حاول ان يبرر موقفهم ويرمي باللوم على دور الامم المتحدة لأسباب لوجستية ، ربما كان الرجل حريص على بقاء شعرة معاوية بينه وبين الحوثيين ، كما ان حرصة على جلوس الاطراف للمشاورات يقابله حرص شديد على تحقيق مجد شخصي يسجله التاريخ له، بكونه من صنع السلام في اليمن ،
كل ذلك جعل جريفت يتعامل مع وفد الحركة الحوثية بكثير من الدلل الزائد بدءاً من الركوب معهم في طائرة واحدة ثم التغاضي عن مخالفتهم داخل قاعة المشاورات وحضورهم الزائد عن العدد المسموح به ، في الوقت الذي كان يجب التعاطي معهم بكونهم جماعة انقلابية ، أنقلبت على ما اتفق عليه اليمنيين في مخرجات الحوار الوطني،وبكونهم مطالبين ايضاً بتنفيذ القرارات الاممية التي يرفضون تطبيقها حتى اليوم ، وقد كان هذا التعامل يعزز من ثقة الحوثيين بانفسهم في مشاورات السويد ، ويؤثر نفسياً في وفد الشرعية .
2- إنعكاس الاسباب التي ادت الى عقد المشاورات على نفسية المتشاورين .
سبق وان تم الحديث عن ثلاثة اسباب ادت الى ذهاب اطراف الصراع الى مشاورات السويد وهي معركة الحديدة ، وضعف الموقف السعودي على إثر مقتل خاشقجي ، والملف الانساني ، وهذه الأسباب القت بشيء من ظلالها على اجوى المشاورات وعلى نفسية اطرافها في السويد ، فتوقيف المعارك في الحديدة والذي تزامن مع هدوء في التصعيد على مستوى الجبهات الأخرى جعل الحركة الحوثية عسكرياً تتنفس الصعداء إلى حين ، كما ان الضغوط الدولية على نظام الحكم في السعودية على إثر مقتل خاشقجي ومحاولة الإستدلال كشاهد على تهوره بالتدخل العسكري في اليمن ، قد جعل الحركة الحوثية تبدو في وضع سياسي افضل منذي قبل ، او هكذا بدء للحوثيين انهم في وضع سياسي افضل يجب ان يستغلوا وجوده .
3- الضغط الاعلامي وأثرة على أطراف المشاورات في السويد .
في هذه النقطة يكفي لمن يتابع مجريات المشاورات التي انعقدة في السويد أن يعقد مقارنة بين المادة الاعلامية التى رافقت المشاورات لاسيما من قبل القنوات المحسوبة على الشرعية او محسوبة على الانقلابيين ، وانا هنا لا اقصد القناوات الرسمية الناطقة باسم الاطراف المتصارعة بل القنوات التي تنتمي بشكل عام الى معسكر الشرعية او معسكر الانقلاب ،
ففي الوقت الذي كان اعلام القنوات المحسوبة على معسكر الانقلاب إعلام مؤازر وداعم للوفد الانقلابي كان الاعلام المحسوب على معسكر الشرعية أعلام ناقد ومشكك ويشكل حالة من الضغط الشديد على وفد الشرعية ،
ج – قراءة في الملفات المطروحة على جدول اعمال المشاورات ( تجزئة الحلول ) .
عقدة مشاورات السويد في مدينة ستوكهولم من تاريخ 12/6 الى 2018/12/13/ م حيث تركز جدول الاعمال على آلية بناء الثقة لتهيئة مناخ مواتي لاستئناف العملية السياسية وإنطلاقاً من استراتيجية جريفت في تجزئة الحلول كانت نقاط المشاورات على النحو الأتي :
– الأفراج عن الاسرى والمعتقلين
– خيارات خفض التصعيد : الحديدة وتعز
– إعادة فتح مطار صنعاء
-قضايا اقتصادية بما في ذلك البنك المركزي
– الإطار التفاوضي للعملية السياسية
– تصميم العملية السياسية للمفاوضات اليمنية اليمنية .
لكن الملاحظ على هذه المشاورات هو الابتعاد عن الخوض في الملفات الشائكة لاسيما المتعلقة بالشأن السياسي ، او الحديث عن تطبيق قرارات مجلس الامن الدولي ، كما ان الملفات التي تم مناقشتها والاتفاق حولها كانت تتركز حول العموميات دون الخوض في التفاصيل ، وهو ما يجعلها قابلة لتأويل والتفسير اثناء التطبيق .
1 – قراءة في الملفات المتفق عليها
في ظل مشاورات يجرى فيها التشاور بين اطراف الصراع في اليمن بناء على قاعدة تقضي بالإبتعاد او ترحيل الملفات الملغومة التي يمكن ان تنسف المشاورات في الجولة الاولى كما حدث في المفاوضات السابقة ، اكتفاء المبعوث الاممي على إقناع اليمنيين بالتوقيع على ثلاثة ملفات ، وترحيل بقية الملفات لمشاورات قادمة يفترض ان تجري في شهر يناير / من 2019/ م ، وهذه الملفات تتعلق بإطلاق سراح الاسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفين قسرا ، من قبل جميع الاطراف ، وكذلك الملف المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ، واخرها الملف المتعلق بالتفهمات حول تعز ، وإذا كان من البديهي ان تبدء أي مفاوضات او مشاورات أثناء الحرب بهدف ايقافها بالحديث عن الاسرى وعملية تبادلهم بكونها تشكل حالة من الضغط على اطراف الصراع وتثقل كاهلهم بالتزامات مادية ، عوضاً على كون إطلاق الاسرى يعمل على تغذية الجبهات من جديد في حال فشل الاطراف في ايقاف الحرب وهذا ما تحتاجه الحركة الحوثية ، لكن الملاحظ من عمليات تبادل كشوفات الاسرى وجود إشكالية تتعلق بالوقوف على الاسماء الوارده فيها ، وهو ما سوف يعيق عملية التبادل او تاخيرها ، أما فيما يتعلق في إتفاق الحديدة والموانئ والمكون من ال14 نقطه ، فإقل ما يقال عنه ان اتفاقاً ملغماً بالتفسيرات المتاحة امام الاطراف ، بكون نصوصه يكتنفها الكثير من الغموض والنقص في ظل وجود رغبة من التملص او سوء نية اظهرتها الحركة الحوثية في إعلانها الاسبوع الماضي بخصوص تسليم ميناء الحديدة لقوات خفر السواحل ، وهي في الواقع قوات محسوبه عليها ، وهذا ما يؤكد ان الحركة الحوثية ارادت من مشاورات السويد تخفيف الضغط العسكري عليها ، وفي مجمل القراءة في إتفاق الحديدة فإن الحركة الانقلابية تكون بموجبه مستفيده وليست خاسرة ، فعلاوةً على كونه انقذ الحركة من هزيمة عسكرية نجده لم يلزمها بالانسحاب الكامل من الحديدة ، كما ان التحالف يكاد هو الاخر مستفيد بشكل نسبي من وجود الدور الرقابي للامم المتحدة في الموانئ والذي سوف يؤدي الى الحد من تهريب السلاح ، اما الشرعية فهي الخاسر الكبير فالإتفاق لم يعترف بشرعيتها في بسط سلطتها على الحديده ،
كما أن مسألة إعادة الانتشار فقد ساوأت بين الطرفين لكن واقع التطبيق سوف يخدم الحركة الحوثية بعتبارها قد غيرت منذ سيطرتها في واقع القوات الامنية المحلية ، وعلى إفتراض وجود توجه جاد ضاغط وصادق من قبل الامم المتحدة في تنفيذ اتفاق الاسرى والحديدة فإن ذلك يحتاج مزيداً من الوقت في تفسير النصوص وتطبيقها على الواقع وهو ما سوف يعيق أنعقاد جولة ثانية للمشاورات او المفاوضات تتعلق بالملفات الاخرى والمفترض انعقادها في اواخر شهر يناير ، أما ان تذهب الشرعية الى جولة ثانية للمشاورات او المفاوضات في ظل تملص جماعة الحوثي من تطبيق ما اتفق عليه في الجولة الاولى من المشاورات فذلك هو الجنون بعينه ، اما بخصوص إتفاق التفهمات حول تعز والمكون من 6 نقاط تتمحور كلها حول تشكيل لجنة مشتركة تعقد اجتماعها بدعوى من الامم المتحدة لتحديد آلية عملها بعد تسليم الاسماء من قبل الاطراف لمكتب الامين العام ثم تقدم تقريرها للاجتماع التشاوري الاول الذي لم يحدد موعده بعد ، فإن هذا الاتفاق لايعد أن يكون من قبيل ذر الرماد على العيون ، والسبب في ذلك إن الحوثين رابطين مسئلة فك الحصار عن تعز مقابل فك الحصار عن مطار صنعاء كما انهم ارادوا ان يكون الحديث عن انسحاب الحوثيين من تعز حاضراً في المشاورات القادمة لتحقيق مكاسب سياسية لاسيما وانهم يعيشون ضروف مريحة في تعز جراء توقف معاركة التحرير وإنشغال قيادات الجيش وقيادات السلطة المحلية في صراعات داخلية .
2- قراءة في الملفات التي لم يتفق حولها
إلى جولة ثانية تم ترحيل بقيه الملفات لاسباب سياسية واسباب موضوعية وهي الملف الاقتصادي وملف الإيطار السياسي وتصميم العملية السياسية وكذلك مطار صنعاء ، فالملف الاقتصادي واقعيا لايمكن حله الا بتوقيف الحرب نهائيا وإن كان الحوثيين قد انتزعوا ورقة ضمان صرف الرواتب للمناطق الواقعة تحت سيطرتهم مقابل توريد عائدات الموانى الى فرع البنك المركزي في الحديدة في ظل صمت نص الاتفاق على كون هذا الفرع يتبع البنك المركزي في عدن ، الملف السياسي هو الآخر رحل لكونه اخطر الملفات والحديث عنه يعني الحديث عن تطبيق القرارات الاممية او يستدعي الحديث عنها ، ومن ثم الحديث عن ايهما يطبق الاول الاتفاق السياسي ام الانسحاب وتسليم السلاح حسب ما تنص عليه القرارات الدولية لاسيما القرار 2216/ اما الحديث عن مطار صنعاء فقد ارتبط في مسألة الحصار عن تعز لذلك رحل ، كما أن اشكالية تفتيش الطائرات قبل ان تحط في مطار صنعاء مازالت محل نقاش لم يحسم بعد .
ثالثاً : موقف الاحزاب المفترض من المشاورات
منذو التوقيع على المبادرة الخليجية اصبحت الاحزاب السياسية في قلب العملية السياسية وفي السلطة وبالشكل الذي الغى معه ثنائية السلطة والمعارضة ، واصبحت العملية السياسية والقرار السياسي يدار عن طريق التوافق او هكذا ما تم الاتفاق عليه ، وبعد الإنقلاب على مخرجات الحوار الوطني وإشعال فتيل الحرب إضافة إلى التدخل العسكري في اليمن من قبل دول الجوار ، تقلص دور الاحزاب وتوقفت العملية السياسية بالصورة التي كانت عليها والتي تعد الاحزاب فيها صانعة للقرار السياسي عن طريق التوافق فالقيادة المركزية للاحزاب السياسية اصبحت موزعة في عدد من الدول ، في الوقت الذي كانت مجريات الاحداث وضروف الحرب تسحب سلطة القرار خارج السيادة الوطنية ناهيك عن سلطة الاحزاب السياسية التي توزعت هنا او هناك خارج اليمن في ظل تقديرات مختلفة لمجريات الاحداث .
هذه هي الحرب دائماً يختفي فيها الفعل السياسي لصالح الفعل العسكري ، الوحيدة هي مدينة تعز التي بقة ساحة وحيدة لممارسة الفعل السياسي إمام الأحزاب السياسية لأسباب ليس هنا مجال ذكرها ، مع العلم ان المفاوضات السابقة وحتى مشاورات السويد شهدة ثمثيل للاحزاب السياسية بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، وهي جميعا في صف الشرعية وضد الانقلاب باستثناء جناح صالح والذي عرف بعد مقتله بمؤتمر صنعاء والذي مازال في صف الإنقلابيين .
وإذا كان صلب الحديث في هذه الفقرة يتركز عن دور الاحزاب السياسية المفترض تجاه مشاورات السويد ، وهي كانت ممثله في تلك المشاورات بعضو واحد لكل حزب فأن المفترض عليها ان تقدم خطاب صادق لرآي العام عن كل المعطيات المتعلقة في مشاورات السويد لاسيما وإن قواعد الاحزاب تبدو غير راضية عن تلك المخرجات خصوصاً فيما يتعلق بتعز والحديدة .
واذا كانت إعادة بناء الثقة والحرص على ايقاف الحرب بكل مأسية يقتضي تقديم بعض التنازلات التي لاتعد سابقة ولا يعتد بها في أي مشاورات قادمة كما تنص عليه الفقرة ال14 من الاتفاق المتعلق بالحديدة ، فإن من المفترض على الاحزاب السياسية ( وهي بلاشك تملك ادوات جماهيرية وسياسية ) ان تمارس كل وسائل الضغط المتاحة لها خلال المرحلة الثانية من المشاورات المتعلقة بالملفات السياسية بهدف جعل تلك المشاورات تسير وفق المرجعيات الوطنية والدولية التي اجمعت عليها جل القوى اليمنية ، لاسيما وإن تلك المرجعيات تعد من جهة اولى قادرة على تحقيق سلام دائم في اليمن بكونها تعالج المشكلة اليمنية من إسبابها وليس من نتائجها ومن جهة ثانية تعد دون غيرها قادرة على إنتاج شروط الدولة الوطنية في اليمن ،
رابعاً : خاتمة
في خاتمة هذه الورقة نود التأكيد بالقول ان مشاورات السويد قد إنعقدت في ظل ضروف ضاغطة على اطراف الصراع ومن يقف خلفهم فالحوثيين يقعون تحت ضغط عسكري اشتعل في كثير من الجبهات لاسيما الحديدة ، ومن ورائهم إيران تقع تحت ضغط الحراك الشعبي لأسباب اقتصادية وكما انها تقع تحت ضغط استئناف العقوبات الامريكية ،
والشرعية تقع تحت ضغط التحالف الذي يقع هو الاخر تحت الضغط الدولي بسبب مقتل خاشقجي والتقرير الدولية والمنظمات الانسانية ، والكل ذهب الى السويد باقدام ليست ثابته ، لكن الحركة الحوثية تسعى جاهدة لاستغلال هذه الرخاوة في سبيل الوصول الى اتفاق سياسي ، بعيداً عن المرجعيات الملزمة في ظل تماهي دولي وعدم اتخاذ موقف حازم من قبل الامم المتحدة بخصوص التمسك بالمرجعيات الملزمة ، او هكذا يبدو لنا واقع الحال ، وهنا يكون صناعة السلام مستحيل وإن توقف إزيز الرصاص ودوي المدافع ،
والسؤال الذي اختم به هذه الورقة ماذا لو تصلبت الحركة الحوثية في المشاورات القادمة خصوصاً في الملف السياسي وهو متوقع ، فهل تستطيع الشرعية ان تواجه هذا الرفض بعمل عسكري في الحديدة ام ان الحديدة قد تم اخراجها من معادلة الصراع ؟
وإذا حدث عمل عسكري كيف سيقابل من قبل الامم المتحدة ؟
2019/1/7