المواطن/ كتابات – علي عبدالفتاح
إن المعرفة عبارة عن ارتباطات وتباينات تسلسلات التفاعل المتبادل بين الأشياء والظواهر والإنسان بحواسه وجهازه الفسيولوجي (العصبي) فالأحاسيس الدماغية في اتجاه بروز الوعي فالوعي المعرفي أو الفكر من خلال التثبيت الجدلي بين المفاهيم أو النطق ومنبهات الأشياء والظواهر المتغيرة المتبدلة.
على أن تغير شروط الواقع كما هو حاصل في وطننا منذ أواخر السبعينات ومستهل الثمانينات وهي شروط اقتصادية اجتماعية ثقافية بيئية أساسية تفترض تغير شروط المعرفة لدى المناضل السياسي بخاصة ولدى المواطنين بعامة بسبب التحقق العياني الملموس المحسوس لحركة المعرفة كتطلب أو التحقق المجرد المنطقي العميق الدقيق لها أي للمعرفة في الشروط والمهمات الجديدة وهما شرعيان بدونهما ننتظر المآسي والكوارث وبالتالي فإنهما ليسا رومانسيان أو مجردان ذلك لكي يستطيع المناضل السياسي ألا يحافظ على نفسه فحسب بل وينمو ويتبلور فيلزمه ردود أفعال واضحة مرنة ومستمرة على أبسط تحول في الوسط المحيط به, إن ذلك هو الشرط الأساسي للتقدم المنظومي لا بالنسبة للمناضل فحسب بل حتى في عالم الكائنات الحية جميعها وبسبب انتقالية حزبنا لاسيما سابقاً فثمة نزاع ديناميكي بين المناضل القديم والشروط الجديدة للحياة العامة لاسيما السياسية ولاسيما في ظروف الحرية والديمقراطية وهو نزاع داخل المراحل المرحلية فالتاريخية لحزبنا محدد إلى حد كبير بمستوى ومعطى تغيرات وتحولات الحياة وتأخر المعرفة كخصائص ذاتية لحزبنا.
ولا يبرز التفارق بين الواقع والمعرفة أو الوعي إلا في شروط الجمود التام الراكد للواقع الديكتاتوري الزميّت وإلا في شروط التغيرات التطورية السريعة للواقع لاسيما السريعة جداً منها كحالنا اليوم حيث قد تتأخر المعرفة لبرهة محدودة من الزمان لأنها تعكس تجارب وممارسات ومصادر الماضي بالنسبة للمناضل لا من منطلقات ومتطلبات وإلحاحات المرحلة الحادثة الناشئة الجديدة وهذا هو شأن حركة إدارة السياسة راهناً وإدارة المعرفة المعارضة على وجه التحديد إذا كانت غير مؤصلة معرفياً فوجدانياً وهي لكذلك, فهي في الماضي مثلاً مرتبطة بصفة عامة بقطاع شعبي رعوي أو جهوي قد تكون متثورة ولها على أساس ذلك تطلعات ومطامح سياسية في ظروف سابقة أو جارية دافع لها إلى هذا التطلع المطمح ولأن إدارة حركة المعرفة المعارضة معزولة نسبياً عن حملة ورموز المعرفة العلمية النقية لصالح الواصلين قيادياً غير المؤصلين تحت الحركة الاضطرارية للهاث وراء الشعبوية كيفما اتفق وذلك كما أشرنا تحت تأثير الاشتراطات المتثورة الشعبوية والجهوية والمناطقية بل وهي معزولة عن هذه الرموز داخل المنظمات لحساب إمكانات تلبية حاجات الصراعات البالغة الآنية منجرة بالتالي وراء محرضات آنية مشبوهة في الغالب.
على أن هذا التوضيح لا يعني التضحية بالقواعد والهيئات الأدنى والمتوسطة العريضة لنضال حزبنا وإنما إعادة ترتيب وضعها بعيداً عن المحاصصة وإنما وفقاً لترتيبات الفاعلية النضالية المعرفية العلمية (الوضوحية) بما لا يتعارض جذرياً من أَبعاد محاصصية محدودة يتغلب عليها الحزب بسرعة عبر النضال المرتب اللاحق كما أن ذلك لا يتعارض مع تكتيكات شعبوية وجوبية سلمية انتخابية موجهة حضارياً من لدن الإدارة النافذة المؤصلة,,, ذلك إن الرعب القديم من انعزال الحزب راهناً فصاعداً قضية حقيقية لم يعد لها مبرراتها.
إن نجاح حزبنا بعد أحداث يناير ومع الوثيقة التحليلية من التقاط الظروف والمهمات الجديدة ولو بمحدودية لا يرتقي ولم يرتقي مع آنية وحراك وآفاق العالم فالمنطقة وذلك حين اندفع نضالياً صائباً للتأكيد على الديمقراطية الحرة الفعلية والمسار الموضوعي سبيلاً لنضاله السلمي الحضاري, إن هذا النضال قد أعاد حركة الانسجام مع العلاقات أو العلائق لحركة تراكمات الواقع المتغير وشروط تغيرات المعرفة العلمية وأولوية تصدر المؤصلين وجدانياً ونظرياً فسياسياً الذي لم يبني عليه بسبب الانجرار المصر إلى الصراعات الآنية القائمة على وهن وضعف وتعب المراهنة على حركة التاريخ اليمني والعربي فالتاريخ العالمي وصيروراتها الحادثة, ذلك أن الرهان على الحرية والديمقراطية في هذا الزمان عبر النضال العنود إنما يعني انتصار قضية وممارسة عبدالله باذيب انتصاراً جازماً ونهائياً وهو ما لم ينتصر نهائياً داخل أروقة الحزب حتى الآن.
ولذلك وجب على الحزب البدء من حيث انتهت تجاربه وهي تجارب فصائل انتقالية في داخل ظروف الثبات الديناميكي للحراك الجديد كل الجدة للواقع الوطني والعربي فالعالمي كصيرورات موضوعية لا إرادية.
على أنني لن أتحدث عن القفزات الطفولية المناكفة من هنا وهناك للمسار الموضوعي التراكمي التراكمي فالكيفي النوعي اللاحق كصيرورة موضوعية كما سترون لا إرادية منفلتة أو عشوائية أو عفوية مغيَّبة عن الحضور الشاخص داخل شعيرات أحشاء الواقع الموضعي في كل مكان ولا عن تطلع وصولي إرادي بدوره بلا أي أساس من الثقل الشعبي الموضوعي الوطني التي تخفي أي الوصولية حسابات واهنة جداً تكاد تكون مرضية في اتجاه تسلسلات الانقلابات الارتدادية المتعارضة قطعاً مع المسار الموضوعي للعصر وحراك الواقع العام المحيط والآفاق الناشئة والمرتقبة للحرية والديمقراطية ضداً من أي تحالف مشبوه دولي أو عربي أو يمني مُستنكر… وأثر المشبوهين المندسين في إهدار الدماء الزكية الطاهرة من الطرفين قرباناً للمطامح والطموحات المتسرعة الجوفاء التي تتجاهل مصرة اشتراطات البناء السليم الأكيد والعمران الديمومي الخالد.
إن إهدار دماء اليمنيين عبر تحالفات مشبوهة هنا أو هناك لن تؤدي إلى أي حلول بل على العكس لأنها تثبتنا في مستنقعات راكدة من الدمار والخراب بلا أمل أو مستقبل في ظروف معاكسة للحريات الحادثة الشديدة التفاؤل والإفادة.
لذلك كان طبيعياً أن تتفاوض جميع القوى والفصائل ذات الثقل الموضوعي من أجل الخروج من اللجاج الدموي الذي يُراد لها الاتساع في اللانهاية وذلك لصالح تفعيل الوقف النهائي لإطلاق النار مطلب كل المواطنين وترتيب الأوضاع الداخلية من خلال إقرار الدستور التوافقي وعلى أساسه وإعادة البناء العام ابتداءً من الجيش والأمن فالمؤسسات فالتهيئة لانتخابات نزيهة في عموم البلاد وهذا يعني بالتالي ــ بني وطني ــ وجوب أن نرفع جميعاً راية وقف إطلاق النار النهائي بإشراف أممي حصيف وبالمقابل وعلى أساس الانسجام المشار لابد من تفعيل المعرفة عموماً والمعرفة العلمية النقية خصوصاً من الآن وصاعداً نظراً لتسارع التطورات في كل مكان ولاتساع حركة التنور العام المجرَّب والمجرِّب للجماهير ولتداخل وتشابك أقطار المعمورة بعامة وبالتالي فمن أجل التجاوز الحضاري البنيوي للمشكلات والمعضلات الداخلية والمحيطة معاً التي لا يمكن أن تتزحزح بدون اسهامات المعرفة العلمية على وجه أخص والمنطلِق من آخر كلمة وآخر خبرة من عالمنا ومن يمننا النابغ ومن منطقتنا العربية المتغيرة ومن حيث انتهت أو تنتهي حركة تبلور المشاكل والمعضلات لا من حيث تمادي الفشل والتمزقات فالتشظيات إلخ إلخ التي تأتت من حيث الابتعاد عن ومن اسهامات المعرفة العلمية النقية لصالح الرطانات الاعلامية المظهرية أو لصالح الجاهلية العمياء الجديدة في واقع بالغ التعقيد والتسارع علماً بأن المتشظين والفاسدين إنما حدث لهم ما حدث لمجافاتهم اشتراطات ومقومات المعرفة العلمية لصالح المظهرية الطنانة والجملة المجردة اللاملموسة في ظروف مجافاة كلاً من الحرية والديمقراطية الفعلية المحسوسة الدستورية التي لا تقصي أحد سوى خصوم الدستور وبالنسبة للقوى المؤصلة الحية فإنها سريعاً ما تعدل ذاتها لمجرد حدوث التعديلات الحادثة في الواقع ففي بلادنا كان البروز الواضح للدور القيادي للمدن ونمو تأثيره المعاكس منذ الثمانينات عامل كبير يؤكد الضرورة القصوى للتعديل التالي للترتيب القيادي والعضوي للأحزاب الفتية الحية ذات القدرات التأصيلية الاستراتيجية لاسيما مع عودة الآمال الراهنة ولو شيئاً فشيئاً وأثره في توطد المعرفة العملية المتناسبة طردياً مع كلٍ من تغيرات الواقع وعودة الآمال والطموحات البرنامجية الاستراتيجية لصالح المدينة أولاً فالريف ولصالح الأجد والجديد المتناسبة مع الشروط الجديدة فالأساليب الجديدة المستحدثة إبداعياً للنشاط الجديد المواتي والممكن على الصعيدين السياسي والفكري المقنع لا الإرادي على قاعدة الحرية الدستورية المسؤولة.
إنها الحرية والديمقراطية ذي الأثر الواقعي المحسوس في انتشار المعرفة وسرعتها وتركزها ونمو التدافع العام الجاد من أجل التحصيل العلمي والتعميم العام الشامل للعلم بلا أي تلكؤ أو عناد أو مراوحة تحت دعاوي اتضحت للجميع ألا أساس أو سلطان لها بل على العكس حيث ذرّتها الأيام على وفي مهب الرياح وأنشطة الشياطين الأبالسة الغادرة والمغدورة.