الكاتب: سيف الحدي
أوردت اللجنة رفيعة المستوى للتمويل الانساني في تقريرها الذي رفعته للأمين العام للأمم المتحدة في ديسمبر ٢٠١٥ ان العالم ينفق أكثر من ٢٥ مليار دولار سنويا على برامج المساعدات الإنسانية لتقديم المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من ١٢٥ مليون شخص من الذين تأثرت حياتهم بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية. هذا المبلغ المهول يجعلك تستفسر عن مصداقية العالم والدول العظمى خاصة في تخفيف معاناة هؤلاء الأشخاص الذين تدمرت حياتهم بسبب الحرب؛ إن كانوا فعلا حريصين على طي صفحات الحروب فلماذا ما تزال تجارة صناعة وبيع الأسلحة هي أكثر الصناعات شيوعا حول العالم وتجني منها الدول مليارات الدولارات بشكل شهري ثم يرمون بعض الفتات تحت مظلة المساعدات الإنسانية!
عموما، أنا لا أريد أن أسلط الضوء في هذا المقال على موضوع صناعة الأسلحة أو نية الدول العظمى في بناء مجتمعات آمنة تعيش بسلام؛ أريد في هذا المقال أن أسلط الضوء على مكون مهمش ودوره مغيب، وهذا المكون هو منظمات المجتمع المدني اليمنية على المستوى المحلي والوطني حيث إنه وللأسف نجد تغييب مريب لدور هذه المنظمات وليس هناك مجال للشك إن هذا التغييب متعمد ولكن أيضا يمكن التغلب عليه لو انصتت منظمات المجتمع المدني لمسئولياتها الوطنية وتركت المصالح الشخصية والفئوية جانبا لاستطاعت أن تتبوء موقعها في الميدان لتقديم العون والمساعدة للمجتمع أثناء الكوارث والازمات ولاستطاعت أيضا أن تشكل ركيزة أساسية للبناء والتنمية أثناء السلم والاستقرار.
في القمة العالمية الإنسانية للعام ٢٠١٦م تم إشهار ما يسمى (الصفقة الكبرى) والتي تعنى بردم الفجوة المالية في المساعدات الإنسانية والتي تم تقديرها في ذلك الحين بمبلغ وقدره ١٥ مليار دولار أمريكي وذلك من خلال تحسين جودة وفاعلية العمليات الإنسانية في البلدان المستهدفة. وحتى اليوم قامت ٥٩ جهة مانحة بالتوقيع على هذه الإتفاقية العالمية من بينها ٢٤ دولة و ١٣ وكالة أممية و ١٩ منظمة دولية غير حكومية و الفدرالية واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية. وما زال التوقيع على هذه الصفقة مفتوح أمام كل جهة مانحة تؤمن بضرورة إيجاد عمليات إنسانية ذو كفاءة وفاعلية من خلال بنود الصفقة الواحد والخمسين التي تنقسم على عشرة مسارات رئيسية. تتشارك الجهات المانحة والمنظمات المنفذة للعمليات الإنسانية المسئولية لتحقيق هذه المسارات وجعلها واقعا ملموسا في الميدان، وهذه العشرة المسارات هي:
– مسارات تلتزم بها المنظمات المنفذة:
١- تعزيز الشفافية في العمليات الإنسانية.
٢- تقليص التكاليف الإدارية.
٣- تحسين وتطوير عمليات تقييم الإحتياجات.
– مسارات تلتزم بها الجهات المانحة:
٤- الحد من تخصيص المساهمات والمنح المالية.
٥- زيادة التخطيط والتمويل متعدد السنوات.
٦- توحيد وتسهيل متطلبات التقارير.
– مسارات تلتزم بها المنظمات المنفذة والجهات المانحة معا:
٧- زيادة تنفيذ وتنسيق البرامج الإنسانية القائمة على أساس النقد.
٨- خلق المزيد من أدوات تقديم الدعم والتمويل للمنظمات المحلية والوطنية.
٩- إشراك الأشخاص المستفيدين من العمليات الإنسانية في عمليات صنع القرار.
١٠- تعزيز الشراكة بين الجهات العاملة في المجال الانساني والمجال التنموي.
ومن باب المساءلة فإن الجهات الموقعة على الصفقة الكبرى ملتزمة بتقديم تقارير عن مدى التقدم الذي تحرزه في كل بند من البنود الواحد والخمسين التي نصت عليها الصفقة الكبرى، ولأنه حتى اليوم قد مر ما يقارب الثلاثة أعوام منذ نشأة الصفقة الكبرى فإن المنظمات الدولية غير الحكومية تحرص على إبراز أي تطور حتى لو كان طفيفا لكي لا تخسر سمعتها عند الدول المانحة ومن ثم خسارة التمويلات التي تقدمها تلك الدول ولكنها تلجأ في تقاريرها إلى إختلاق منجزات واهية إن لم تكن وهمية وذلك فقط لخداع الدول المانحة وحسب. يقول لي أحد الناشطين في منظمة محلية تعمل في محافظة تعز اليمنية انه كيمني وناشط وعامل في العديد من المنظمات المحلية والدولية لا يجد أي تطور ملموس في هذا الجانب بل العكس يجد أن المنظمات الدولية غير الحكومية تحرص على تقييد نشاط المنظمات المحلية والوطنية من خلال وضع شروط قد تكون مستحيلة التنفيذ وهذا ما يجعل المنظمات المحلية والوطنية في موقف ضعف وتستسلم للواقع وتهمش دورها. بينما يقول قيادي في منظمة أخرى كانت تعمل في صنعاء ولكنها حاليا انتقلت إلى عدن بسبب الأوضاع، إنه لم يعد يحصل أي فرصة للتمويل منذ ثلاثة أعوام تقريبا وذلك بسبب المنظمات الدولية غير الحكومية التي أصبحت تخصص المنح المالية لعدد محدد من المنظمات المحلية والوطنية التي تم إنشاؤها في آخر ثلاثة أو أربعة أعوام وللأسف هذه المنظمات حديثة المنشأ تفتقد الخبرة والقدرة على تنفيذ برامج إنسانية في أوضاع الحروب والكوارث كما أن بعضها محسوب على أطراف النزاع ولكن المنظمات الدولية غير الحكومية تحبذ العمل مع تلك المنظمات لأنها وبكل بساطة متعاونة مع أطراف النزاع كما إنها تجدها منظمات مطيعة وغير معارضة لأي شيء تقوله أو تريده المنظمة الدولية حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الأشخاص المستهدفين بهذه البرامج الإنسانية.
دعونا نأخذ مثال حول مدى التزام الجهات الموقعة على الصفقة الكبرى في الجانب المتعلق بزيادة التمويل للجهات المحلية والوطنية والتي تشمل الجهات الحكومية وغير الحكومية كذلك بنسبة لا تقل عن ٢٥% من إجمالي التمويلات المقدمة لليمن. في العام ٢٠١٨ وحتى تاريخ ٢١ ديسمبر تحديدا قدمت دول العالم مبلغ وقدره ٤.٠٣ مليار دولار أمريكي لليمن ضمن وخارج إطار خطة الاستجابة الإنسانية، ٢٣٦ مليون و ٥٨١ ألف دولار فقط من هذا المبلغ هو ما تم تقديمه مباشرة للجهات المحلية والوطنية بينما ذهب باقي المبلغ لصالح المنظمات الدولية غير الحكومية التي تنفذ برامج إنسانية في اليمن. هذا يعني أن الجهات المحلية والوطنية تلقت ما يعادل ٦% فقط بينما المنظمات الدولية تلقت ٩٤% من إجمالي التمويل المخصص لليمن!! وعلى هذا المقياس يمكنكم أن تتخيلو كم كان نصيب الجهات المحلية والوطنية من ال٢.٣٩ مليار التي قدمت لليمن خلال العام ٢٠١٧ أو من ال١.٧٩ مليار دولار التي قدمت لليمن في العام ٢٠١٦م.
مثال آخر عن مدى عدم الإلتزام هو غياب الشفافية لدى المنظمات الدولية غير الحكومية، ففي حين أن هذه المنظمات تفصح عن بعض المعلومات المتعلقة بالحالة التمويلية إلا إنها تتجنب وبكل صفاقة الإفصاح عن أي معلومات فيما يخص العمليات المالية المتعلقة بتنفيذ البرامج الإنسانية كالتكاليف التشغيلية واللوجستية وغيرها. يجب على هذه المنظمات أن تعي إن هذه التمويلات أصبحت أموال عامة للشعب اليمني ومن حق الشعب أن يعرف كل التفاصيل المتعلقة بكيف يتم إنفاق هذه الأموال وهل يتم إنفاقها بالشكل الصحيح أم لا.
هذا الوضع مقلق وجد خطير ولكن على من تقع مسئولية تغييب دور المنظمات المحلية والوطنية؟ وعلى من تقع مسئولية إلزام المنظمات والجهات المانحة بضرورة إشراك المنظمات المحلية والوطنية في برامج العمل الإنساني بالشكل المطلوب؟
في الحقيقة، المسئولية هي مسئولية مشتركة بين كل هذه الجهات ولكن يبقى على الجهات الحكومية اليمنية و منظمات المجتمع المدني اليمنية أن يضغطوا على هذه الجهات المانحة والمنظمات الدولية غير الحكومية لتصحيح هذا الوضع ولكن تبقى المسئولية الكبرى ملقاة على عاتق المنظمات المحلية والوطنية لأنها هي الممثل الحقيقي والصوت النقي لاحتياجات المجتمع اليمني كما إن هذه المنظمات هي الاعرف في كيفية تلبية احتياجات المجتمع بطرق ووسائل مناسبة وسريعة.
لذلك، يجب على هذه المنظمات المحلية والوطنية أن توحد صوتها وترفض أن تظل في موقف المتفرج وترفض هذا التهميش لدورها ويجب أن تشب عن الطوق الذي تريد لها المنظمات الدولية غير الحكومية أن تنحصر به وهو طوق لا يضم إلا الفتات من التمويل وصورة التابع المطيع، فيجب على المنظمات أن تحرص على أن يكونو انداد ومتساوون بل إن الأفضلية والامتيازات يجب أن تكون لهم.
لذلك يجب على رواد وقيادات المجتمع المدني أن يرتبو صفوفهم وأن يعملو على بناء قدراتهم وتشكيل جماعات ضغط ليصل صوتها إلى مختلف مستويات صنع القرار المؤثر على المجال الإنساني والتنموي والحقوقي كذلك. ويجب أن لا يكون هذا الضغط مرتكز على الجانب التمويلي وحسب، بل إنه يجب أن يسلط الضوء على زوايا أخرى وان يتبنى قضايا إنسانية وتنموية وحقوقية وأن يطرحها على طاولة صناع القرار ويحشد كافة الجهات حول رأيه وقضيته كقضية بناء القدرات وقضية ضرورة عدم الفصل بين المجال التنموي والمجال الإنساني وقضية مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة وقضية توطين الوظائف وقضية مأسسة علاقة تشاركية ندية بين المنظمات المحلية والوطنية وبين المنظمات الدولية.
ويجب على المنظمات المحلية والوطنية أن تعمل على تأطير نفسها في كيانات تنسيقية هادفة وقوية لتمارس مهام الضغط والمناصرة على المستوى الوطني والدولي بشكل فعال والدفع من أجل تغيير السياسات التي تشكل العلاقة بينها وبين المنظمات الدولية غير الحكومية والجهات المانحة والسلطات اليمنية والقطاع الخاص كذلك لكي تتمكن من الانتقال من طور معالجة هشاشة المجتمعات إلى طور الوقاية من هشاشة المجتمعات وبناء قدرتها على الصمود والتأهب والحد من الأزمات والكوارث.
ملاحظة: الغرض من هذا المقال ليس شيطنة المنظمات الدولية غير الحكومية ولكن الغرض هو إبراز ضرورة تصحيح وتطوير العلاقة بينها وبين المنظمات المحلية والوطنية.
سيف الحدي في 11:18 ص