المواطن/ ثقافة – نايف سلّوم
الصنم “أنثى” ، وجمعها الأصنام ؛ “ومنهنَّ أضللن كثيراً من الناس” [إبراهيم/36 ] . والبضاعة أو السِّلعة من الفعل؛ بضع أو سلع ، وهي ترجمة للكلمة الإنكليزية commedity . ” والسَّلع: تشقق القدم. والسُّلع: المِثْل (والسُّلع في الجبل: الشَّق). والسِّلعة بالكسر: المَتاع، وما تُجر به. والتسليع: إحراق العشر للاستمطار في الجاهلية . و انسلع: انشق. “
البَضْع: القطع.. والشَّق، وتقطيع اللحمة . والمجامعة.”
والصنمية ترجمة للكلمة الإنكليزية fetishism وهي من fetch: (1) يجلب، يأتي بـ (ب) يستخرج من الطبيعة (2) يحضر طبيباً (ب) يعود على صاحبه بثمن (ج) يفتن، يسحر (3) يوجه ضربة إلى (ب) يحدث، يضع (ج) يأخذ نَفَساً (د) يرسل تنهّدة (ه) يقتل..(5) يسلك طريقاً غير مباشرة ، يدور حول نفسه (6) جلب، استخراج ، استحضار[الأرواح] (7) جهد قوي (8) تنهّدة (9) حيلة (10) شبح
الفتشية، البُدّية: fetishism والتي تعني: (أ) الإيمان بالأفتاش أو البدود (ب) تقديس أعمى (ج) انحراف يتمثل في تركيز الشهوة الجنسية على (فتش) [مرض نفسي] المورد 343-344
وفي القاموس المحيط: البُدّ: البَدُّ: التعب. والبِدّ: المِثل والنظير. والبُدّ: العَوض، والصنم (معرّب ؛ بُتّ)، وبيت الصَّنم ، والنصيب من كل شيء (ومنه البُدّة) ص 266
الصّنم: خُبث الرائحة وقوة العبْد . والوثن يُعبد. وصنَّم تصنيماً: صوّت (صوّر) والصوت المنكر المحيط 1131
السِّر: أسرار وسرائر؛ الأصل ، وجوف كل شيء ولبّه .. وأسرّه: كتمه، وأظهره ؛ضدّ . وأسرّ عليه حديثاً: أفضى.” المحيط 406 وجاء في قاموس
Dorland,s Illustrated Medical Dictionary 26th Edi قوله: fetish; an object believed to be endowed with unreasoning devotion ..p.493
وترجمته: “الصّنم: شيء يعتقد أنه وقْفُ قوى خارقة للطبيعة ، أو مُجَلَّل بورع لامعقول” ص 493 .
أما بعد :
“تبدو البضاعة (السِّلعة) للوهلة الأولى شيئاً بسيطاً جداً ومبتذلاً. بيد أن تحليلها يبين أنها شيء مليء بالغرابات والتفاصيل الميتافيزيائية والأحاييل اللاهوتية ” ص 105 ..فهي بصفتها قيمة استعمالية لا تنطوي على ما هو مبهم سواء نظرنا إليها من وجهة نظر كونها تلبي بخصائصها الحاجات البشرية أم من وجهة نظر كونها تكتسب هذه الخصائص كناتج للعمل البشري [البضاعة في استعمالها أو تحويلها في الطبيعة إلى شيء نافع أو للاستعمال] وهي هنا لا تدخلها الغرابة، ولا يسكنها اللاهوت. عندما يهيمن التبادل على حركة البضاعة تغدو صنماً ، تماماً كالوثن حين يُعْبد يغدو صنماً. تعبد وتغدو السلعة صنماً عندما ندخل إلى المجتمع البضاعي وتدخلها الغرابات.
الإنسان يغير بنشاطه أشكال موجودات الطبيعة في الاتجاه المفيد له . كصنع طاولة ، ومع ذلك تبقى الطاولة خشباً ، أي شيئاً عادياً يدرك بالحواس. “لكن ما أن تصبح بضاعة حتى تتحول إلى شيء حسّي عصي على الإدراك” ص 106
The fetishism of commodities and the secret there of
“But , so soon as it steps forth as a commodity , it is changed into something transcendent . It not only stands with its feet on the ground , but , in relation to all other commodities , it stands on its head, and evolves out of its wooden brain grotesque ideas, far more wonderful than “table turning” ever was ” Karl Marx; Capital
“فهي [أي السلعة] لا تقف على قوائمها على الأرض فحسب، بل تقف على رأسها الخشبي (دماغها الخشبي) أمام سائر السلع الأخرى، ولذا فرأسها الخشبي يخلق من الغرابات التي فيها من المدهش أكثر بكثير مما لو بادرت الطاولة إلى الرقص من تلقاء ذاتها ”
فالطابع الصوفي للبضاعة لا ينجم إذاً عن قيمتها الاستعمالية، ولا عن مضمون تحديدات القيمة ، أي العمل الخاص الذي جعلها نافعة (قيمة استعمالية) ، كالخياطة بالنسبة للسترة أو الحياكة بالنسبة للنسيج، الخ..
مهما كان العمل الذي ينتج البضاعة متنوعاً فهو “إنفاق لدماغ الإنسان وأعصابه وعضلاته وأعضاء حواسه ( من الناحية الفسيولوجية؛ عبارة عن وظائف لجسم الإنسان ) . ثانياً، إن ما يشكل أساس تحديد مقدار القيمة ، أي بالذات مدة هذا الإنفاق أو كمية العمل ، يتميز بوضوح عن كيفية العمل ؛ إنه وقت العمل الذي يستغرقه إنتاج وسائل المعيشة .. وهذا الوقت يختلف حسب مراحل التطور المختلفة ، وبما أن الناس يعملون لبعضهم البعض مهما كان الأمر ، فإن عملهم يكتسب بالتالي الشكل الاجتماعي. “
فمن أين إذاً ينشأ الطابع الغامض لناتج العمل ما أن يتخذ هذا الأخير شكل البضاعة ؟
من الواضح أنه ينشأ من هذا الشكل ذاته (شيء- بضاعة) فالمساواة بين مختلف أنواع العمل البشري تتجسد في اتخاذ منتجات العمل شكلاً شيئياً من قيمة واحدة ، ويتخذ قياس إنفاقات قوة العمل البشرية بمدة هذه الإنفاقات شكل مقدار قيمة منتجات العمل ، وأخيراً إن تلك العلاقات بين المنتجين (العلاقة بين أعمالهم الخاصة من خياطة ونسج ، الخ..) التي تتحقق فيها تحديداتهم الاجتماعية للعمل تتخذ شكل العلاقة الاجتماعية بين أشياء (منتجات العمل كأشياء).
إن الشكل البضاعي هو مرآة تعكس للناس الطابع الاجتماعي لعملهم هم كطابع شيئي لمنتجات العمل ذاتها . تظهر كخصائص اجتماعية فطرية للأشياء المعنية [كأن العلاقات الاجتماعية بين الأعمال الخاصة هي خاصية هذه الأشياء- البضائع أو كأن العلاقات الاجتماعية منحلة فيها وأبدية أبدية خواص المعادن على سبيل المثال] ولذا “فإن علاقة المنتجين الاجتماعية مع العمل الإجمالي تبدو لهم كذلك علاقة اجتماعية بين الأشياء خارجة عنهم . وبفضل حلول شيء مكان آخر (علاقة اجتماعية بين أشياء محل علاقة اجتماعية بين أعمالهم الخاصة المختلفة) تصبح منتجات العمل ؛ أشياء حسية وعصية على الإدراك في آن معاً ” أو تغدو أشياء اجتماعية .
إن الشكل البضاعي وتلك العلاقة بين قيم منتجات العمل التي يتجلى من خلالها ليس لها على الإطلاق أي جامع يجمعها بالطبيعة الجسمية للأشياء وما ينجم عن ذلك من علاقات بين الأشياء. ” 108 فإذا كان الله هو المشهود والمنشود ؛ أي هو حقيقة الموجود وما هو واجب الوجود فإن علاقته بالموجودات الفيزيائية كعلاقة المعنى بالصوت في الكلمة التي ينطق بها إنسان فرد ، فالمعنى في الكلمة ليس خاصية شيئية للصوت الفيزيائي بل هو راكب عليه لا منفصل ولا متصل به، والمعنى الذي يأخذه التصويت في لغة ما هو أمر مواضعة واتفاق في الجماعات البشرية المختلفة من الأقوام.
وما ذلك سوى علاقة اجتماعية محددة بين الناس أنفسهم ، تلك العلاقة التي تتخذ في أعينهم شكلاً خيالياً للعلاقة بين الأشياء، تماماً كعبادة الأصنام والبدود على أساس أن المعني ملازم لها ومنحل فيها بينما هي مجرد أشياء يسقط الإنسان عليها أفكاره وعواطفه فيؤلهها.
يقول ماركس : وفيما لو توخينا إيجاد شبيه لهذا الأمر لكان علينا أن نتوغل في المجالات الضبابية لعالم الدين . ففي الدين تبدو منتجات الدماغ (الأفكار والعواطف) البشري كائنات مستقلة لها حياتها الذاتية وعلاقات محددة مع الناس ومع بعضها البعض . وهذا ما يحصل أيضاً لمنتجات الأيدي البشرية في عالم البضائع (إي في هذا الشكل من القيمة الذي هو القيمة التبادلية )
والكلام لماركس أسمي هذا بالصنمية (الفيتشية) التي تلازم منتجات العمل ما إن يتم إنتاجها كبضائع (الإنتاج البضاعي الرأسمالي) وعملية الانسلاخ هذه التي تحصل لمنتجات اليد في عالم البضائع ولفكر الإنسان وعاطفته في الدين تسمى الاغتراب الاجتماعي- الاقتصادي والاغتراب الديني .
في هذا النمط من الإنتاج البضاعي .. “فإن الأعمال الخاصة (النسج ، الخياطة على سبيل المثال) لا تتحقق واقعياً كحلقات للعمل الاجتماعي الإجمالي إلا من خلال تلك العلاقات التي يقيمها التبادل بين منتجات العمل وبواسطتها بين المنتجين أنفسهم أيضاً .” ولذا تبدو هذه العلاقات لا كعلاقات اجتماعية مباشرة بين الأشخاص أنفسهم في عملهم ، بل على العكس ، تبدو علاقات شيئية بين أشخاص وعلاقات اجتماعية بين الأشياء.
إذاً ، لا يقيم عامل النسيج مع عامل الخياطة علاقة شخصية مباشرة ، بل تتلاقى منتجاتهم : السترة والقماش في السوق كأجساد قيم أي كأشياء قابلة للتبادل فيما بينها . وهذا لا يتحقق إلا بعد أن ينتشر التبادل انتشاراً كافياً ويكتسب أهمية بحيث أن الأشياء النافعة تنتج للتبادل خصيصاً، أي تنتج كقيم تبادلية أو تنتج كبضاعة . من هذه اللحظة تكتسب الأعمال الخاصة للمنتجين طابعاً مزدوجاً بالفعل(طابع استعمالي وطابع تبادلي).
هكذا تتخذ بنظر هؤلاء الذين يتبادلون البضائع – تتخذ حركتهم الاجتماعية شكل حركة للأشياء يخضعون لها بدل أن يخضعوها لأنفسهم. (قارن مع الاغتراب الديني) .
هذا الفهم العلمي للبضاعة وسرها مشروط بوجود الإنتاج البضاعي المتطور تماماً ، لأن تحديد مقدار القيمة بوقت العمل الضروري اجتماعياً لإنتاج المنتجات هو سر يختفي وراء حركة القيم النسبية للبضائع المرئية للعين. يقول ماركس: “لنشوء هذا الفهم العلمي لا بد من وجود الإنتاج البضاعي المتطور تماماً لأن وقت العمل الضروري اجتماعياً لإنتاج المنتجات لا يشق لنفسه الطريق عبر العلاقات التبادلية العرضية والمتأرجحة باستمرار لمنتجات الأعمال الخاصة إلا بالعنف ، كقانون ضبط طبيعي يفعل على غرار قانون الجاذبية عندما ينهار بيت على الرؤوس”
إن الكشف عن السر هذا يزيل الوهم الذي يصور أن مقدار قيمة منتجات العمل يتحدد بمحض الصدفة ، ولكنه لا يزيل إطلاقاً الشكل الشيئي لتحديد مقدار القيمة.” تماماً مثلما يزيل كشف سر التدين سر الاغتراب الديني ، لكنه لا يزيل التدين لأنه يبقي على الشرط الإنساني الذي يولد هذا الاغتراب ، وهو أن علاقات البشر فوقهم وما أن يتخلصوا من هذه الضرورة ويصلوا إلى وعي علاقاتهم كأفراد متحدين أحرار ويتجاوزوا شرطهم بالفعل، حتى يزول هذا الشرط؛ شرط التدين.
هوامش
1- جسد البضاعة
2 – “ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيّه جسداً ثم أناب” [ص/34]
3 – [كما يدور الفكر البورجوازي التافه حول نفسه عند السطح في عملية كشف سر البضاعة]
4 – كالدّين؛ زفرة الخليقة المضطهدة
5- الجسد شبح للروح مثله مثل جسد البضاعة ، شبح العلاقات الاجتماعية أو شبح الحقيقة الاجتماعية للقيمة
6 – كتركيز الاهتمام على البضاعة على أنها شيء وليس علاقة اجتماعية
7 – الفتش أو جسد البضاعة عبد لحقيقة القيمة تصبح هي السيد في المجتمع البورجوازي وفي الوعي البورجوازي المغترب. الصنم وثن يعبد؛ البضاعة للاستعمال فقط، ليست صنماً . لكن ما أن يهيمن مجتمع بضاعيّ حتى تغدو البضاعة صنماً أو تأخذ شكل قيمة تبادلية، إضافة لقيمتها الاستعمالية.
8 – لاحظ نفور الإسلام المبكّر؛ المحمدي من الصور ومن الأصنام ومن منكر الصوت (صوت الحمير). الصوت المنكر يحمل أبلسة أو غماً .
9 – يكتب ماركس تبدو البضاعة للوهلة الأولى شيئاً بسيطاً جداً ومبتذلاً. بيد أن تحليلها يبين أنها شيء مليء بالغرابات والتفاصيل الميتافيزيائية والأحاييل اللاهوتية.” رأس المال مجلد 1 ص 105 ترجمة دار التقدم.
10 – لاحظ الفيتش؛ البدُّ أو البِدّ: المثل؛ النظير ؛ الشبهة : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم
11- يشق طريقه عبر ثورات دورية رغم أنف المشتركين فيه من البشر . والذين يفعلون بصورة غير واعية