فهمي محمد
المواطن – كتابات
في اعتقادي إن اليمنيين اليوم اكثر من أي وقت مضى عليهم أن يعوا ذاتهم ووجودهم ومقعدهم في قطار الحياة المتجه دائماً في سفره نحو الأمام ، فالإنسان في اليمن مثل الإنسان في بقية شعوب العالم يعيش في رحلة عمر متجه نحو الأمام تبداء هذه الرحلة من يوم الولادة وتنتهي غالباً بالموت عند الكبر بعد أن يكون هذا الانسان قد ترك وراءه أبناء يواصلون بعده رحلة عمر لاتنتهي بتعاقب الأجيال ، وهكذا فان شعوب العالم دون استثناء هي شعوب مسافرة في رحلة عمر على قطار الحياة الذي لايعرف إلا مسار واحد يذهب بها نحو الأمام
ولكن حركة الشعوب بأحداثها المختلفة في هذه الرحلة تصنع الفارق بينهم ، فبعض الشعوب في هذه الرحلة تكتب قصة سفرها مع الزمن وبعضها في رحلة العمر تكتب قصة سفرها في التاريخ !
بمعنى آخر أن الشعوب التي تصنع أحداثاً تاريخية كبرى في رحلة العمر وينتقل أجيالها من مقعد الى آخر نحو التقدم في هذه الرحلة هي الشعوب التي تكتب قصة سفرها في التاريخ ، عكس الشعوب التي لاتصنع أحداثاً تاريخية ناجحة وكبرى في رحلة العمر ولا ينتقل أجيالها من مقعد الي آخر في قطار الحياة فإنها تكتب قصة سفرها في الزمن
فالشعوب حين تسافر في التاريخ ويكون التاريخ بأحداثه الكبرى مختبر لصناعة مستقبلها فانها دون شك في رحلة عمرها تصل الي وطن ، أما حين تسافر في الزمن فإن سفرها يطول ولاتصل في رحلة عمرها الى وطن ، لانها ببساطه تفشل في صناعة الحدث التاريخي القادر على صناعة التحول التاريخي .
اليوم ونحن نضع أقدامنا في القرن الواحد والعشرين نشاهد كثيراً من شعوب العالم وصلت في رحلة عمرها الى وطن لإنها بعقل واعي ارادت ان تسافر في حركة التاريخ نحو المستقبل المنشود فصنعت في مسارها أحدثاً تاريخية أنتجت بموجبها مشروعات وطنية حولت جغرافيتها وبلدانها الى اوطان للعيش الكريم ،
اما الانسان في اليمن فإنه حتى اليوم مسافر في رحلة العمر يبحث عن وطن ولا أظنه سوف يصل في المستقبل القريب الى وطن لإنه مصر على السفر في مسار الزمن وفشل اكثر من مرة في صناعة الحدث التاريخي الذي ينتج مشروعاً وطنياً قادراً على تحويل جغرافية اليمن بكل قساوتها الى وطن للعيش الكريم ،
التاريخ توقف بناء اليمنيون في فجر التاريخ عندما صنعنا الحضارات وبنينا السدود وقهرنا قساوة الجغرافيا وتواصلنا تجارياً مع شعوب العالم،
في فجر التاريخ كنا اصحاب حضارة واليوم حفاة عرات نتقاتل في الحاضر حتى يتجدد الماضي في ترويسة مستقبل أجيالنا القادمة
الفرق بين الزمن كتعاقب اوقات وبين التاريخ كصيرورة نحو التقدم الذي يصنع المستقبل في حياة الشعوب المسافرة في رحلة العمر يكمن في قدرة الشعوب نفسها على التحرك الواعي نحو التغيير المقصود وصناعة الحدث التاريخي الذي يجعل منها قادرة على مغادرة الماضي بكل قيمه السلبية الى الحاضر المغاير والذي يمثل محطة إنتظار متجة نحو المستقبل اكثر مماهو مربوط بالماضي،اما حين تعجز الشعوب عن صناعة الحدث التاريخي الذي يدفعها في حركة تغيير الى الحاضر فإنها تظل تعيش في الماضي بين قيمه واحداثه وادواته فتعيش مسلسل من التكرار لتلك الأنساق والأحداث التي تجعلها تعيش زمن واحد تتوارث فيه الاخطاء والقيم الماضوية كما تتوارث الجينات وإن تعاقب عليها الاوقات فلا قيمة ولا وجود لصيرورة التاريخ هنا (فالتحرك التغييري وتكرار المتشابه يشكلان الفرق بين التاريخ كصيرورة وبين الزمن كتعاقب اوقات) هذا يعني ان التاريخ هو حركة الانسان الهادفة الى تغيير المجتمع سياسياً واجتماعياً نحو التقدم اما الزمن فهو حركة الوقت المتعاقبة حين يتوقف الانسان او المجتمع عن الحركه الايجابية نحو التغيير وتتعطل قواه العقلية عن الانتاج والابداع وتصبح حياته تكرار لمشهد واحد لايتغير او انه يتحرك سلبياً فيعيد انتاج الماضي في حاضره وفي رحلة عمر تحمل الأجيال بلا أهداف وطنية .
عندما تنجح الشعوب في التغيير فإنها تحول الزمن الى تاريخ والى صيرورة نحو التقدم اما حين تفشل الشعوب في التغيير فانها تسلب الزمن تاريخيته فتكون النتيجة توقف التاريخ عند جيل معين في رحلة العمر – كماتوقف في اليمن في فجر التاريخ عند الاجيال الماضية التي صنعت حضارة – ويستمر الزمن في المسير نحو الأمام وليس نحو التقدم يحمل معه اجيال كثيرة ولكنها غثاء سيل تحمل الجهل والفقر والمرض وتتوارث التخلف وتعيد إنتاج عوامل الانحطاط .
اهل الكهف على سبيل المثال عاشوا في رحلة العمر 309 / سنين احياء في الكهف يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال كما يخبرنا عنهم القرآن الكريم ( وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) ولكنهم كانوا عائشين في حركة الزمن اما التاريخ فلا وجود له في حياتهم لإنه توقف في باب الكهف لحظة دخولهم وذلك لسببين إثنين الاول ان حركتهم في الكهف لم تقصد التغيير بل كانت حركة تكرار وتشابه “تقلب ذات اليمين وذات الشمال”لمدة 309/سنين لاجديد فيها يغادر القديم ولا إنتقال من الماضي الى الحاضر المتغير ، والثاني إن قواهم العقلية تعطلت وتوقفت عن الابداع والانتاج ،فالتاريخ توقف بهم في اول يوم دخلوا فيها الكهف واستمر الزمن في المسير 309/ سنين يسير بهم في رحلة عمر ، ولذلك محال علينا قراءة تاريخ عنهم في تلك السنين لانهم توقفوا عن الحركه الإيجابيه التي تتجه نحو التقدم وبقت حركتهم سلبيه تكرر الحدث الواحد المتشابه فلا ماضي ولا حاضر مغاير رغم طول الفترة المقدرة بثلاثة قرون وتسع سنين .
هكذا حال الشعوب عندما تتكرر الاحداث في حركتها دون تغيير فانها تعيش زمن واحد فقط دون تاريخ او صيرورة لافرق بين ماضيها وحاضرها فالحاضر هنا تكرار هزلي لأحداث الماضي الذي يظل دوماً حاضراً ومتحكماً في كثير من تفاصيل حياتها الحاضرة ، اما الحاضر الذي يكون نتيجة حركة التاريخ كصيرورة لا يتحكم الماضي بمساره وحركته المتجة نحو التقدم وصنع المستقبل المشرق.،
إن التاريخ يقدم نفسه دوماً حليف للشعوب المتحركة نحو التغيير لإنه بطبيعته يتجه نحو تحقيق التقدم اما الزمن فلا يقدم نفسه كذلك لانه لا يتجه بطبيعته نحو تحقيق التقدم وإن كانت حركته الى الأمام ، وتفسير سر ذلك ان الزمن تصنعه الجغرافيا فحين تدور الارض حول نفسها وحول الشمس تعطينا الزمن كتعاقب اوقات اما التاريخ يصنعه الانسان حين يتحرك بوعي وبعقل ايجابي على الجغرافيا .
الزمن لا يصنع المستقبل ولا يعنيه ذلك فالزمن غاية بذاته ناتج عن دوران الارض اما التاريخ مكلف بصناعة المستقبل لان أحداثه هي المختبر الذي يصنع المستقبل كونها ناتجة عن حركة الانسان الايجابية والحركه الايجابية هنا تعني النجاح في صنع الحدث التاريخي القادر على السفر بالمجتمع من الماضي السلبي الى الحاضر المتغير ، بل ويجعل شعوب الحاضر تعيش واقعاً عاشته أجيال الماضي في الاحلام فالشعوب التي تصنع التاريخ وتسافر في حركته هي الشعوب التي نجحت في تحويل الاحلام الوردية لمن كانوا في الماضي الى واقع ملموس تعيشه اجيال الحاضر اما الشعوب التي تسافر في رحلة عمرها في الزمن ولا تصنع الحدث التاريخي فان اجيال الحاضر تعيش واقعاً عاشته اجيال الماضي ويتوارثون جميعاً احلاماً لم تتحقق في الواقع،،
اليمنيين اليوم بكل تاكيد تائهون في رحلة عمرهم أضاعوا طريق المستقبل وفشلوا في تحقيق احلامهم احلام ثوار سبتمبر واكتوبر لم تحقق في الوقع وبعد اكثر من خمسين سنه خرج ثوار 11/ فبراير بنفس الاحلام السابقة ولا اظنها سوف تتحقق في المستقبل القريب!!فالتجارب تقول عندما تتكلم البنادق يتوقف العقل عن العمل ،
اليمنيين اليوم وهم يسبحون في مستنقع الدم عليهم ان يفكروا في الطريق التي سلكوها في رحلة العمر عبر الاجيال المتعاقبة هل كانت رحلة عمر في اتون الزمن ام كانت رحلة عمر في صيرورة التاريخ؟
يعرف احد المؤرخين الألمان التاريخ بكونه (حاصل الممكنات التي تحققت)
فماذا تحقق اليوم من احلامنا ؟
ولماذا لم يتحقق بعد ؟
والاهم من ذلك هل رحلة عمر الانسان في اليمن عبر الاجيال المتعاقبة هي رحلة عمر بقصد الوصول الى وطن؟
وما هو الفرق بين الأوطان والبلدان ؟
وما هو المشروع الذي يحول الجغرافيا الى وطن والانسان الى مواطن والسلطه الى دوله؟وما هو الفرق بين السلطة والدولة؟
وهل تبنى الأوطان والدول بمداميك من الاحجار والحديد ام تبنى بمشروع وطني مداميكه الانسان المدني بطبعه؟
هل قرءنا بوعي منهج التقدم الذي به سوف نتجاوز اختبار القبول في جامعة التاريخ كصيرورة ونحجز مقعدنا في قسم هندسة الأوطان؟
سوف نتقاتل كثيراً وربما سنوات عديده ولكننا لن نبني وطن ولن نحمي ارض ولن نسافر في صيرورة التاريخ وسوف نفشل في المستقبل كما فشلنا في الحاضر والماضي في صناعة الحدث التاريخي مالم نكن موأهلين وقادرين بعقل واعي على تقديم الإيجابات الجادة على تلكم الاسئله السابقه وبالشكل الذي يجعل من تلك الإيجابات واقعاً يعيش فيه أفراد المجتمع