فهمي محمد
المواطن- تحليلات
عندما تتكرر دورات العنف في بعض المجتمعات ( اليمن نموذجاً ) وتمثل نتائج الحروب فيها أسباب موضوعية مؤسِسة لحروب قادمة وبشكل يجعل مستقبل الاجيال فيها مفخخاً ومهدداًُ بالإنفجار،
فذلك يعني ان العقل السياسي في تلك المجتمعات قد فشل فشلاً ذريعاً في صناعة مجال سياسي عام لممارسة الصراع السياسي والمنافسة الحزبية !!
المجتمعات التي نجحت في صناعة مجال سياسي عام تمارس فية مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية العمل السياسي عبر قنوات سياسية طبيعية بعيدة عن العنف والحروب والإرهاب الفكري هي المجتمعات التي أنتجت دولة تحتكر وحدها وتمتلك وحدها وسائل العنف والقوة وادوات القمع ، ولكنها في المقابل تعطي سائر قوى المجتمع حيزاً معترفاً به لممارسة الصراع الساسي والمنافسة الحزبية للوصول إلى السلطة مرعيةً بقوة أحكام الدستور والقانون .
اما حين يفشل العقل السياسي في بعض المجتمعات في هندسة مجال سياسي عام لا يعطي لمكونات المجتمع إمكانية حقيقية لممارسة المنافسة السياسية السلمية والصراع الديمقراطي على كسب الرأي العام وعلى المشاركة في صنع القرار وصياغة المستقبل والمصير ! فإن السياسة في هذا الفشل لا تمارس دورها من حيث هي فاعلية اجتماعية ودينامية من ديناميات تطور الاجتماع الوطني كما هو مفترض في اي مجتمع مدني ، وكما هو عليه أمرها في المجتمعات الحديثة التي نجحت في صناعة مجال سياسي عام ، بل هي ” اي السياسة “تجد نفسها فعلاً ممتنعاً في افضل الاحوال وفعلاً قتالياً دموياً في أسوءها !!
لذلك فإن غياب مجال سياسي عام في مجتمعاً ما لا تستطيع فيه مكونات المجتمع ممارسة الصراع والمنافسة السياسيه لايعني حكماً زوال الممارسة السياسة والصراع الحزبي بوصفهما ديناميتين اجتماعيتين موضوعيتين (اي لا يعني غياب المجال السياسي الطبيعي في المجتمع إنعدام ممارسة السياسة والصراع كدينامية ) بل يعني ان السياسة والفعل السياسي سوف يعبر عن وجودة بفعل احتقان عبر قنوات أخرى لا تبدو سياسية وما ظاهرة الطلب المتزايد على الدين او رفع الشعارات الدينية في مجال الاستثمار السياسي ( استثمار المقدس أو الرأسمال الديني في العمل السياسي ) وكذلك اللجو إلى استخدام العنف ودورات الآقتتال المتكرره في اليمن إلى تعبيراً عن فشل العقل السياسي في صناعة مجال سياسي تمارس فيه السياسة دورها الطبيعي في إدارة الصراع والمنافسة المشروعه بين مكونات المجتمع للوصول إلى سلطة الدوله .
صحيح ان مشكلتنا في اليمن تكمن بعدم وجود دولة ضامنه لكن الدولة الضامنة يستحيل ان تنشاء او تستمر إلا في ظل مجال سياسي عام يؤسسه الفعل السياسي نفسه والذي يعبر عن ممارسة السياسة اولاً بكونها عملية فذه في ادارة مفهوم الإختلاف والإئتلاف على الصعيد المجتمعي وتلك مهمة العقل السياسي في اي مجتمع .