محمد القادري
منذُ إنقلاب مليشيا الحوثي المصنفة في القوائم الأمريكيّة للإرهاب، على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في العام ٢٠١٤م، تتعرض محافظة إب (وسط البلاد) لانتهاكات وتعسفات أبرزها القتل والتعذيب والاختطاف.
نهج سلالي
لم تكن الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات الحوثي مجرد نزوة عابرة، بل تعد امتداد سلوكي ونهج تاريخي استحضرته المليشيات من اسلافها الطائفيين، كما اتى في كتب تاريخية أن فتاوي طائفية تعارض المجتمعات وتدعي وجوب قتلهم وسلبهم، كقول أحد كتبهم “الرعية مسؤولين عن الراعي وإن كانت الرعية نافرة وجب قتلهم وإهلاكهم ونصب الكمائن لهم والإجتهاد بإهلاكهم”.
وتنتهج مليشيات الحوثي سياسة إخضاع على أهالى محافظة اب المسالمة، إذ حولتها الى ساحة مفتوحة لمختلف أنواع الانتهاكات والجـ ـرائم بحق المواطنين من بينها جرائم إعدام وتصفية قيادات سياسية ووجاهات اجتماعية، وجرائم قتل تحت التعذيب للمختطفين، وعمليات الاختطاف لمواطنين وتعذيبهم بينهم أطفال ونساء، ونهب الممتلكات العامة، والاقتحام والتفتيش للمنازل والعبث بالمحتويات وترويع ساكنيها.
وفي هذا الصدد، يصف الصحفي “محمد النمر” المليشيا الحـ ـوثية بأنها مشروع موت وحرب وظلام دائم وإفتعالها للجرائم وحملات الإعتقالات للنشطاء والإعلاميين هو بسبب ان المجتمع هذا مازال حي يناهض فكرتها ورؤيتها البشعة.
ويعتقد “النمر” ان جرائم المليشيا سلوك يعبر عن شعورها بالخوف من قرب مصيرها بحدوث انتفاضة او مناهضة شعبية تطيح بها.
تهديدات متزايدة
ذكرت مصادر إعلامية في وقت سابق من العام الجاري أن قيادياً حوثياً يٌدعى أبو نصر الرازحي المعين في منصب نائب مدير أمن إب أصدر توجيها إلى إدارة قسم الشرطة يقضي باعتقال أحد ملاك الفنادق السياحية ويدعى عثمان الباشا، على خلفية مطالبته لأحد أقارب القيادي الرازحي بدفع مستحقات كإيجار مقابل سكنه مع عائلته القادمة من محافظة صعدة والذي بقي مع أسرته لأكثر من أسبوع في الفندق.
وسارع القيادي الحوثي المقالح المعين من قبل المليشيا مديراً لقسم شرطة “الشعاب” في مدينة إب، برفقة مسلحين على متن دورية فور تلقيه التوجيه إلى اعتقال مالك الفندق، ليقوم باعتقاله وإيداعه السجن وفق ما أكدته المصادر.
وعمدت الجماعة إلى فرض عقوبة على مالك الفندق بالسجن وعدم الإفراج عنه إلا بدفع غرامة مالية نتيجة تقديمه شكوى ضد المقرب من القيادي الرازحي المنحدر من صعدة (معقل المليشيا).
هذه الحادثة سبقها بأيام قيام القيادي الحوثي البارز والحارس الشخصي السابق لزعيم المليشيا الحوثية أبو علي الكحلاني المعين من قبل المليشيا مديرا لأمن محافظة إب، بإصدار أمر قهري بالقبض على نجل شيخ قبلي من مديرية بعدان يُدعى رصاص يحيى علي الجبري، على خلفية احتجاجه على عرقلة عناصر المليشيا للسير في وسط شارع رئيسي في مدينة إب.
وشكى رصاص الجبري في مقطع مرئي، نشره على حسابه في “فيسبوك” من قيام العناصر الحوثية بالاعتداء عليه، ثم معاودتها إطلاق الرصاص أثناء وجوده مع ابنته الصغيرة بالقرب من مشفى خاص وسط المدينة، وتهديده عبر رسائل نصية بمواصلة ملاحقته، واقتحام منزله والقبض عليه، وإيداعه للسجن وتأديبه.
وبحسب مصادر إعلامية، قبل ايام هدد قيادي حوثي يدعى فارس عائض المصنعي، المنحدر من محافظة عمران، أبناء مديرية “السياني” بمحافظة إب باستقدام مجاميع مسلحة لاستخدام القوة ضدهم، بعد رفضهم السماح له بإنشاء كسّارة في “وادي نخلان”.
يأتي هذا التهديد في سياق حملة متزايدة من الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي ضد المواطنين في محافظة إب (وسط البلاد)
وقالت مصادر محلية، ان مشروع الكسّارة الذي يعتزم المصنعي إقامته بالقوة، أثار غضب أهالي مديرية السياني، الذين أبدوا رفضهم القاطع له، نظراً لما سيتسبب به من أضرار جسيمة على البيئة وعلى حياة المواطنين، إضافة إلى ما سيتسبب به من تدمير الأشجار والمحاصيل الزراعية، وأيضا التأثير السلبي على صحة الإنسان والماشية بسبب الضوضاء والتلوث البيئي الناتج عن نشاط الكسّارة.
ووفق تسجيل صوتي تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن القيادي الحوثي لم يكتفِ بتعنته فحسب، بل تهكّم عليهم بطريقة سوقية، ولهجة مناطقية متعالية، معبّراً عن ازدرائه لأبناء محافظة إب، مؤكداً نيته بالمضي قُدماً في تنفيذ مشروعه بالقوة إذا تطلب الأمر.
قتل مستمر
تصعد مليشيات الحوثي من جرائمها بحق المواطنين يومًا بعد يوم حيث رصدت منظمة “رصد للحقوق والحرايات” عدد من الجرائم والإنتهاكات التي يتعرض لها المواطنين، رغم القيود وعمليات الترهيب التي يتعرض لها الضحايا جراء إبلاغ الراصدين عنها.
ووفقًا لتقرير “رصد للحقوق والحريات” قبل اسابيع عدة، قد بلغ عدد جرائم المليشيا على المحافظة (6482) جريمة وإنتهاك خلال العام 2022م فقط.
وطالت جرائم المليشيا في العام الماضي كل فئات المجتمع ولم تقتصر على منطقة واحدة او عن مديرية دون اخرى بل انتشرت في عموم انحاء المحافظة.
وبحسب تقرير “رصد للحقوق والحريات”، تم تسجيل (377) جريمة قتل وإصابة في جميع مديريات المحافظة، خلال العام الماضي، وهو رقم تقول المنظمة إنه أقل بكثير من الأرقام الحقيقية على أرض الواقع.
إختطافات وتعذيب
ووفق لمنظمة “رصد” ذكر التقرير رقما قياسيا مقارنة بالأعوام السابقة التي سجلت فيها أرقاما أقل للجريمة ذاتها، فقد كشف التقرير عن اختطاف مليشيا الحوثي (452) شخصًا، شملت العديد من فئات المجتمع من بينهم أطفال تم اختطافهم بأهداف متعددة، مشيرًا إلى تعرض المئات من المختطفين لعمليات تعذيب نفسية وجسدية مروعة داخل السجون الحوثية بالمحافظة.
وبحسب تقارير حقوقية حديثة، تم الكشف عن تعرض (161) مختطفاً للتعذيب في سجون جماعة الحوثي الإرهابية، (47) منهم فارق الحياة إثر التعذيب الوحشي في سجونها، بمحافظة إب (وسط البلاد)، خلال الفترة من 1 يناير2017م إلى منتصف العام الجاري
وفي صدد جرائم التعذيب، يحيى العتواني أستاذ جامعي من ابناء محافظة إب في حديث له مع “المواطن نت” يقول: “جرائم المليشيا مستمرة يومًا بعد اخر بشكل غير متوقع منذُ إنقلابها على الجمهورية في شتى المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها من قتل وتنكيل وإختطاف وتعذيب وغيرها من الجرائم”.
واضاف العتواني قائلا: “وفي هذا دلالة على أن هذه المليشيات الارهابية تنتهج منهج الموت لكل من لم يرغب بفكرتها مستلذة بذلك وتعتبره عقوبة لكل من يخالفها”.
تنامي سخط شعبي
الجرائم والانتهاكات التي تمارسها المليشيا الحوثية بحق أبناء محافظة اب (وسط البلاد)، كسلاح ممنهج لإسكاتهم سبب لحالة من السخط الشعبي المتنامي ضد جرائم وانتهاكات المليشيا التي تسببت بمعاناة كبيرة وأوضاع اقتصادية صعبة.
ويقول ناشط حقوقي من ابناء مدينة إب لا يرغب ذكر إسمه في حديث له مع “المواطن نت”: “إن جرائم الحوثي المستمرة على محافظة إب وإستمرار حملات الإختطافات وتصعيدها والتنكيل بالمختطفين في السجون، شكلت سخط شعبي في المحافظة، وكان اكبر تنامي لهذا السخط، التنكيل بالناشط الشهيد حمدي عبدالرزاق الملقب بالمكحل”
واشار الناشط الحقوقي: “ان سخط المواطنين في تشييع جثمان الشهيد حمدي عبدالرزاق (المكحل) تسبب بحالة من القلق والرعب في قلوب المليشيا مما جعلهم يكثفون الحملات الامنية والاطقم العسكرية في جميع شوارع ومداخل المدينة خوفًا من الإنتفاضة”.
وأفادت صحيفة لندنية نقلا عن مصادر مطلعة، أن جماعة الحـ ـوثيين شددت قبضتها الأمنية وسطوتها على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث تتجه لإنشاء أنظمة استخبارية جديدة، مع تعزيز رقابتها على السكان وتكثيف أنشطة التجسس عليهم.