سميرة عبد اللطيف/ بهاء المقطري
“عشت وسط جيراني وهم يعلمون أنني بهائية ولم أشعر أنني غريبة عنهم ، وكنا نتبادل صحون الطعام وأزورهم واطمئن عليهم باستمرار لكن بعد اعتقال زوجي بسبب معتقده الديني تغير الحال كلياً ” الهام _ بهائية.
” المجتمع اليمني يرفض الاعتراف بوجود مسيحين يمنين في اليمن ، والأمم المتحدة ومقررها الخاص المعني بقضايا الأقليات ( فرناند دي فارين) لا يعترف بالمسيحين اليمنين كأقلية .” جليل _مسيحي.
” لا أحب كبهائي أبدا النظرة التي تقسيم المجتمع إلى أكثرية وأقليات بل نرى بأننا جميعا أبناء مجتمع واحد ولا ننظر لأنفسنا كجماعة دينية منعزلة،، فلا يوجد لدينا مظهر خاص شكلا وملبسا، أو طقوس خاصة ولن تجدن متكتلين في أحياء أو مدن محددة، بل نحنُ جزء طبيعي جداً من نسيج المجتمع اليمني ” نادر _بهائي
“يمكن وجودي مع اكثر من عشرين شخص، من دول مختلفة واديان وثقافات مختلفة ،خلنا نحس ان هذة ليست فوارق ، الدين ليس فارق، او الثقافة فارق، بالعكس نحن معانا قواسم مشتركة زي اللغة والمبداء الانساني نفسة ” أحلام _مسلمة.
فماهي قصة المسيحية والبهائية في اليمن؟
العودة إلى التاريخ
تاريخياً كانت بداية المسيحية والمسيحيين في اليمن بسفر وهجر دعاة النصرانية من بادية الشام الى نجران ثما باقي المناطق والمدن اليمنية وقد اسسوا في بداية الامر ثلاث كنائس توزعت بين (عدن، ظفار، هرمز ) بجانب مركز الدعوة الرئيسي في نجران أيضا جاءت المسيحية مع المسافرين عبر البحر و البر بغرض التجارة او الاستقرار من اليونان والحبشة والعديد من الحضارات الأخرى ، ومع ذلك شهدت المسيحية تراجع وانحسار في اليمن.
اما عن الدين البهائي، مع دخول شاب إيراني يسمى علي محمد الشيرازي ولقبة ( الباب ) لليمن عبر المخاء 1844 ، كانت بداية دخول الدين البهائي لليمن وتوزع اتباع هذا الدين الجديد في مدن يمنية مختلفة، مثل : عدن ،تعز ،صنعاء ، الحديدة ، المكلا، سقطرى ولكن ما واقع هذه الديانتين واتباعهم اليوم في اليمن؟
وحتى نفهم واقع الأقلية المسيحية في اليمن بشكل افضل، كان لنا لقاء مع احدى الشخصيات المسيحية اليمنية في الخارج، الاستاذ (جليل) مدرب ومنسق في مؤسسة مسيحية ، يقول لنا جليل : ” تبدأ مشكلة الأقلية المسيحية في اليمن ، بعدم الاعتراف بها كأقلية سواء على المستوى المحلي او الدولي فالمجتمع اليمني يرفض الاعتراف بوجود مسيحين يمنين في اليمن ، والأمم المتحدة ومقررها الخاص المعني بقضايا الأقليات ( فرناند دي فارين) لا يعترف بالمسيحين اليمنين كأقلية”
قد يعود ذلك الى تجنب الأمم المتحدة، تحمل مسؤولية دعم وحماية المسيحين اليمنين في حالة تم الاعتراف بهم كأقلية موجودة في اليمن وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن لي أي احد انكار التواجد المسيحي في اليمن، لوجود عدد من الكنائس والمرافق الخدمية التابع لها في اليمن وكان مسؤولين من طائفة الروم الكاثوليك ينتظرون قرار الحكومة بالسماح لهم بتشييد مؤسسات وكنائس تابعة لطائفتهم .
اما البهائية فقد وصلــت المناطــق السـاحلية والجـزر اليمنيـة منتصـف القـرن التاسـع عشـر وعرفــت الطائفــة البهائيــة فــي صنعــاء وبعــض المحافظــات الشــمالية منــذ عــدة ســنوات إلا أن وجودهــم ظــل طــي الكتمــان ، ويمارســون طقوســهم بشــكل ســري خوفــا مــن اتهامهــم بالكفــر والــردة ، ويبلــغ عــدد الطائفــة البهائيــة فــي اليمــن حوالــي ً(2000) شـخص تقريبـا.
حياة مشتركة
تقول البهائية اليمنية الهام زارعي ذات ٤٩ عاماً ،وهي ام لثلاث بنات ” لقد انتقلت مع زوجي للعيش في مدن مختلفه باليمن نظرا لعمله وتنفيذه لمشاريع مختلفة بين عدن ، سقطرى، حضرموت ، اب وصنعاء، و ما جذبني هو التنوع والاختلاف الموجود في اليمن والذي يجعله مميزاً وكأنه حاضن لعدة دول وليست مجرد مدن.
وأضافت ألهام ” عشت وسط جيران وهم يعلمون أنني بهائية ولم أشعر أنني غريبة عنهم ، وكنا نتبادل صحون الطعام وأزورهم واطمئن عليهم باستمرار ”
وأردفت ” لكن مواجهتي للظلم والمعاناة التي عشتها مع بناتي بدأت منذ عام ٢٠١٣م عندما تم اعتقال زوجي من مقر عمله في بلحا حيث كان مهندس مشروع مطار YLNG YEMEN بسبب معتقدة كونه بهائي، لمدة 6 سنوات حينها أدركت أن الجهل والتعصب وعدم تقبل التنوع والاختلاف قد مزق نسيج مجتمعنا.
يقول الدكتور نادر السقاف، مدير مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن، وهو سجين معتقد سابق وتم تهجيره قسراً من اليمن ” أن البهائيين في كل مكان في العالم جزء طبيعي من مكونات المجتمع المتنوعة ولا يرون أنفسهم جزاً منفصلا من مجتمعهم، يتشاركون ذات الأحلام وذات الطموحات لمستقبل أجمل لليمن.
ويضيف نادر ” لا أحب كبهائي أبدا النظرة التي تقسيم المجتمع إلى أكثرية وأقليات بل نرى بأننا جميعا أبناء مجتمع واحد. لكن إذا كنا نتكلم على النظرة الكمية أو العددية فمن الممكن أن نصف البهائيين كأحد الأقليات الدينية في اليمن لكننا لا ننظر لأنفسنا كجماعة دينية منعزلة، بل العكس تماما، لا يوجد للبهائيين مظهر خاص شكلا وملبسا، أو طقوس خاصة تميزهم عن مجتمعهم، ولن تجدهم متكتلين في أحياء أو مدن محددة، بل هم جزء طبيعي جدا من نسيج المجتمع اليمني.
وعن مظاهر تعايش البهائيين يقول نادر “أن التراث الثقافي والتاريخي المشترك لليمن عزز من التعايش بين مختلف الأديان والمذاهب والأفكار وهذا التراث المشترك ساهم في تعزيز الروابط بين المجتمعات الدينية المختلفة الى جانب أن التسامح الديني عبر التاريخ، كان هناك تقبل واسع للأقليات الدينية في اليمن مثل اليهود، والمسيحيين، والبهائيين، والزرادشتيين وغيرهم.
ويضيف “. كانت هذه المجتمعات تعيش بجانب المسلمين في سلام واحترام متبادل كما أن الاحتفالات والمناسبات الدينية المشتركة تجمع بين أفراد من مختلف الطوائف، مما عزز من روح الأخوة والتعايش السلمي وغيرها من المظاهر التي ساهمت من التعايش الديني في اليمن عبر التاريخ .
من جانبه يقول رئيس مؤسسة نداء للتعايش والبناء – والأمين العام للمجلس الوطني للأقليات في اليمن وليد عياش “حين ننظر الى موضوع التعايش في اليمن نجد ان التعايش ينطوي في ذاته كمفهوم على حقيقة التنوع وبالنظر إلى المجتمع اليمني نجد انه يمتلك من التنوع الكبير شأنه شأن المجتمعات الإنسانية التي ارادت لها الإرادة الإلهية ان تكون متنوعة فكرياً وثقافيا ودينياً وجغرافياً واثنياً وعرقياً وحتى لغوياً وبالتالي فان هذه السمة الأساسية للتنوع في المجتمعات الإنسانية ومن ظمنها مجتمعنا اليمني تستوجب وتفرض التعايش والقبول بالآخر والاحترام لكل أشكال التنوع ”
وأضاف وليد عياش “حين يفقد المجتمع عنصر التعايش والاحترام والقبول بالآخر المختلف يحدث العكس تماماً ويفقد المجتمع امنه واستقراره وينهار السلام وينحدر ذلك المجتمع نحو الكراهية والخصام والعداوة والبغضاء والحرب وتتوقف عملية التنمية والبناء والنهوض الحضاري وهذا ما يعيشه مجتمعنا اليمني اليوم ،
ويؤكد عياش ” ان المشكلة ليست في التنوع بكل صوره واشكالة الدينية أو غيرها ، إنما المشكلة هي في وعي عملية التعامل والتعاطي مع ذلك التنوع ، ولدى الإنسان اليمني رصيد وتجربة عظيمة تجاه موضوع التعايش فقيم المجتمع اليمني حاضنة للتنوع وقابلة
للتعايش وليست هناك مشكلة تاريخيّة في موضوع التعايش، ”
ويعيد عياش” أن المشكلة في عدم التعايش المنعكسة في الواقع اليوم سببها هو تيارات التطرف الديني وجماعات الإسلام السياسي بكل صورها وأشكالها ومسميتها ، في محاولتها لتعميم معتقداتها وتصورتها وأيدلوجيتها على المجتمع بأسره بطرق وأساليب تستند الى العنف والقوة ، وتوجهها للوصول الى السلطة ومحاولات السيطرة على السلطة هو ما افقد المجتمع اليمني امنه واستقراره وتعايشه ”
ويرجح عياش” سبب ذلك الى الخلال المنهجي في التعاطي مع الأفكار الدينية وتصور امتلاك الحقيقة المطلقة وفرض ذلك الفهم الديني الذي هو فهم نسبي في حقيقته على المجتمع والدولة ومن هنا بداء الخلل، ومالم يتغير في نفوس وعقول الناس هذا المفهوم فسيضل الخلل يتراكم ويزيد الوضع سوا “.
سابقاً عمل عياش في العديد من الأعمال العسكرية و الناحية القبلية يعد أحد شيوخ مشائخ قبيلة (بني مطر ) اليمنية ولكن تم نفيه خارج اليمن بسبب معتقده الديني .
تقول الهام ” لقد اشتدت الانتهاكات بعد الحرب ، إذ لم نكن نسمع سابقا عن سجن السيدات بسبب دينهن ومعتقدهن، ولكن بعد الحرب تم اعتقال السيدات وأتذكر وهم يرددون على مسامعي: “مكانك جنب زوجك في السجن” .
2016 هي بداية سلسة طويلة من الاعتقالات والانتهاكات بحق البهائيين الى يومنا هذ ، فقد تم اعتقال45 رجل و6 أطفال و20أمراءة ومصادرة مبالغ مالية كما تعرض الكثير من المسيحين في اليمن للانتهاك، ولم تسلم أيضا دور العبادة المسيحية في الاعتداء والتخريب.
عيش وتعايش
يشير وليد عايش أن احد اهم ما يعمل ويناضل من خلاله المجلس الوطني للأقليات لإحداثه وهو السعي الحثيث لإحداث تعديلات دستورية وقانونية تكفل وتضمن حقوق الأقليات ، من خلال تحقيق أربعة مسارات أساسية وهي ( حرية الفكر و المعتقد- مواطنة متساوية – عيش مشترك – دولة قائمة على أسس الحوكمة والشفافية تكون فيها الاقليات مشاركتاً مشاركة فاعلة في بناء السلام والنهوض باليمن )
كما يقول جليل :”رغم كل هذه الصعاب التي تمر بها الكنيسة في اليمن مازالت تصلي لليمن وتعمل على خدمة اليمنين بغض النظر عن دينهم سواء كانوا مسلمين او مسيحين ، بل وتدرب أبناء كنيستها على احترام المسلمين والدين الإسلامي في اليمن” للكنيسة في اليمن إسهامات عديدة في مجال الرعاية الطبية مثل مستشفى جبلة المعمداني، دار راعية المسنين في عدن ، و توفير المساعدات الإنسانية والتعليمية للمتضررين من الحرب.
من جانبها تتحدث احلام المقالح وهي صحفية مستقلة ومدربة في المواطنة وادارة التنوع حرية الدين والمعتقد وخريجة زمالة “صحافة للحوار” عن تجربتها في التعايش”” يمكن وجودي مع اكثر من عشرين شخص، من دول مختلفة واديان وثقافات مختلفة ،خلنا نشعر ان هذة ليست فوارق ، الدين ليس فارق، او الثقافة فارق، بالعكس نحن معانا قواسم مشتركة زي اللغة والمبداء الانساني نفسة”
وأضافت المقالح” من ناحية ثانية بعد خوضي تجارب في تعزيز التعايش الديني بداءت في انشاء نادي للحوار، ودربت عن موضوع المواطنة وادارة التنوع، وبداءت في تاسيس منصة بودكاست كمخرج ، تعزز فكرة التعايش بين الاديان مختلف، ويهدف الى ان نحن نعرض قصص نجاح ملهمة عن اشخاص تعايشوا مع بعضهم البعض وهم من اديان مختلفة”.
على الرغم من التحديات التي تواجه التعايش قالت المقالح ” نحن للامانة نواجع تحديات كثير، منها عدم تقبل فكرة التعايش عند الجماعات المتطرفة، فكرة التعايش عندهم سلبية وليست ايجابية ،وكمان نلاقي تحديات امنية، مستحيل في محافظتي اتكلم عن الطائفة المسيحية ،
وتعيد احلام سبب ذلك ،ان هذة المجال جديد في اليمن ومن يشتغل فية يتم مهاجمته،ومع ذلك ترى أحلام أن وجود مؤسسات خاصة للصحفين والصحفيات الذي يقوموا على صحافة الحوار وصحافة من اجل التعايش، بحيث يكون لهذه الصحافة الاثر الكبير في ابراز الضوء والحلول في موضوع التعايش، مهم جداً.
وتقول: تجمعنا في هذا البلد ثقافات واحد وارض واحدة وبلد واحدة، فالمسؤولية مشتركة، من الاعلام والصحفين ومنظمات المجتمع المدن، فما يحدث للبهائيين او حتى للمسيحين او اي أقليات دينينة لا يمس فقط هذه الطوائف فقط ، بل يمس المجتمع واليمن ككل ،ويعطل فرص تنموية ويحرمنا من النظرة للحياة والعالم بشكل مختلف ، وعلينا كمسلمين ان نقبل الاختلاف ونسعى لتعايش لأن هنالك غيرنا في اليمن