أ.د. محمد علي قحطان
عندما تم إعادة تشكيل حكومة الشرعية وعين د.معين عبدالملك رئيسا للوزراء أعلن بأن مهمة الحكومة ستتركز بدرجة رئيسية على تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنيين وتخفيف معاناتهم من خلال توفير الخدمات العامة التي انهارت مؤسساتها ودمرت الكثير من اصولها وفقدت معظم كادرها البشري بسبب الحرب القائمة حاليا والتي بدأت في مارس، عام 2015. …إلا أن الحكومة فشلت ولم تحقق تقدم يذكر في هذه المهام، الأمر الذي أدى إلى استمرار التدهور الاقتصادي وحدة الفقر واشتداد المعاناة الإنسانية للمواطنيين مع استمرار الحرب . … وبالتالي فقد أدى هذا الفشل والاستمرار في الحرب إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي واستمرار الحكومة القائمة مع بعض ألتعديلات الشكلية والتأكيد على أهمية أن تولي الحكومة اهتمام أكبر بالشان الاقتصادي والإنساني ومع ذلك استمر الفشل في وضع نهاية للحرب مع استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي واشتداد سوء الوضع الإنساني وتراجع كبير في الدعم الإقليمي والدولي للحكومة الشرعية وكذا تراجع الدعم الموجه لقضايا الإغاثة الإنسانية وبالتالي زيادة حجم المعاناة الإنسانية للمواطنين وبداية التواصل بين السعودية و إيران والحوثيين بهدف الخروج من الانسداد في الوضع العسكري والسياسي والذي أخذ بالتطور نحو تهديد مصالح السعودية ودول الخليج ومن ورائهم الحلفاء الأمريكان والبريطانيين وغيرهم وذلك بهدف إخماد النيران التي طالت حقول النفط والممر الدولي (باب المندب ) وكذا موانئ التصدير في ظروف اشتداد المعارك بين روسيا واكرانيا بدعم من دول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبروز تطورات هائلة للأوضاع العالمية نحو تشكيل عالم جديد متعدد ألاقطاب ينهي مرحلة هيمنة الغرب بقيادة أمريكا وبروز دول أخرى أهمها الصين باعتبارها العملاق الاقتصادي الصاعد نحو القمة ومن حولها العديد من دول العالم المتطورة. وعندما لم تنل السعودية الحماية الأمريكية مع انسداد تام للمفاوضات مع الحوثيين ذهبت السعودية نحو التقارب مع إيران بوساطة صينية باعتبار أن إيران راعية للحوثيين وداعمهم الأساسي في استمرار الحرب بالإضافة إلى إرادة صينية في إحلال السلام وتمتعها بصداقة وتعاون صيني – إيراني في ظل ما تواجهه إيران من حصار اقتصادي أمريكي وعزلة دولية. وأدت هذه الجهود لتوقيع اتفاقية المصالحة السعودية الإيرانية الأمر الذي انعكس بتطورات إيجابية في الملف اليمني نتج عنه تحريك ملف الأسرى اليمنيين مع أطراف الصراع والحرب والتوجه نحو مواجهة عدد من القضايا الإنسانية .
وبناء على ما سبق نرى بأنه لضمان نجاح وقف الحرب وإحلال السلام الدائم في اليمن أن يتم العمل بالمعالجات التالية :
اولا : استمرار السعي لوقف القتال بصورة نهائية وتحقيق السلام الدائم وذلك من خلال تجسيد ما تم تسريبه من وجود مبادرة سعودية تم الاتفاق على تنفيذها بقبول كل من طرفي الحرب اليمنية (الحوثيون ومجلس القيادة الرئاسي )، برعاية سعودية تضمنت الآتي :
1-1 ) فتح جميع المعابر الدولية وكذا خطوط النقل الداخلية بين المحافظات بما فيها فك الحصار عن تعز أمام حركة التنقلات التجارية وغيرها.
1-2 ) دفع رواتب جميع موظفي الدولة في جميع المحافظات وبدون استثناء.
1-3 ) تصدير النفط والغاز وتدفق عائداتهما للبنك المركزي اليمني ، مع ضرورة أن يتم معالجة مشكلة انقسام البنك بين صنعاء وعدن وكذا انقسام الجهاز المصرفي وتوحيد سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأخرى.
ثانيا : العمل على استمرار وقف القتال من خلال الهدنة المتوقع إعلانها قريبا وبداية مفاوضات يمنية يمنية لصياغة هيكلية جديدة لبناء الدولة اليمنية مع الأخذ بعين الاعتبار التوافقات المتوصل إليها في مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في عام 2012. وبهذا الخصوص نقترح أن توضع على طاولة الحوار الوطني قضية البناء لسلطة انتقالية تشمل هيئة سياسية مركزية وحكومة تنفيذية. وذلك على النحو الآتي :
أ) هيئة رئاسة تتكون على أساس عدد من ممثلي الشمال والجنوب ( 50 % للشمال و50% للجنوب ).
ب) حكومة تنفيذية مصغرة تتكون من عدد 9 وزارات ورئيس وزراء تتشكل بتمثيل مماثل لهيئة الرئاسة ( 50% للجنوب و50% للشمال ) ، بحيث تشمل الوزارات مايلي :
2-1 ) وزارة الدفاع والأمن وتتكون من قطاعين : الدفاع والأمن.
2-2 ) وزارة الشئون الخارجية : وتتكون من ثلاثة قطاعات : العمل الدبلوماسي، التعاون الدولي وشئون المغتربين.
2-3 ) وزارة الاقتصاد والتنمية : وتتكون من ثمانية قطاعات : التخطيط، الصناعة ، التجارة، الزراعة والري ، الأشغال العامة، الطرق، الكهرباء والطاقة والسياحة .
2-4 ) وزارة الشئون القانونية والدينية : وتتكون من أربعة قطاعات : العدل، الشئون القانونية، حقوق الإنسان والأوقاف والإرشاد.
2-5 ) وزارة المالية والخدمة العامة : وتتكون من ثلاثة قطاعات : المالية، الخدمة المدنية و الإدارة المحلية.
2-6 ) وزارة النقل وتقنية المعلومات والرعاية الاجتماعية : وتتكون من أربعة قطاعات : النقل، الاتصالات والبريد، الشباب والشئون الاجتماعية والعمل.
2-7 ) وزارة النفط والموارد الطبيعية : وتتكون من أربعة قطاعات : النفط والمعادن، الغاز الطبيعي، الأحياء البحرية والموارد المائية.
2-8 ) وزارة التعليم : وتتكون من ثلاثة قطاعات : التعليم الأساسي، التعليم الفني والتدريب المهني، التعليم العالي والبحث العلمي.
2-9 )وزارة الإعلام والثقافة وشئون صحة السكان :وتتكون من أربعة قطاعات : الإعلام الثقافة، صحة السكان ، الصرف الصحي والبيئة العامة.
ثالثا : إعادة بناء السلطة المحلية في المحافظات بحيث تتمتع باستقلال مالي وإداري برئاسة محافظ لكل محافظة من أبنائها يتمتع بسلطة واسعة مستمدة من مجلس الرئاسة وتحت إشراف الحكومة وتنسيق مع وزاراتها المختلفة حسب مجال الاختصاص. ويراعى في شغل وظيفة محافظ المحافظة التأهيل العالي والخبرة والمقدرة والاستقرار الدائم في المحافظة والنزاهة والإخلاص والسمعة الطيبة. مع أهمية الرقابة والمحاسبة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة عند حدوث أي تقصير أو انحراف أو فشل في إدارة شئون المحافظة .
رابعا : إصلاح جهاز السلك الدبلوماسي، بحيث يتم إقفال السفارات التي لا مبرر حقيقي لبقائها وتشكل عبئ على ميزان المدفوعات اليمني . بحيث يتم العمل على أن تحدد سفارة واحدة لمجموعة دول متقاربة مع قنصليات باعداد محدودة من الموظفين كلما دعت الحاجة .
خامسا : إصلاح الجهازين المالي والمصرفي ، وبنفس الوقت تقييم الوضع الاقتصادي وقياس مستوى احتياجاته من الكتلة النقدية ، بحيث يتم تصحيح اختلال التوازن في العرض النقدي وتوحيد سعر الصرف مع ظرورة أن يوضع حد للتدخلات السياسية في إدارة البنك المركزي وفروعه في المحافظات ويحافظ على استقلاليته التامة ويجرم اي تدخل في شئونه المالية والإدارية ويحمل مسئولية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي بعد معالجة كافة الاختلالات التي نتجت أثناء سنوات الحرب
سادسا :يتم صرف رواتب موظفي القطاع العام للدولة في الأشهر السته التي تلي الاتفاق على بداية صرف الرواتب بالدولار الأمريكي أو الريال السعودي مقوما بمتوسط سعر للدولار يساوي 600 ريال يمني للدولار الواحد . وذلك من عوائد تصدير النفط والغاز وبمساعدة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي و يتم توريد كافة إيرادات الدولة من مختلف الأوعية الايرادية لفروع البنك المركزي وتتحمل هذه الفروع بالتنسيق مع مكاتب المالية العامة في المحافظات تنظيم إيرادات ومصروفات المؤسسات الحكومية والهيئات العامة للدولة بالتنسيق مع كل من الفرع الرئيسي للبنك المركزي ووزارة المالية والخدمة العامة.
ختاما نستطيع القول من وجهة نظرنا بأنه في حالة العمل بمضمون هذه الرؤية سيتحسن الوضع الاقتصادي والإنساني وينعكس ذلك بصورة إيجابية على الجوانب السياسية والاجتماعية ويمهد لتطبيع الأوضاع الأمنية والعسكرية وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها باسس مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والتطورات السياسية اللاحقة بصورة سلمية تعزز من التلاحم الوطني والتنمية المستدامة. تعز اواخر أبريل2023