مازن فارس
لا يبدو الثلاثيني “سعيد المحمدي” بصحة جيدة، بعد أن أصيب بتسمم غذائي جراء تناوله فاكهة المانجو، التي بدأت مؤخرًا بالتدفق إلى الأسواق إيذانًا ببدء موسمها الخاص، والذي يبدأ عادة في مارس/آذار، وينتهي أواخر يونيو/ حزيران من كل عام.
يقول: “تناولت المانجو وبعدها تضررت صحتي على الفور، وعندما ذهبت إلى المختبر وأجريت فحوصات أخبرني الطبيب أنني مصاب بتسمم غذائي حاد يرجع إلى أسباب عدة، أبرزها زيادة المبيدات الزراعية والأسمدة المستخدمة لتسريع نمو الفواكه”.
حدثنا المحمدي عن حالته عندما التقاه معدُّ التقرير أثناء خروجه من مختبر طبي وسط مدينة تعز جنوبي غرب اليمن.
وتصنف منظمة الصحة العالمية مبيدات الآفات بأنها سبب رئيس للوفاة بسبب التسمم الذاتي، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وتشير إلى أن “هناك أكثر من 1000 نوع من مبيدات الآفات يُجرى استخدامها في جميع أنحاء العالم لضمان عدم تضرر المحاصيل الغذائية أو تلفها بسبب الآفات”.
تتمثل المخاطر الصحية للمبيدات الزراعية التي تحتوي غالبيتها على “مركبات سامة أنها سببًا في إصابة الإنسان بأمراض خطيرة مثل السرطانات والتسمم الغذائي وتليف الكبد الذي قد يؤدي إلى الفشل الكلوي فضلًا عن تسببها في حدوث تشوهات في الأجنة بشكل كبير لدى النساء اللواتي يتعاطين نبتة القات التي تستهلك كمية كبيرة من المبيدات”، وفقًا للطبيبة ابتسام قائد أخصائية أمراض باطنية.
ويوجد في اليمن 350 ألف مريضًا بالسرطان ونحو 10 آلاف مريضًا بالفشل الكلوي.
وتقول قائد إن “تلك المبيدات تنتقل إلى جسم الانسان عن طريق الغذاء وهذا الأمر شائع أو عن طريق الجهاز التنفسي”.
الحرب خلقت وضعاً جديداً
خلال سنوات الحرب الثمان في اليمن، انتشرت في الأسواق عشرات الأصناف من المبيدات الزراعية المهربة والمحظور استخدامها، ما بات يشكل خطرًا على البيئة وعلى صحة الإنسان، لا سيما في ظل ضعف الرقابة على استيرادها وضعف التوعية بطرق الاستخدام.
ويعتمد المزارعون على المبيدات والأسمدة لتسريع عملية نضوج منتجاتهم وحمايتها من الحشرات التي تهدد نمو المحصول، بيد أن البعض يجهلون “طريقة الاستخدام والكميات المستخدمة في الرش، وهذا يضر أحياناً بالمحصول وبصحة الناس”، بحسب مدير محل تجاري لتقديم الخدمات الزراعية في تعز نجيب محفوظ.
ويوضح محفوظ أن “المبيدات المرخصة تمر عبر ميناء عدن بفحص من قوات التحالف عن طريق الأردن، وهناك فحص عن طريق وزارة الصناعة في صنعاء”.
هناك أصناف من المبيدات “مصرح بها ولكنها ممنوعة لأنها لم تخضع للفحص، فيما هناك أنواع أخرى مهربة لكونها محظورة الاستخدام في بلادنا، لأن فترة أمانها قصيرة أقصاها 15 يومًا” كما يقول، مشيرًا إلى أن بعض المبيدات المهربة تأتي موادها الخام غير متطابقة للمواصفات المذكورة في النشرة الإرشادية للعبوة”.
مبيدات محظورة في الأسواق
ويحظر القانون اليمني الخاص بتنظيم تداول مبيدات الآفات النباتية، استيراد أي نوع من أنواع المبيدات إلا عن طريق الاستيراد مباشرة من الشركات المنتجة والمصنعة، بالإضافة إلى منع تعديل أو تبديل في تركيبات المبيدات.
ويفرض القانون غرامات مالية وعقوبات بالسجن، تصل إلى خمس سنوات لكل من يخالف إجراءات تسجيل المبيدات وطرق استيرادها وتداولها.
ولا توجد إحصاءات حديثة بأصناف المبيدات المنتشرة في اليمن. لكن تصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة الصناعة بصنعاء ذكرت أن هناك 332 نوعًا من السموم المحظورة، وهناك 760 نوعًا مصرحاً بها، وهناك 208 أنواع يقيد استخدامها ويشترط أن يكون تحت إشراف فني ومهندس زراعي.
ورصد معد التقرير في أسواق متعددة بمحافظة تعز، مبيدات ممنوعة ومقيدة بشدة تداولها. وهذه الأصناف هي “كلوروبيروفوس وسوبر أجرنيت، ميثوميل”.
(صورة لثلاثة مبيدات ممنوعة رصدها معد التقرير).
مداخل تهريبها متعددة
وتمر المبيدات غير المرخص بها إلى داخل اليمن عبر منافذ رسمية وأخرى غير رسمية، وهي ميناء المخا (غرب تعز)، ورأس العارة بمحافظة لحج، ومنفذ شحن الحدودي بين اليمن وسلطنة عُمان، بحسب مصدر في وزارة الزراعة وآخر في هيئة مصلحة الجمارك.
وقال المصدران – فضَّلا عدم الكشف عن هويتهما- إن “في الغالب يتم تهريبها عبر طرق وعرة غير رسمية بعد تجاوز مسألة نقلها عبر سواحل البلاد، وهناك أيضاً طرق رسمية يتم التهريب من خلالها عبر دفع رشاوى”.
وتخضع المنافذ الرئيسة للبلاد تحت سيطرة طرفي الصراع الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، وبين فترة وأخرى يتبادل الطرفان الاتهامات بشأن تهريب الممنوعات من سموم ومبيدات وحشيش ومخدرات إلى البلاد.
دور رقابي تضعفه الحرب
وبشأن دور الجهات الرسمية تجاه المبيدات المحظورة، يقول المهندس عبدالسلام ناجي مدير مكتب الزراعة والراي في تعز، إن “وزارة الزراعة لديها قائمة مأخوذة من منظمة الصحة العالمية والفاو ومنظمة جمعية حماية البيئة الأمريكية تتضمن المبيدات المسموح تداولها في اليمن”.
ويوضح أن هذه القائمة تحتوي على “89 مادة فعالة فقط وبموجبها يتم التصريح باستيرادها”، مشيرًا إلى أن “مسألة تهريب المبيدات الممنوعة مشكلة تخص خفر السواحل وحرس الحدود، وأن مسؤولية وزارة الزراعة تتمثل في متابعة هذه المبيدات في السوق”. ومنذ اندلاع الحرب قلَّ نشاط وزارة الزراعة في “تنظيم حملات رقابة وتفتيش مفاجئة على محلات بيع المبيدات والأسمدة”، بحسب ناجي الذي يرجع السبب إلى “عدم تواجد موازنة، لكن قريباً سيتم استئناف هذه الخطوة”، حد تعبيره.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن