الأدوية المهربة تملأ الأسواق اليمنية في ظل قصور قانوني ورقابي

نواف الحميري

خلال سنوات الحرب، تنامت مشكلة تهريب الأدوية بشكل مخيف وسريع، في ظل انهيار الدولة وغياب دورها الرقابي، وقصور القوانين والتشريعات المنظمة للعملية الطبية والصحية، التي تكتفي بتجريم الظاهرة دون أن تضع عقوبات رادعة لمرتكبيها، والاكتفاء بمصادرة الأدوية المهربة التي يتم ضبطها، كما تشير الوثائق الصحية.

وترى منظمة الصحة العالمية أن الدول الواقعة في مناطق النزاعات والأزمات تعاني بصورة أكبر من النُّظم الصحية المهترئة، مما يجعلها تتحمل أعباء سموم الصناعات الدوائية أكثر من غيرها من الدول، وأن واحداً من كل عشرة عقاقير تباع في الدول النامية ومنها اليمن، يكون مزيفا أو لا يتمتع بمواصفات جيدة، وهو ما يؤدي إلى وفاة عشرات الآلاف، منهم العديد من الأطفال.

وهذا ما يتفق مع تصريحات المسؤولين المحليين في اليمن، إذ يقول مدير الهيئة العليا للأدوية في تعز “محمد الصوفي” لمنصة “عوافي”: “معظم الأدوية تهرب وتقلد وتزور، بما فيها المسكنات، إذ أن التهريب أصبح تجارة لها أدواتها وطرقها، وهناك من يحمي التهريب ويساعد على انتشاره مقابل عائدات يتلقونها من قبل المهربين، دون إدراك المخاطر التي تنجم عن هذه الأدوية”.

ويقدِّر عضو نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين في محافظة تعز” فهد طاهر”، نسبة الأدوية المهربة في السوق قبل الحرب بـ 20%، أما بعد الحرب فتصل إلى60%.

وكان وزير الصحة في حكومة جماعة “أنصار الله” الحوثيين، قد اعترف خلال الفترة الماضية، بوجود ما يقارب 20 ألف صنف من الأدوية المهربة والمزورة غير المسجلة من قبل الهيئة العليا للأدوية.

مخاطرها تصل حد الوفاة

تصنف الأدوية المهربة أو مجهولة المصدر سلاحاً فتاكاً وعدواً حقيقياً يفتك بحياة المواطنين عند تعاطيها، ولها آثار خطيرة على صحة المرضى الذين يتناولونها، بحسب الطبيب “مطهر الرميمة” أخصائي علم الأدوية، في حديثه لمنصة “عوافي”.

ويضيف “الرميمة” أن الأدوية المهربة لا تحتوي على المادة الفعالة، بالإضافة إلى أنها غير مضمونة الصلاحية المكتوبة عليها.

ويشير إلى أن ظروف التخزين والنقل الخاطئة تؤدي إلى تلف هذه الأدوية وتفاعل المواد الكيميائية، نتيجة تعرضها لعوامل التجوية، حيث لا تتم مراعاة حساسية المواد بأنواعها المختلفة، فتلحق ضرراً بصحة المرضى.

ويتابع “الرميمة” حديثه قائلاً: “إن هناك أمراضاً تحتاج إلى عناية خاصة مثل الذبحة القلبية والسرطان والكبد والفشل الكلوي، وعند التداوي بأدوية لا تحتوي على كميات صحيحة من المواد الطبية الفعالة يؤدي إلى فشل المعالجة وتفاقم الحالة الصحية لدى المرضى مما قد يؤدي إلى وفاة المريض”.

ويحذر الرميمة من مخاطر تناول المضادات الحيوية المزورة، كونها تحتوي على تراكيز أقل من التراكيز العلاجية المفروضة، أو تحتوي على سمّية أو شوائب تؤدي غالباً إلى الفشل الكلوي وأمراض الجهاز المناعي والجهاز الهضمي والسرطان، وقد تؤدي إلى الوفاة.

من جانبه يتفق الدكتور “محمد مهيوب الوافي” نائب رئيس نقابة الأطباء والصيادلة في اليمن مع كلام “الرميمة” خلال حديثه مع منصة “عوافي”، ويضيف أن تهريب الأدوية يحتم وجود خلل في طرق النقل والتخزين للأدوية حتى وإن كانت أصلية، مما يعرض متناوليها لخطر صحي كبير.

دور رقابي قاصر

أكد مدير الرقابة والتفتيش في مكتب الصحة بمحافظة تعز “جلال القدسي” في تصريح لمنصة “عوافي” أن وزارة الصحة اليمنية تتغاضى عن دخول بعض الأدوية النادرة أو باهظة الثمن إلى السوق عن طريق التهريب، لمصلحة المرضى أنفسهم، كونهم غير قادرين على شراء الأدوية المستوردة.

وأضاف أن دورها يقتصر في هذه الحالة على إجراء الفحوصات لهذه الأدوية، وخاصة الأدوية التي لا تتواجد منها أصناف مستوردة وإنما مهربة فقط مثل (البامين، والإنسولين، وأنتيب، النيورال وكومفلكس).

ويلفت “القدسي” النظر إلى أن الأدوية التي يجب ضبطها هي الأدوية المزورة أو المقلدة، لأنها أكثر خطورة من الأدوية المهربة، كونها تحتوي على مواد سامة، وهي أقل في جودتها.

ويكشف أن هناك معامل لإنتاج الادوية المقلدة في اليمن، أحدها في ذمار والآخر في مدينة لحج، ومعمل ثالث في محافظة حضرموت، وجميعها تستورد المواد الخام إما من الهند أو مصر، وتقوم بتزوير الأدوية على حد قوله.

ويضيف: “قمنا بإلقاء القبض على كمية من الأدوية منتهية الصلاحية، وتم تزوير تاريخ انتهائها من قبل الوكيل الخاص بها، حيث قام بتمديد تاريخ الانتهاء، وتمت إحالة المزورين إلى القضاء.

لكن “القدسي” يقر بضعف الإجراءات المتخذة لمنع دخول الأدوية المزورة، ويرجع ذلك إلى غياب التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية في اليمن، رغم أن الأجهزة الأمنية تضبط بعض الأدوية المهربة وتتلفها.

ففي 12 يناير 2021م تمكنت وحدة مكافحة التهريب التابعة لفرع قوات النجدة في محافظة تعز من ضبط ألفين و130 شريط أدوية مهربة.

تلاه في 13 نوفمبر 2021م قيام الاجهزة الأمنية في محافظة تعز بإلقاء القبض على شحنة من الأدوية والمعدات الطبية المهربة، منها 25 ألفاً و414 باكتاً من المهدئات، و4 آلاف و235 أمبولة وفيالة، و208 شريط أصناف مختلفة من الأدوية المهربة، إلى جانب ضبط 140 باكتاً من العقاقير الجنسية الممنوعة، بالإضافة إلى ضبط جهاز طبي مهرب.

وفي شهر نوفمبر من العام الماضي قامت بضبط 7 آلاف و500 عبوة نوع FB-CEF.

وفي محافظة المهرة (شرق اليمن) قبضت الأجهزة الأمنية في مدينة الغيضة، مركز المحافظة، على شحنة من الأدوية المهربة ومنتهية الصلاحية، وكانت عبارة عن ثلاثة كراتين تحتوي على 290 باكتاً من عقاقير عشبة الجينسنج، و20 باكتاً من المنشطات الجنسية، و480 كرتون عقاقير خاصة بالتنحيف، وذلك أثناء الترويج لها وبيعها داخل المدينة.

وفي أغسطس 2019م، ضبطت نقطة أمنية في محافظة صنعاء، أكثر من طن من الأدوية المهربة والمزورة، وكانت قد تعرضت لتخزين سيء خلال عملية نقلها إلى المحافظة.

قصور قانوني فاقم المشكلة

يضاف إلى قصور إجراءات الرقابة على الأدوية المهربة، قصور في التشريعات القانونية المتعلقة بالأمن الصحي والدوائي، مما تسبب في تفشي مشكلة التهريب، بحسب “محمد عبدالله” أخصائي في الأمن الدوائي في اليمن في تصريحه لمنصة “عوافي”.

ويرى “أن العقوبات القانونية على المهربين ومزوري الأدوية ليست بمستوى الجريمة، ناهيك أن اعتماد الاستراتيجية الوطنية في ما يتعلق بتأمين الدواء لا تختلف عن استراتيجية تأمين الغذاء وتقنية المعلومات”.

ويختتم “عبدالله” بتوضيحه أن ربط مهمة الرقابة على الأدوية بعدة وزارات، منها وزارة الصناعة ووزارة الصحة ووزارة الإدارة المحلية والمجالس المحلية قد شتت جهود الرقابة وحد من فاعليتها وسمح بوجود ثغرات قانونية استطاع من خلالها المخالفون النفاذ.

أصناف الأدوية المهربة المتواجدة في السوق اليمنية.

المصدر: نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين فرع تعز.

(أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز، ضمن مشروع منبع الثقة Rooted In Trust في اليمن).