أ.د. محمد علي قحطان
انطلاقا من العلاقات التاريخية العريقة في المجال التجاري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بين اليمن والصين والى ما تحققه الدولة الصينية في الريادة العالمية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكاد أن تحتل مركز الصدارة لدول العالم المعاصر ومن المتوقع أن تلعب ادوارا هامة في صنع التحولات الدولية التي يشهدها العالم حاليا. كما أنها تعمل على أن يسود السلام الدائم في منطقتنا العربية وغيرها من دول العالم وتعمل أيضا على ان يحل التعاون والشراكة بين شعوب العالم بدلا من الصراع والتناحر والحروب التي أدت ولا تزال إلى تدمير الكثير من مقدرات شعوب العالم وتؤدي إلى ما تعيشه الكثير من دول العالم من الفقر والتخلف والتدهور المستمر لحياة شعوب تلك الدول تأتي أهمية أن تكون اليمن إحدى الدول التي تسعى إلى تحقيق تعاون وشراكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الصين، وفي هذا الإطار نرى ما يلي :
اولا : إن التعاون الصيني اليمني قائم منذ ما قبل ثورة سبتمبر 1962 في اليمن .ويبرز هذا التعاون الخلاق في مشروعات عدة قدمتها الصين لليمن . ويمكننا تحديد أهمها بما يلي :
1- 1 ) مستشفى الصداقة بعدن ( مستشفى 48 ) .
2- 1 ) مستشفى الثورة بتعز.
3-1 ) جسر الصداقة اليمنية الصينية بصنعاء.
4- 1 ) طريق صنعاء – الحديدة.
5 -1 ) مصنع الغزل والنسيج بصنعاء.
6 -1 ) مصنع الغزل والنسيج والصباغة بعدن.
7 -1 ) المكتبة الوطنية بصنعاء .
8- 1 ) المدرسة الفنية بصنعاء.
9- 1 ) المدرسة الفنية بتعز.
10- 1) المعهد المهني في منطقة بني الحارث، محافظة صنعاء.
11- 1 ) مقبرة الشهداء الصينيين بصنعاء ، التي تجسد تضحيات الصين لأجل الصداقة والتعاون منقطع النظير بين الشعبين اليمني والصيني.
12 -1 ) التأهيل والتدريب.
تلك المشروعات وغيرها شاهدة على عمق العلاقات الثنائية منذ فجر بناء الدولة العصرية لليمن . ومن الأهمية بمكان أن يتم إحياء هذا التراث العظيم الذي يثبت مدى صدقية ونزاهة العلاقات الصينية مع اليمن قبل أن تصل الصين إلى ما وصلت إليه من التطور الاقتصادي. وفي الوقت الحاضر تشهد الصين تطورا هائلا في جوانب التنمية الاقتصادية ليس على مستوى الصين بل وعلى مستوى المعمورة وبنفس الوقت تحتل اليمن موقعا استراتيجيا هاما ويمكنها أن تكون أحد المراكز الهامة لبلوغ الصين إلى مآ تسعى إليه من نفوذ اقتصادي عالمي من خلال مشروعها الدولي العملاق ((الحزام وطريق الحرير )) .
ثانيا : هناك تبادل تجاري قائم بين اليمن والصين وتحتل الصين مركز الصدارة بالنسبة لليمن في هذا الجانب. حيث أن المعطيات الإحصائية تشير إلى أن معظم صادرات اليمن النفطية تذهب لمجموعة الدول الاسوية .إذ تشكل نسبة تصل لنحو 75 %من إجمالي الصادرات اليمنية. ومنها نسبة تقدر بنحو 34 % صادرات اليمن للصين. أي أن أكثر من ثلث الصادرات النفطية اليمنية تذهب للصين.
بينما تشكل الواردات السلعية من الصين لليمن نسبة تقدر بنحو 12.2 % من إجمالي الواردات السلعية لليمن. وتشكل هذه النسبة أعلى نسبة في التركيب السلعي للواردات اليمنية بعد دولة الإمارات .
مع ملاحظة أن هذه النسبة لا تعكس الحجم الحقيقي للمنتجات الصينية المنتشرة في الاسواق اليمنية .ويعود ذلك إلى أن هناك كميات كبيرة من المنتجات الصينية في الأسواق اليمنية لا تورد بصورة مباشرة من الصين لليمن وإنما تمر عبر أسواق أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول المجاورة لليمن وهي عبارة عن منتجات صينية يعاد تصديرها لليمن من تلك البلدان المشار إليها وقد تكون سلع جديدة أو مستخدمة. الأمر الذي يستدعي دراسة هذه الظاهرة والعمل على أن تكون جميع السلع الصينية مستوردة مباشرة من الصين. ونعتقد بأن ذلك سيكون له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد اليمني والعلاقات اليمنية الصينية .حيث من المتوقع أن ذلك سيؤدي إلى رفع نسبة الواردات من الصين لليمن بصورة كبيرة ومن شأن ذلك أن يعكس الحجم الحقيقي للتبادل التجاري بين البلدين ( الصين واليمن ) . ويمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاقيات تبادل تجاري ثنائي بين البلدين.
ثالثا : تشير معطيات مصادر رسمية لليمن بأنه في عام 2013 تمت زيارة رسمية للرئيس اليمني للصين تم خلالها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاستثماري بين البلدين شملت مجالات عدة أهمها مايلي :
1- 3 ) توسيع وتعميق محطة الحاويات بميناء عدن بتكلفة استثمارية إجمالية قدرت بمبلغ 507 مليون دولار أمريكي،
2- 3) الأعلان عن توقيع العديد من الاتفاقيات شملت مجالات عدة في إطار البنية التحتية للاقتصاد اليمني، منها :
1-2 -3 ) توليد الطاقة الكهربائية.
2- 2- 3 ) تطوير المطارات اليمنية.
3- 2- 3 ) التنقيب على النفط والغاز.
4- 2 -3 ) انشاء الجسور والطرقات.
5- 2 – 3 ) تطوير القطاع الصحي.
والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقيات تؤكد بأن هناك توجه سياسي للنخبة السياسية اليمنية بالسير قدما باتجاه تعميق علاقات التعاون والشراكة بين اليمن والصين . وبالتالي فإن الإهتمام بإحياء التوجه السياسي والاقتصادي المشترك بين اليمن والصين سيجد ترحيبا واسعا، الأمر الذي من شأنه إنجاح اي اهتمام من السلطة الشرعية وقطاع الأعمال اليمني والبناء عليه نحو مستقبل زاهر لعلاقات التعاون والشراكة الاستثمارية والاقتصادية بين البلدين .
رابعا : هناك فرص استثمارية هامة. ..من الظروري أن تعطى قدر كبير من اهتمام البلدين باعتبارها مشروعات استراتيجية من شأنها خلق آفاق تطور هائل للعلاقة بين البلدين وتحقق أجندات تنموية هائلة لاقتصاد البلدين وتساعد الصين على التسريع بتوسيع نفوذها الاقتصادي المتميز على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وبقية الدول العربية المطلة على مياه البحر الأحمر والبحر العربي بامتداداتها الواسعة للقارات الثلاث الكبرى : آسيا، أفريقية وأوروبا . وبنفس الوقت تشكل فرص استثمارية مهمة للغاية لليمن وبامكانها أن تخرجها من الدوران في حلقة الفقر والتخلف إلى دولة متطورة اقتصاديا، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر إيجابا على مختلغف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وأهم هذه المشروعات : مشروع الجسر البحري الذي من شأنه خلق شبكة واسعة للتبادل التجاري بين قارتي أسيا وأفريقيا وصولا لأوروبا .وهو جسر باب المندب – جيبوتي عبر جزيرة ميون المطلة على الممر البحري الدولي الهام ( باب المندب ) . حيث يشمل المشروع مدينة صناعية حرة في أراض واسعة في طرف الجسر من جهة اليمن، من شأنها أن تكون مركزا صناعيا هاما لتوطين الاستثمارات الصينية الكبيرة في هذه المنطقة التي تتمتع بموقع جيو استراتيجي بالغ الأهمية في حالة تنفيذه بتعاون يمني صيني.
خامسا : هناك أيضا فرص هامة تتميز بوجود مقومات للاستثمار في مجالات عدة ، كالقوى العاملة والخامات المحلية . ستوفر فرص هامة للإستثمار . ويمكن عرض أهم هذه الفرص بما يلي :
1- 5 ) الفرص الاستثمارية المتاحة في مجال التعليم الفني. حيث أن الصين تمتلك تجربة ثرية في هذا المجال وقد أثبتت التجربة مدى فاعلية الجانب الصيني في بناء مثل هذه المشروعات في اليمن وتحقيقها عوائد هامة في مجال التأهيل للعنصر البشري . حيث كانت اليمن فقيرة للغاية في مجال التأهيل الفني وبفعل التعاون الصيني مع اليمن حققت تقدما هائلا في هذا المجال وما يزال الوضع متاحا لتنفيذ الكثير من هذه المشروعات بتعاون بين البلدين. حيث أن اليمن دولة فتية يتجاوز حجم صغار السن والمنخرطين في صفوف التعليم الأساسي ( 30 سنة فأقل) نسبة 75 % من إجمالي السكان ، كما تشير البيانات الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء في اليمن. وبالإضافة لذلك تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي، المجاورة لليمن دول صاعدة في مجال التنمية وتفتقر للكادر البشري ويمكن العمل على تعاون مشترك بين البلدين ( الصين واليمن ) ودول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة حاجة الاسواق اليمنية وكذا أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. … ومن شأن ذلك التمهيد لخلق فرص تعاون وشراكة بين الأطراف الثلاثة (الصين، اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي ).
2 – 5 ) فرص للاستثمار في مجال النقل البحري. حيث تتميز اليمن بموقع جيو استراتيجي هام للغاية ولديها موانئ دولية هامة كمينا عدن وميناء الحديدة وموانئ أخرى عديدة ولكنها بحاجة إلى توسيع وتطوير بنيتها ألتحتية وهناك موانئ أخرى عديدة على الشريط الساحلي للبحر الأحمر مثل ميناء المخا وغيره وكذا على شواطئ خليج عدن والبحر العربي الممتد للمحيطين الهادي والهندي. ولذلك فإن دخول الصين بتعاون وشراكة مع اليمن للاستثمار في هذا المجال سيوفر مكاسب كبيرة للغاية لكلا البلدين.
3 – 5 ) فرص للاستثمار في مجال الزراعة والثروة الحيوانية وكذا الأحياء البحرية. إلا أن اليمن تفتقر للبنية التحتية لاستغلال ما هو متاح من هذه الثروة وبالأخص الحواجز والسداد المائية بالنسبة للزراعة والثروة الحيوانية. وبالنسبة للثروة السمكية يوجد الكثير من مناطق الإنزال السمكي منتشرة على امتداد الشريط الساحلي لليمن من الغرب على الحدود اليمنية السعودية وحتى أقصى الشرق على الحدود اليمنية العمانية وكذا تمتلك حقول بحرية غنية بأنواع كثيرة من الاسماك والأحياء البحرية النادرة . إلا أن البنية التحتية لاستغلال هذه المقومات الطبيعية كفرص استثمارية متاحة بدائية ومتخلفة للغاية . إذ يتم استغلال الأراضي الزراعية وتربية الحيوانات والاصطياد البحري بطرق تقليدية وبدائية. وفي حالة دخول الصين بتعاون وشراكة في استغلال هذه الثروات ستحققا عوائد استثمارية هائلة ومتجددة لا تنضب .وهذا مايميز هذه الثروات عن الثروة الطبيعية من النفط والغاز . وذلك من خلال تهيئة البنية التحتية المشار إليها سابقا وجذب الكثير من الاستثمارات الخاصة الصينية واليمنية والخليجية وغيرها من الاستثمارات الدولية.
سادسا : هناك 38 فرصة استثمارية متاحة للإستثمار آت الدولية تم إعداد دراسات الجدوى لها ومعرفة جدواها الاقتصادية من قبل الهيئة العامة للاستثمار في اليمن وهناك مجالات واعدة جدا لشراكة استثمارية بين القطاع الخاص اليمني ونظيره الصيني . وكل تلك الفرص لم تستغل نظرا لعدم الاستقرار السياسي في اليمن. وفي حالة توفر رعاية من دولتي اليمن والصين من خلال تعاون الغرف التجارية والصناعية اليمنية والصينية من الممكن خلق شراكات فاعلة بين الشركات الصينية ورجال الأعمال اليمنيين والخليجيين أيضا للاستثمار في هذه المشروعات. الأمر الذي من شأنه تقوية العلاقات الصينية اليمنية والخليجية على مستوى القطاع الخاصة في هذه الدول . وبالتالي تقوية علاقات التبادل التجاري بين الصين ودول المنطقة بصورة واسعة .
سابعا : بالاستناد الى ماتم عرضه نوصي بالعمل على تنفيذ جملة من الاجراءت ويمكن ايجازها بالآتي :
1-7 ) تطوير العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، من خلال ما يلي
1-1-7) إعادة هيكلة السفارة اليمنية بالصين وبما يؤدي إلى رفع كفاءتها للقيام بمهام السفارة على النحو الذي يحقق تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين .
2-1-7 ) العمل على إنشاء مراكز ثقافية ومعاهد لتعليم اللغة الصينية في المدن اليمنية وبالأخص ، محافظات : عدن، تعز، حضرموت ….وغيرها وبرعاية حكومتي البلدين.
3-1-7 ) العمل على خلق تعاون فعال بين الجامعات اليمنية ونظيراتها الصينية وفي مختلف المجالات التعليمية والبحثية.
4-1-7 ) التسريع بإنشاء معاهد فنية في المحافظات ذات الكثافة السكانية والطلابية وبنفس الوقت إعادة تأهيل المعاهد الفنية والمؤسسات التعليمية والثقافية التي أنشأتها الصين وبتعاون حكومتي البلدين وحكومات مجلس التعاون الخليجي.
5-1-7 ) تشكيل لجنة مشتركة من الغرف التجارية والصناعية اليمنية والصينية تعمل على التنسيق بين هذه المنشآت لخلق تعاون وشراكة بين القطاع الخاص في البلدين وبرعاية حكومتيها.
6-1-7 ) انشاء مركز علمي متخصص في البحوث ودراسات الجوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية يقوم بإعداد قوائم بفرص الاستثمار المتاحة في اليمن وإعداد دراسات الجدوى لهذه الفرص وتقديمها للمستثمرين الصينيين واليمنيين وكذا المستثمرين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي مع أهمية الرعاية لهذا المجال من حكومتي البلدين والعمل على أن يكون الاستثمار برأسمال مشترك يمني واجنبي وبالأخص صيني .
2-7 ) إعداد قائمة بمشروعات البنية التحتية التي يحتاجها الاقتصاد اليمني وإعداد دراسات جدوى فنية لها تبين إجمالي التكلفة الاستثمارية لهذه المشروعات كل على حدة والعمل على توقيع اتفاقيات تعاون وشراكة بين البلدين تستهدف تنفيذ هذه المشروعات بأسرع وقت ممكن.
3-7 ) إعادة بناء الهيئة العامة للاستثمار باليمن وتاهيلها بكل ما من شأنه تقديم الخدمات الحكومية اللازمة للمستثمرين بأقل جهد وتكلفة وزمن. ويكون من بين مهامها العاجلة مايلي :
1-3-7 ) العمل على تحديث قائمة فرص الاستثمار المتاحة بالتنسيق مع مركز البحوث ودراسات الجدوى الاقتصادية وإعداد دراسات الجدوى لهذه المشروعات وتحديثها بصورة مستمرة.
2-3-7 ) تنظيم مؤتمرات دولية سنوية للترويج لفرص الاستثمار المتاحة وبالتنسيق مع الغرف التجارية والصناعية في كلا البلدين.
نتمنى أن تجد هذه الرؤية قدر من اهتمام مجلس القيادة الرئاسي وحكومته وكذا النخب السياسية اليمنية باطيافها وتوجهاتها المختلفة لما لها من أهمية بالغة للنهوض التنموي السريع لليمن .