سميرة عبداللطيف
على الرغم من جماهيرية فن التمثيل، ووظائفه الترفيهية، والفنية، والثقافية، وقدرته على التأثير في الجمهور على اختلاف خلفياتهم، وثقافاتهم، إلى جانب كونه وسيلة فعالة في الاستقطاب، ونشر الأفكار، وتكوين رأي عام، يظل وجود المرأة اليمنية محدودًا جدًا فيه؛ لارتهانه بثقافة العيب التي تصنفها عادات وتقاليد المجتمع.
تتساءل رندا الحمادي، وهي شابة عشرينية من أبناء محافظة تعز: “لماذا يقبل الأهل والمجتمع دخول الرجل في مجال التمثيل؟! ويرفضون وجود المرأة فيه؟!”.
أقل تأثيرًا
يعد التمثيل مجالًا فعالًا في توعية المجتمع، وكان لإشراك المرأة في هذا الحقل أهمية زادت من مصداقية ما يُقدم عبر شاشة التلفزيون، بعد أن كان الرجل من يقوم بدور المرأة في أعمال فنية سابقة، مثل شخصية “زنبقة” في المسلسل الشهير “همي همك“.
تقول رندا: “المرأة شريك للرجل في مختلف مجالات الحياة، وعليها أن تقوم بدورها في هذا المجال بدلًا من إعطائه لرجل يلبس ملابس النساء؛ ليحاكي شخصيتهنّ”.
تقول ابتسام علي، 28 عامًا: “عندما كنت صغيرة، وارتكب خطأ ما، كانت والدتي توبخني، وتقول لي: هذا “عيب”؛ فأصبحت أخاف العيب في كل أمور حياتي، وعندما كبرت، وأدركت موهبتي في التمثيل، لم استطع ممارسته؛ خوفاً من العيب، وكلام الناس”.
يؤكد المخرج والممثل المسرحي أحمد جبارة أن المرأة تلعب دورًا أساسيًا في فن التمثيل، “حين يقوم الرجل بتمثيل دور المرأة على التلفزيون، أو المسرح، تصبح الصورة اقل تأثيرًا؛ فالتمثيل محاكاة للواقع، كما قال أرسطو في كتابه فن الشعر، والتمثيلية تعبير عن الحياة، فهل يعقل أن الحياة من حق الرجل فقط؟! والمرأة ليس لها وجود؟!”.
غير لائقة
“ليش تسمحوا لبنتكم تمثل؟! عيب تخليِ خطيبتك تعمل كذه..”، تقول رندا ناقلة بعض ردود الفعل التي تلاحقها.
وتضيف: “عندما التحقت بقسم الإعلام، وبدأت تقديم أدوار مسرحية إلى جانب زوجي (خطيبي آنذاك) الذي كان سببًا في إيصال موهبتي إلى الجمهور، إلى جانب مساندة عائلتي، ومواجهتها معي الكثير من الانتقادات السلبية، علمت أن طريق التمثيل ليس مفروشًا بالورد”.
تقول ابتسام علي، 28 عامًا: “عندما كنت صغيرة، وارتكب خطأً ما، كانت والدتي توبخني، وتقول لي: هذا “عيب”؛ فأصبحت أخاف العيب في كل أمور حياتي، وعندما كبرت، وأدركت موهبتي في التمثيل، لم استطع الالتحاق به؛ خوفاً من العيب، وكلام الناس”.
لم تستطع ابتسام مواجهة نظرة المجتمع رغم موهبتها، فالتوصيفات التي كان يقولها البعض حين تخبرهم برغبتها في التمثيل “غير لائقة”، حسب قولها؛ ما أشعرها بالإحباط، وأبعدها عن الفكرة.
يقول جبارة: “يُنظر، أيضًا، للرجل الفنان باستهزاء للأسف، وأن العمل بوزارة الثقافة للناقصين، فكيف إذا ما اقتحمت المرأة هذا المجال الحيوي؟!”.
ثمنًا باهضًا
ردود الفعل لا تتوقف عند الكلمات، بل قد تشكل خطرًا على الحياة.
في تقرير لموقع “اليمن السعيد“، ورد التالي: “تقول الممثلة اليمنية الصاعدة (هـ.أ) التي تعشق التمثيل، إن هناك الكثير من العوائق التي واجهتها؛ بسبب ثقافة وموروث المجتمع الذي يرفض الخروج من الدائرة المغلقة التي يعيشها، وأكد مصدر مقرب أنها دفعت ثمنًا باهظًا كادت معه أن تفقد حياتها، بعد أن أطلق شقيقها عليها عيارً ناريًا أدى إلى إصابتها”.
يُعرف “العيب” بأنه تصرف غير لائق، وقد يعاقِب المجتمع مرتكبيه بدرجات متفاوتة، حسب نوع الفعل، وتتدرج العقوبة من نظرة الازدراء إلى القتل، بحسب المفاهيم الاجتماعية السائدة.
سطوة العيب
ويشير الباحث الاجتماعي عيبان السامعي إلى أن “ثقافة العيب تُعد الهاجس الأكبر لدى معظم الأسر اليمنية، وتُعتبر الفتاة الضحية الأكبر والأولى لثقافة العيب في مجتمعنا الذي ما يزال يعيش في جلباب العادات والخجل الاجتماعي، خاصة بالنظر إلى بعض الأمور، كالعمل في مجال التمثيل”.
يُعرَف “العيب” بأنه تصرف غير لائق، وقد يعاقِب المجتمع مرتكبيه بدرجات متفاوتة، حسب نوع الفعل، وتتدرج العقوبة من نظرة الازدراء إلى القتل، بحسب المفاهيم الاجتماعية السائدة.
يضيف السامعي: “العيب الاجتماعي يُمارس سلطة معنوية قاهرة وضاغطة على أفراد المجتمع، وهو يقوم على جملة من المعايير، والأعراف الاجتماعية، والقيم الثقافية المترسخة في الوعي الجمعي”.
موضحًا: “هناك أمور كثيرة يعتبرها المجتمع عيبًا بينما هي ليست كذلك، مثل عمل المرأة في بعض المهن، كالتجارة، والعمل في السلك العسكري، وفي السياحة والفنادق… إلخ”.
الفن في اليمن لا يزال غيرًا قادرًا على التطرق لقضايا اجتماعية حساسة؛ بسبب ثقافة العيب المتجذرة منذ زمن سحيق، يقول السامعي، ويضيف: “ثقافة العيب نشأت تاريخيًا بالترافق مع نشوء السلطة الذكورية، وانهيار النظام الأمومي الذي كانت فيه المرأة تتربع على قمة النظام الاجتماعي؛ ما جعل “العيب” السلاح الذكوري المستخدم لقمع المرأة، وتحجيم دورها”.
وينظر المخرج المسرحي حسام علوان إلى الموضوع من زاوية متفائلة، “حتى زمن قريب، كان مجال التمثيل يُعتبر عيبًا ونُقصًا في الرجل إن امتهنه، لكنه استطاع كسر هذه النظرة مع الوقت. اليوم تمر المرأة بذات الطريق، وقد بدأت تثبت نفسها كممثلة، وهذا ما لمسناه خلال السنوات الأخيرة في الدراما اليمنية”.
دعم عائلي
استطاعت رندا، بعزيمتها، ودعم زوجها، وعائلتها، أن تواجه ما يعرقها عن تحقيق حلمها، واليوم بات لديها الكثير من الأعمال المسرحية، إلى جانب مشاركتها في المسلسل التلفزيوني “حالتي حالة”، وتكللت أدوارها بالكثير من النجاح، وحصلت على جوائز عدة، منها جائزة أفضل ممثلة في محافظة تعز، في اليوم العالمي للمسرح2017 م، وجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في مهرجان المسرح الوطني – عدن 2018م، وأشارت رندا: “من الصعب على الممثلة النجاح في مجتمعنا دون دعم عائلتها”.
رغد عدنان، 17 عامًا، من الفئات المهمشة، تقول: “لمّا أشوف الكل منسجم معي وأنا أمثل في المدرسة، ومشاعر الحماس والإثارة، وأصوات الضحك، أو الحزن، وكيف يتفاعلون معي، ويصفقون ليّ، أشعر بالفخر”.
“غياب المرأة في التمثيل دليل على وجود خلل في ما يقدمه التلفزيون، أو المسرح، وخلل في الثقافة البصرية المقدمة”.
تقدم رغد العروض في مدرستها، وتحظى بردود فعل مشجعة لموهبتها، كما تفيد بأنّ عائلتها تقدم لها الدعم والمساندة؛ لتصقل مهاراتها في التمثيل، “أهلي يشجعون موهبتي، وفخورون بي؛ وهذا يجعلني أرغب في تقديم المزيد من الفن والإبداع”.
انعكاس
على الرغم من ظهور العديد من الوجوه النسائية الشابة في مجال التمثيل، مثل سالي حمادة، ورغد المالكي، وأماني الذماري، يقدر علوان، بحكم عمله، نسبة وجود الممثلات اليمنيات بـ 15% – 20% تقريبًا، ويعزو ذلك لأسباب من ضمنها شحة الأكاديميات، والجامعات، والمعاهد المتخصصة بتعليم التمثيل، والتي تكاد تكون منعدمة في أغلب المحافظات اليمنية.
ويصف جبارة غياب المرأة في التمثيل بأنه “دليل على وجود خلل في ما يقدمه التلفزيون، أو المسرح، وخلل في الثقافة البصرية المقدمة؛ فحضور المرأة فنيًا ما هو إلا انعكاس لمدى حضورها الفاعل في المجتمع”.
يتفق المخرجان المسرحيان علوان، وجبارة على أهمية وجود المرأة في مجال التمثيل، “لن تكون هناك نهضة حقيقية إلا بوجود المرأة مع الرجل في مختلف المجالات والميادين. احتكار وجود المرأة في مجالات محددة، وتغييبها عن مجالات وميادين أخرى، كالفنون، والتمثيل على وجه التحديد، تغييبٌ لبعض أسباب تلك النهضة”، يقول جبارة.
ويضيف علوان: “لا بد من تواجد المرأة مع الرجل في هذا المجال؛ لتوصيل الرسائل التثقيفية، والتوعوية، والفنية، والإعلامية بشكل عميق وصحيح، فكما قيل: أعطنا خبزًا ومسرحًا، أعطيك شعبًا مثقفًا”.
تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة هودج