كتب / أ.د.محمد قحطان
استاذ الاقتصاد _ جامعة تعز
تشهد السوق النقدية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية تدهورا غير مسبوق لسعر الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي والريال السعودي. إذ تجاوز سعر الدولار الأمريكي الألف ريال يمني وتجاوز الريال السعودي مبلغ 260 ريال يمني بتاريخ اليوم 11 يوليو 2021. وسيؤدي هذا إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات وتآكل الدخل الفردي والاسري وبالأخص لموظفي الدولة وأصحاب الدخول المحدودة من العمال والشغيلة بالأجر اليومي أو الشهري، وبدلا من أن تقوم الحكومة بدراسة الأسباب لهذا التدهور وتتخذ خطوات وإجراءات عملية لمواجهته؛ سمعنا أخبار تفيد بأن رئيس الوزراء د.معين عبدالملك ذهب للخارج مستجدياً مساعدة الحكومة اليمنية في مواجهة التدهور بدون ما يكون لديه أي تصور لحزمة السياسات المالية والنقدية المفترض أن تتخذها الحكومة ولحق بهذه الأخبار تسجيل صوتي باسم وكيل قطاع الرقابة في البنك المركزي بعدن يترجى من خلاله شركات الصرافة بالتوقف عن رفع أسعار العملات الأجنبية وموافاته بأسماء المضاربين في أسعار العملات الأجنبية في إشارة إلى اعتقاده بأن تدهور سعر الريال اليمني يقف ورائه مضاربين من الصيارفة، الأمر الذي يؤكد غياب البنك المركزي عن واقع السوق النقدية وجهله بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء استمرار تدهور سعر الريال اليمني. كما يبدو من التسجيل بأن الوكيل لا يعلم شيئاً عما يدور في السوق النقدية حيث يطلب معلومات من شركات الصرافة وبما يؤكد جهل جهاز الرقابة في البنك المركزي بمتطلبات وظيفة الرقابة ودورها . كما ويشير إلى ابتعاد البنك المركزي في عدن عن الواقع يتساوى في ذلك مع الحكومة والرئاسة.
لذلك نحاول فيما يلي عرض أهم أسباب استمرار تدهور الريال اليمني كي يتسنى لرئيس الوزراء ولوكيل الرقابة على السوق النقدية في البنك المركزي ولغيرهما من المسئولين والمهتمين الإدراك بأن إيقاف التدهور في سعر الريال اليمني والعمل على تعافيه لا يمكن حدوثه إلا بمواجهة حقيقية لأسباب التدهور وليس بالخطابات والترجي لشركات الصرافة.
ويمكن إيجاز تلك الأسباب بالآتي :
1) انفلات السوق النقدية في ظل غياب كلي لأي دور عملي للبنك المركزي في أداء وظائفة المعروفة وبالتالي عدم قدرته للسيطرة على السوق النقدية والعمل بما ينبغي اتخاذه من السياسات المالية والنقدية بالتنسيق مع وزارة المالية والأجهزة ذات العلاقة مع استمرار انهيار الجهاز المصرفي وعدم القدرة على تفعيل الجهاز المصرفي اليمني ليستعيد دورة الأساسي في الدورة الاقتصادية.
2 ) غياب سلطة الدولة في واقع المحافظات المحررة. ..حيث أن الرئاسة والحكومة في الخارج والسلطات المحلية منفلته وكل يعمل ما يريد وخارج إطار الأنظمة والقوانين الحاكمة للدولة الأمر الذي يؤدي إلى التسابق للسيطرة على لأوعية الايرادية ونهب المال العام وبالتالي فإن خزينة الدولة الممثلة بالبنك المركزي خالية من الأرصدة النقدية المفترض أن تتدفق من اوعيتها الايرادية . وبدلا من مواجهة مشكلة الفساد وعدم تدفق الموارد المالية للدولة للبنك المركزي تذهب الحكومة لمواجهة العجز في نفقاتها بطباعات كميات نقدية جديدة في ظل توقف حركة الاستثمار بسبب الحرب مما يؤدي إلى تدهور أكثر في سعر الريال اليمني مقابل العمﻹت الأجنبية وارتفاع أسعار السلع والخدمات يوازيه ارتفاع معاناة الناس. وبنفس الوقت نلاحظ بأن قيادات السلطة الشرعية بحكم بقائهم في الخارج ويستلمون رواتبهم بالعملات الأجنبية لا يشعرون بمعاناة الناس فهم بعيدون عن واقع معانة الناس الذين يفترض انهم قادتهم وينبغي أن يكونوا عائيشبن معهم ويحسون بمعاناتهم الأمر الذي يؤدي للمزيد من تدهور الأوضاع ألاقتصادية والمعيشية في ظل غياب سلطات الدولة وانتهازية قادتها.
3 ) غياب الدولة وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية يؤدي إلى المزيد من نزوح رجال المال والأعمال وكذا أصحاب المهن الحرة للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الحوثية بما لديهم من أرصدة مالية وبالعملات الأجنبية نظرا لأن الطبعات النقدية الجديدة مقبولة التداول في مناطق سيطرة الشرعية غير مقبولة التداول في مناطق سيطرة الحركة الحوثية. ويؤدي ذلك إلى أن الراغبين بالانتقال من مناطق الشرعية للمناطق الأخرى يسعون لتحويل ارصدتهم النقدية بالريال اليمني إلى الدولار والريال السعودي الأمر الذي يساهم في رفع الطلب على العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الشرعية مقابل إنخفاض العرض منها وبالتالي تجد شركات الصرافة العاملة في مناطق سيطرة الشرعية هذا الوضع فرصة لرفع أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني للمزيد من الأرباح المتاحة في النشاط المصرفي المنفلت في ظل غياب الرقابة وشح المتاح من العرض النقدي بالعملات الأجنبية.
4 ) من المعروف بأن رئاسة الدولة المعترف بها دوليا والحكومة والبرلمانيين المؤيدين للشرعية وكذا المجلس الاستشاري وجمع غفير من مسئولي الدولة المحسوبين على السلطة الشرعية مستمرين بالعيش هم وأسرهم بالخارج ورواتبهم ونفقاتهم تؤمن من موارد الدولة بالعملات الأجنبية ويعني ذلك بأن قيادات السلطة الشرعية بسماح بقائهم يعيشون مع أسرهم بالخارج أحد أسباب استنزاف ما يتاح من الموارد المالية بالعملات الأجنبية. فبدلا من ان تتدفق عائدات ما يتم تصديره من النفط الخام للخارج إلى البنك المركزي في عدن تحول لحسابات خاصة بالبنوك الخارجية في دول إقامة قيادات السلطة الشرعية والهيئات التابعة لها.
ويتم الإنفاق من هذه الحسابات على معيشة رجال هيئات الدولة وأسرهم في الخارج وكذا مدفوعات الدولة للسلك الدبلوماسي اليمني المتضخم جدا في سفارات اليمن وبعثاتها في دول العالم وكذا المدفوعات الأخرى التي تتحملها السلطة الشرعية كالمساعدات الطبية والدارسين في الخارج. ……الخ. بما يعني أن أرصدة الدولة بالعملات الأجنبية لا تدخل للبنك المركزي اليمني ولا يتم تداولها في السوق النقدية اليمنية. وهذا أحد أسباب ندرة العملات الأجنبية في السوق النقدية المحلية. الأمر الذي يسهم في الإختلال القائم بين العرض والطلب للعملات الأجنبية وزيادة انهيار الريال اليمني..
5) تزايد رحلات سفر المواطنين للخارج وخصوصا للمرضى وباعداد هائلة جدا نظرا لغياب أو ندرة الخدمات الصحية في داخل اليمن وتقف الحكومة عاجزة عن إصلاح القطاع الصحي برغم ما تقدمه منظات الإغاثة الإنسانية من الدعم والذي يبدد معظمه ويتدفق خارج إطار الجهاز المصرفي المنظم بما يسهم في زيادة الطلب على العملات الأجنبية وبالتالي الإسهام في ارتفاع أسعارها مقابل الريال اليمني.
6 ) عدم تقنين عملية الاستيراد؛ إذ أن مجال الاستيراد ترك مفتوحا للآخر دون أي تنظيم أو تدخل حكومي يحد من استيراد الكماليات. الأمر الذي يسهم في ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية وبالإضافة لعوامل ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية المذكورة سابقا يؤدي إلى زيادة طلب الموردين وذلك يسهم في المضاربة على النقد الأجنبي في سوق الصرافة.
7 ) عدم قدرة الحكومة الشرعية في نقل المقرات الرئيسية للبنوك ومكاتب الصرافة والشركات وحتى المنظمات الدولية وكذا الوحدات الاقتصادية الكبيرة التابعة للدولة مثل شركة الاتصالات والبريد والنقل الجوي وغيرها. كل تلك العوامل تساهم في الإختلال بين العرض والطلب للعملات الأجنبية بالإضافة إلى ضعف موارد السلطة الشرعية من العملات المحلية يترتب على ذلك عدم توفر أرصدة نقدية بالعملتين المحلية والأجنبية في البنك المركزي وبالتالي تقف مالية الدولة والبنك المركزي عاجزين عن التدخل في توجيه السوق النقدية والتأثير باتجاه كبح المضاربة بأسعار العملات الأجنبية والحفاظ على التوازن بين العرض والطلب لحفظ الاستقرار وتعافي الريال اليمني مقابل العملات الأخرى.
وبناءا على ما سبق يمكن القول بأن إيقاف التدهور للريال اليمني في مناطق سيطرة الشرعية واستعادة عافيته غير ممكن إلا بعودة قيادة السلطة الشرعية وموظفي مؤسساتها للداخل ومواجهة أسباب التدهور التي عرضنا لبعضها من خلال خطة تقشفية تراعي وضع البلاد وحالة الحرب القائمة أو وضع نهاية للحرب وتحقيق السلام وعودة الدولة إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب والحرب على الأقل.