عيبان محمد السامعي
البعض يبتهج كلما عاودت المناوشات المسلحة بين أطراف النزاع لا لشيء إلا لكي يثبت صوابية منطقه الممجد للحرب وخطأ منطق الآخرين ممن يرفضون الحرب ويدعون إلى السلام.
فالسلام ــ وفق هذا البعض ــ هو نقيصة وقيمة مرذولة أما الحرب فهي قيمة نضالية تدعو إلى الافتخار والاعتزاز!
ولكي يغدو منطق هؤلاء برّاقاً للآخرين يعمدون إلى تغليفه برداء “الوطنية” و”الدفاع عن الشعب” وربما “الدفاع عن الطبقة الكادحة في وجه المستغِلين”!.. وغيرها من الشعارات المطاطية التي تخفي في طياتها عصبوية مناطقية وطائفية وجهل مستديم.
والمفارقة أن نجد مسعري الحرب سواءٌ من هذا الطرف أو ذاك يشتركون في رفع هذه الشعارات ببلاهة وديماغوجية تفقأ العين!
قديماً قال الشاعر عمرو بن كلثوم وهو يمجد عصبيته بجهالة:
“ألا لا يجهلنّ أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا”!
بعد قرابة خمسة عشر قرناً من الزمان لا يزال البعض يجتر منطق “عمرو بن كلثوم” انتصاراً لعصبيته المتوهمة ضد منطق العصر ومنطق العقل والسلام.
إن كل يوم يمر من الحرب المدمرة إنما هي مزيد من استنزاف البلد, ومزيد من إهدار الدم اليمني المسفوح على امتداد الرقعة الوطنية, ومزيد من مضاعفة معاناة الملايين من اليمنيين, ومزيد من الافقار والتجويع والتقتيل والإهلاك…
لقد أصبحت الحرب وسيلة لهندسة السياسة والمجتمع في البلاد ترسمها دول خارجية وأجهزة مخابرات اقليمية وعالمية, ووسيلة مثلى للتربح والإثراء وتفتيت الكيان الوطني إلى دويلات وإمارات مرتبطة بالخارج.
ووفرّت الحرب مناخاً ملائماً لتنامي الجماعات المتطرفة واللصوصية السياسية, كما وفرت غطاءً لممارسة صور شتى من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان: القتل, والإعدامات, والتعذيب, والاخفاء القسري, وإنشاء سجون سرية, وسياسات التجويع والإفقار, والنهب, …إلخ.
لابد إذن من إيقاف هذه الحرب اللعينة.. والشروع في بناء السلام وفق رؤية وطنية وبرنامجية واقعية..
السلام هو الخيار التاريخي في اللحظة الراهنة لإنقاذ البلاد من متاهات التشظي والتذرر والاقتتال العبثي وحقن الدم اليمني.
السلام هو الطريق الأمثل للخروج من دوامة حرب عبثية هي أشبه بحرب داحس والغبراء.. حرب مهلكة لا ناقة للشعب فيها ولا جمل..!
*المقال لا يعبر عن رأي الموقع ويعبر فقط عن رأي كاتبه