المواطن _ نصر عبد الرحمن – تعز
على عتبات وأسرة المستشفيات خسر الكثير من أبناء محافظة تعز، جنوبي غرب اليمن، أرواحهم بينهم نساء وأطفال؛ نتيجة أمراض وإصابات كان من الممكن الشفاء منها إذا ما توفر قطاع صحي ومستشفيات ذات إمكانيات متوسطة فحسب.
وحرم تدهور القطاع الصحي أطفال المدينة من أهم حقوقهم وهو حقهم في الرعاية الصحية بل وحقهم في الحياة، إذ فقد الكثير من الأطفال حياتهم بين أحضان من يفترض به أن يرعاهم ويمنحهم فرصة للحياة.
الطفلة ليان عبد القاهر سيف المريري، واحدة من أطفال مدينة تعز الذين خسروا حياتهم بسبب تدهور الوضع الصحي في المحافظة كغيرها من المحافظات اليمنية، التي تشهد حرباً للعام السادس على التوالي بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثيين.
نقص شديد:
وأفاد لنا والد الطفلة ليان بأن إبنته بعد إصابتها بنزيف في الدماغ نتيجة تعرضها لحادث دهس، ظلت لأكثر من ساعتين تنزف وهم يتنقلون بها بين مستشفيات المدينة التي رفضت استقبالها بحجة عدم وجود كادر طبي لعلاجها حد قوله.
وللتاكد والمعرفة أكثر في هذا الشأن زرنا عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة داخل مدينة تعز، وأكدوا الإفتقار الشديد للكادر الطبي المختص، إذ أعترف مدير مستشفى الروضة الخاصة الدكتور جميل العبسي بهذا النقص للكادر.
وقال: “تعز تعاني من هجرة الكادر الطبي المختص إلى خارج المدينة ولا يتوفر البديل ومن عاد قليل”، مشيراً إلى غياب الكادر الطبي في كلية الطب بجامعة تعز والذي كان العمود الأساسي لتدريب الكادر الطبي وتأهيله، وهذا الأمر الذي ضاعف من حجم الخسائر البشرية خاصة الأطفال”، موضحا أن عدد الأخصائيين داخل المدينة قليل جداً، فلا يوجد “اخصائين عظام غير ثلاثة فقط، وثلاثة اخصائين مخ واعصاب”.
بدوره كشف مدير مستشفى الجمهوري الحكومية الدكتور نشوان الحسامي، عن أن 90% من الأخصائيين والاستشارين العاملين في المستشفى كرسميين غير متواجدين، مشيراً إلى أن أغلب الاستشارين يعملون خارج المستشفى سوى خارج مدينة تعز ولم يعودون حتى الآن، او في المستشفيات الخاصة داخل المدينة.
وأكد ذلك مدير عام مكتب الصحة في المحافظة الدكتور راجح المليكي بقوله إن: “52% من الكادر الطبي قد نزح وغادر مدينة تعز إلى خارجها والمحافظات الأخرى نتيجة للحرب الدائرة بين الحكومة والحوثيين”.
وأوضح أن المدينة تعاني من نقص كبير في الكادر الطبي المختص بشكل عام والمختصين بجراحة المخ والاعصاب في المستشفيات الحكومية والخاصة بشكل خاص.
فيما قال مدير عام هيئة مستشفى الثورة العام الدكتور عبد الرحيم السامعي، “أن المستشفى نزفت من نزوح الكادر، وأول نزوح للكوادر الطبية من داخل مدينة تعز كان لكادر مستشفى الثورة من أول ما بدأت الحرب لان المستشفى تعرضت للقصف ليس لوقوعها في مكان حرب أو في منطقة مواجهات، بل تعرضت للقصف المباشر و أول قذيفة على مرفق صحي في المحافظة كانت قذيفة بي ان بي على غرفة الإفاقة وغرفة العمليات في الدور الرابع للمستشفى ماتسبب في نزوح مبكر للكادر الفني المختص في مجالات الجراحة، الباطنية، الإنعاش، العناية المركزة”.
وكشف عن الفارق في عدد الكادر الطبي في الهيئة قبل الحرب والموجود اليوم بقوله: “فيما يخص جميع الأطباء سواء كانوا اخصائيين ممارسين أو فنيين كانوا قبل الحرب 113، واليوم نحن نعمل ب 16طبيب والبقية كله تعاقد على الدخل الضئيل للمستشفى وعلى الموزانة المصرح بها للعام 2014م”.
وعن الأخصائيين المتوفرين اليوم في الهيئة أكد السامعي بأن عددهم “أربعة اخصائين في الجراحة العامة، و إثنين في الباطنية، و إثنين نساء وولادة، وصفر في العناية المركزة، و وأحد في المخ والأعصاب وآخر متعاقدين معه يأتي للمساعدة”.
أرقام مفزعة:
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور في بيان صادر عن المنظمة في 23 نوفمبر 2020م، إن “أكثر من خمسة ملايين طفل باتوا عرضة لخطر الإصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد” في اليمن، واضاف البيان بأن “الفقر المزمن و تراجع عجلة التنمية وأكثر من خمس سنوات من النزاع الذي ما يزال مستمراً جميعها جعلت الأطفال وأسرهم عرضة لمزيج قاتل من العنف والمرض”.
محليا بين مدير مستشفى الثورة الدكتور عبد الرحيم السامعي، إن “أكثر ثلاث فئات أثر عليها تدهور الوضع الصحي نتيجة للحرب
الأطفال والنساء والمجموعات الضعيفة مثل المهمشين والفقراء، أكثرها فئة الأطفال.
وكشف لنا نظم الإحصاء والمعلومات التابع للمستشفى الجمهوري، عن تسجيل المستشفى وفاة 108 طفل وطفلة من المواليد منذ بداية العام الجاري وحتى شهر أكتوبر المنصرم، 59 منهم ذكور و49 إناث.
وبحسب إحصائيات مكتب الصحة بالمحافظة فإن عدد وفيات الأطفال نتيجة الإصابات والجروح منذ بداية العام الجاري وحتى شهر أغسطس الماضي، بلغت 17 وفاة، منهم 10 نتيجة الحرب، وإثنين بانفجارات، وخمسة نتيجة حوادث.
ضمير غائب:
يفيد نشوان الحسامي مدير مستشفى الجمهوري أن “أعداد كبيرة من الأطفال يموتون نتيجة عدم وجود حاضنة وحالات كثيرة لا تحصل على عمليات قيسرية لان المستشفى غير قادر، والجراحين يرفضون دخول العمليات الا بمقابل لأنه سيقوم بعمل العمليات في المستشفيات الخاصة بمبالغ تتجاوز الستمئة والسبعمئة الف ريال بينما عندنا في المستشفى الرسوم بتسعين الف وتذهب للسلطة المحلية”.
فيما اكد مدير مستشفى الروضة جميل العبسي على “أنه لم يعد هناك مبرر لوجود الكادر الطبي خارج المدينة مدللا على ذلك بتكيف الأطباء الموجودين في المدينة مع الأوضاع وانه لا تقابلهم أي مشاكل تدعي هجرتهم خارج المدينة، وقال ما نحتاج له هو الضمير الإنساني وإخلاص الكادر الطبي”.
وعن حجج الكادر الطبي النازح خارج المدينة أشار العبسي إلى أنهم يتحججون بالجانب الأمني وعدم توفير الحماية الأمنية لهم داخل المستشفيات، ووقوع منازلهم في مناطق خطوط التماس، وقال “الذي لديه نية للعودة سيعود فالعمل الإنساني فوق كل شيء فأنا ساكن في منطقة التماس وكثير من الزملاء أيضاً ساكنين في مناطق خطوط التماس كالشماسي والحوض وغيرها من مناطق التماس”.
وأكد مدير مكتب الصحة الدكتور المليكي، وجود كادر طبي متسيب متواجد داخل المدينة، مشددا على أن هذا يحتاج إلى رقابة من قبل ممثلين الخدمة المدنية ومدراء مرافق الصحة.
إهمال رسمي:
وأفاد مديرا مستشفى الجمهوري ومدير مستشفى الثورة الحكوميتين بانهما قدما خططا وتصورات للنهوض بالوضع الصحي في المستشفيين إلى السلطة المحلية إلا أنها لم تلق التفاعل المطلوب عدا مذكرات وتوجيهات محافظ المحافظة التي تستقر في الادراج، ولم يتم تنفيذها حتى اليوم.
و قال مدير مستشفى الجمهوري “الآن لدينا خطة للعام 2021م لتطوير العمل في المستشفى، وتم تقديمها للسلطة المحلية وحتى الآن لم نلق أي تفاعل ، مشيراً إلى أنه “رغم توجيهات محافظ المحافظة لدعم المستشفى الا أن التوجيهات لا يتم تنفيذها”.
في ذات الشأن أشار مدير مستشفى الثورة الدكتور عبد الرحيم السامعي إلى تعرض كادر المستشفى للاستنزاف من مختلف الجوانب فالذي يموت لا يوجد من يحل محله، كما لاتوجد فرص للتوظيف، ولا اغراءات من شأنها المساعدة في عودة الكادر الطبي المتغيب عن العمل.
حلول مقترحة:
بحسب مدير مستشفى الروضة فإن مكتب الصحة بالمحافظة جرب اتخاذ بعض الإجراءات بغرض إيجاد حلول حد قوله، موضحاً “مكتب الصحة بدأ بخصم أقساط من رواتب الكادر الطبي الغير متواجد في المستشفيات الحكومية داخل المدينة علهم يعودون لكنه عبر في نفس الوقت عن الإحباط من إمكانية فعالية هذه الطريقة”.
فيما قال مدير مستشفى الجمهوري بأن قرار توفير الكادر الطبي وعودة النازحين منهم بيد السلطة المحلية فلم يعد هناك أي مانع امام عودة الكادر الاستشاري للعمل داخل المدينة سوى أولئك الذين تقع منازلهم في مناطق خطوط التماس ومع ذلك يمكن أن يتم توفير سكن بديل لهم، وقال “يأتي يغطي أسبوع في الشهر وأنا على استعداد أن أوفر لهم سكن داخل المستشفى”.
وأوضح مدير مستشفى الثورة الدكتور عبد الرحيم بأن عودة الكادر لا يكفي متطلبات الطب العلاجي الان في المحافظة، مشيراً إلى أن عودة الكادر بالراتب الذي يملكه لن تنجح.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك خطط قصيرة المدى بشأن عودة وإغراء هذا الكادر مثل تأمين الرواتب الكافية لعودتهم وفتح باب التوظيف للكادر الجديد.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)“.