المواطن / نصر عبد الرحمن – اللوحة للفنانة/ لينا محمد
خسر الكثير من الأفراد في اليمن، أعمالهم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد هذا العام، وزادت الأعباء التي يواجهونها بالفعل نتيجة للصراع، وتفككت وارتفعت معدلات العنف وحالات الطلاق، ليس فقط للناس من المناطق النائية، ولكن أيضاً لأشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية، بما في ذلك أطباء وأكاديميين وطلاب ماجستير وغيرهم الكثير، وفقاً للمسؤول الإعلام والاتصال بصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن، فهمية الفتيح.
المواطنة (أ. ع.) 21 عام، من أبناء مديرية الشمايتين جنوبي محافظة تعز، اجبرها العنف الذي تجرعته من شريك حياتها على الانفصال منه، وكان زواجها كقاصرة قبل تسع سنوات بداية العنف إذ قالت: كنت في الثانية عشرة من عمري حين تزوجت ولم أكن أعرف معنى الحياة الزوجية بعد.
وخلال حياتها الزوجية تعرضت (أ. ع.) للضرب والسب من قبل زوجها، وتضاعف هذا العنف مع انتشار فيروس كورونا المستجد، إذ حرمها زوجها من النفقة وتنصل عن مسؤولية رعايتها ورعاية طفلهما البالغ من العمر 9 أعوام وتركها تتحمل بمفردها مسؤولية ذلك، وتضيف: “كان يضربني ويسبني ولم ينفق علينا أنا وابني ريال واحد وهذا دفعني إلى الطلاق منه “.
الطلاق وكورونا المستجد
وخلال مقابلتنا لها في مقر عملها بمديرية صالة أكدت ممثلة اتحاد نساء اليمن في تعز، صباح محمد، أن “صعوبة الوضع الاقتصادي جراء بقاء الرجال في المنازل خوفاً من كورونا المستجد ومن أجل الاعتزال كإجراء احترازي، أدى إلى شح الدخل الاقتصادي على المنزل مما سبب المشاحنات والمشاكل الأسرية، مما يلجأ فيها الرجل – كونه الأقوى- إلى العنف ضد المرأة لأنها الأضعف، سوى كان العنف في اللفظ أو الضرب أو الحرمان الاقتصادي”.
وفي ظل هذه الظروف تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل كبير، وتزايدت حالات الطلاق بشكل مخيف”، وهذا ما اكدته مسؤولة الإعلام بصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وبحسب مكتب اتحاد نساء اليمن في مدينة تعز فإن حالات الطلاق المسجلة لديه منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد في المحافظة، في مطلع مايو وحتى نهاية نوفمبر من العام الجاري، (307) حالة طلاق، وهذا العدد أكثر بكثير من عدد الحالات قبل عام وقبل أن تسجل حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد في المدينة طبقاً لمسؤولة المكتب صباح محمد.
وأشارت محمد إلى أن العدد الحقيقي لحالات الطلاق أكثر بكثير مما هو في سجلات الاتحاد؛ بسبب أن كثير من حالات الطلاق لا تصل إليهم لتلقي العلاج النفسي أو لطلب المساعدة نتيجة الخوف والعادات والتقاليد.
وفي السياق ذاته قال الدكتور فؤاد العيسوي، أستاذ علم النفس والتربية الخاصة، بكلية التربية – جامعة تعز “إن الأسباب التي عملت على زيادة ارتفاع نسبة الطلاق في زمن كورونا هي المكوث في المنازل، وتوقف الكثير من الأعمال؛ الأمر الذي أدى إلى البطالة وانخفاض مستوى دخل الفرد والمجتمع، وانخفاض تشغيل العمالة، بل وتوقفها بشكل يكاد يكون كلياً، كل ذلك فرض على الأزواج والزوجات التزامات يجب الايفاء بها تجاه اسرته، فالأسرة تجبر الاب على توفير كل متطلباتها بغض النظر عن الطريقة التي سيوفر بها تلك المتطلبات، ونتيجة لذلك تزيد حدة الخلافات بين الزوج وزوجته لتوفير احتياجات ومتطلبات الأسرة”.
وأضاف “تزداد الشجارات بينهما، مع عجز الزوج عن توفير متطلبات الأسرة، فتؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق، فالضغوط الملقاة على عاتق الزوج تحوله إلى ممارسة طباع سلبية وغضب وردود فعل حادة ضد الآخرين ومنهم الزوجات والأولاد، كتخفيف الشعور بالعجز عن مواجهة متطلبات الحياة المفروضة عليه”.
وأوضحت ممثلة اتحاد نساء اليمن بمدينة تعز أن حالات الطلاق تلك تسببت في انهيار عدد من الأسر يدفع ثمنها الأطفال، مؤكدة على أن العنف الأسري ينعكس سلباً على المجتمع حيث تزداد فيه حالات التفكك الأسري وتنتشر فيه الجريمة والرذيلة وتسول الأطفال وغيرها من المشاكل الاجتماعية.
وتخضع المواطنة (أ. ع) في الوقت الراهن للرعاية النفسية وتتلقى برامج الدعم النفسي في “دار ايواء” تابع لمركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات بالشراكة مع اتحاد نساء اليمن في مدينة تعز.
رعاية
أثرا الفقر والعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل خطير على الصحة النفسية والعقلية للعديد من النساء والفتيات في اليمن، وتفاقم الوضع أكثر مع جائحة كوفيد-19 والعواقب الاقتصادية المصاحبة لها”، بحسب مسؤولة الإعلام والاتصال بصندوق الأمم المتحدة للسكان، فهمية الفتيح.
وكشفت الفتيح عن وجود “امرأة من كل ثلاث نساء تعاني من عوامل نفسية خاصة أولئك اللاتي تعرضن لعنف أسري، ويقدر أن واحدًا من كل خمسة أشخاص في اليمن يعاني من اضطرابات نفسية، وفقًا لدراسة عام 2017، ما يعني أن 5 ملايين شخص من سكان اليمن يحتاجون للدعم النفسي، وهذا يمثل مدى الاحتياج الكبير للصحة النفسية”.
وأضافت: “قد يكون هذا الرقم الآن أعلى بكثير مع انتشار مخاوف جائحة كوفيد-19 واستمرار الصراع في البلاد”.
وأوضحت الفتيح بأن توفير رعاية الصحة النفسية نادر في اليمن، بالإضافة إلى أن المرض النفسي هو وصمة عار شديدة عند كثير من اليمنيين، فضلا عن ندرة الأطباء النفسيين، وإغلاق بعض خدمات الصحة النفسية بسبب الجائحة، مشيرة إلى أن عدد الأطباء النفسيين في اليمن لا يتعدى 46 طبيبا، ما يعني أنه سيكون هناك طبيب واحد لكل 600 ألف شخص، لاسيما أن 70% من اليمنيين يعيشون في الريف وهذا يعد نقصا لديهم في الخدمات الصحية”.
وهذا ما أكدته ممثلة اتحاد نساء اليمن في مدينة تعز بقولها “لا يتجاوز الأخصائيين النفسيين في تعز العدد أربعة”.
معالجات
شدد الاخصائي النفسي الدكتور العيسوي، على تقديم الجهات المختصة للدعم النفسي والاجتماعي، والعمل على رفع مستوى الصلابة النفسية وتدريب الأزواج والزوجات على مهارة إدارة الضغوط وطرق مواجهتها سلميًا، بعيداً عن الخلافات الأسرية التي تؤدي إلى الانفصال غالباً”.
وبحسب الفتيح، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان يقود جهود تنسيق وتوفير خدمات الحماية المنقذة للحياة في أنحاء اليمن، واستطاع الوصول إلى الآلاف من الناجين من مختلف أشكال العنف من خلال خدمات الحماية (قانونية، دعم نفسي، تمكين اقتصادي، الخط الساخن الخ)، وقالت: “الآن في ظل كورونا، المساحات الآمنة للنساء والفتيات ال 24 التي انشأها الصندوق في أنحاء البلاد تستمر في تقديم رسائل توعية رئيسية حول كوفيد19، عبر الخطوط الساخنة المخصصة ومن خلال مواد توعوية، مشيرة إلى قيام النساء والفتيات في المساحات بخياطة كمامات في ظل انعدام وشحة الكمامات في السوق المحلي.
وأشارت إلى أنه خلال هذا العام وصل صندوق الأمم المتحدة للسكان لأكثر من مليون امرأة وفتاة من خلال خدمات الحماية، بواسطة ستة مراكز دعم نفسي يدعمها الصندوق تعمل حاليًا في جميع أنحاء البلاد في محافظات صنعاء وعدن وإب وتعز (مركزان) وحضرموت.
بدورها أكدت ممثلة اتحاد نساء اليمن في مدينة تعز على أن أهم المعالجات الممكنة لهذه المشكلات هي رفع الوعي، ومحاربة زواج الصغيرات، وتأهيل وتمكين المرأة اقتصاديا، مشيرة إلى أن الاتحاد يعمل على مسألة الحماية القانونية والنفسية.
وبحسب القانوني فهمي محمد فإن القانون اليمني يجرم العنف بكل أشكاله وأنواعه ضد المرأة “بل اعتبر القانون أن حجز الزاوية في بناء بيت الزوجية على سبيل المثال هي العشرة الحسنة من قبل الزوج تجاه زوجته، كما أن القانون يعتبر التجاوز في التأديب من قبل الرجل تجاه زوجته أو أبنته أو أخته جريمة يعاقب عليها القانون، ومع ذلك فإن القانون بشكل عام في اليمن مازال يحمل صبغة ذكورية الأمر الذي يعني أننا بحاجة شديدة إلى نصوص واضحة أو قانون مستقل يتناول تجريم العنف ضد المرأة”.
* تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA