المواطن/ تقارير
تقرير: شيماء القرشي
المتابع لوضع اليمن الدولة التي أنهكتها الحرب والأوبئة والمجاعات، سيتبين له أن وضع الفرد لن يكون أحسن حالًا من حال اليمن كدولة، ومع استمرار الحرب التي ما تزال تأكل الأخضر واليابس، يزداد ضحايا التعنيف من الأطفال.
صابر، الطفل الأسمر، ذو الملامح الجبلية، البالغ من العمر15 عامًا، واحد من أطفال كثيرين يتعرضون كل يوم للتعنيف بنوعيه النفسي والجسدي، ولأسباب لا علاقة لهم بها.
لم يكن ذنب صابر سوى أنه ولد في وضع خلاف حاد بين والديه أدى إلى الطلاق بينهما، لتأخذه والدته وهو ابن عام واحد وتهرب به مع أسرتها وتنقطع أخباره عن والده.
بحثت عنه كثيرا
يخبرنا والد الطفل قائلًا: بأن أسرة طليقته أخذوا ابنه وانتقلوا إلى محافظة أخرى بعد أن باعوا منزلهم الكائن في صنعاء.
وأضاف: ” سدوا كل الطرق التي قد توصلني إلى فلذة كبدي الذي حرموني منه دون وجه حق، بعد 15 عامًا أتوا به مكبلًا بالسلاسل والدماء تقطر من جسده”.
تنهد والد صابر بقوة وهو يحاول منع دموعه التي شارفت على السقوط قائلًا: “كانت أول مرة أراه بعد مرور 15عامًا، كان في اللحظة التي وجدته فيها منهكًا، آثار الضرب في أنحاء جسده، حتى قميصه تمزق لتظهر الكدمات على جسده النحيل من خلال ثقوب قميصه الممزق”.
ضرب مستمر
بصوت مبحوح وهو ينظر إلى الأرض تحدّث صابر عن معاناته قائلًا: حبست ثلاثة أيام وكانوا يدخلون لي الطعام من النافذة التي كنت أرى من خلالها الأطفال وهم يلعبون كرة القدم في الحي الذي تسكن فيه أسرة أمي.
“أمي لم تعد تريدني؛ فقد تزوجت ولديها أبناء”، بنبرة حزن تحدث صابر عن والدته التي تركته وذهبت لتتزوج بآخر قائلًا: بقيت وحيدًا في منزل أهل أمي أتعرض لكل أنواع التعنيف يوميا.
وأضاف: لم تعد أمي تراني، أو تلتقي بي إلا نادرًا في المناسبات، أو عبر الهاتف لدقائق، تركتني وانتقلت للعيش مع زوجها الجديد في مدينة أخرى، لقد نسيتني فقد صار لها أبناء غيري.
تعلل أسرة والدة صابر فعلها بأن صابر بدأت تظهر عليه بعض السلوكيات المنحرفة فما كان منهم إلا أن يتعاملوا معه بهذه الطريقة، وهو ما يعتبروه من باب التربية.
ولكن يا ترى ماهي السلوكيات التي قد يرتكبها طفل صغير حرم من وجود أسرة مكونة من أب وأم تهتم به، ولم يجد مستوى تعليمي لائق ومتابعة أسرية، بل ظل متسربًا من المدرسة، فلا رعاية ولا اهتمام، لم يجد سوى كل أنواع التعنيف؟!
الدكتور صخر طه الشدادي استشاري وأخصائي نفسي يتحدث عن هكذا حالات بالقول: الأطفال الذين يتعرضون للتعنيف تنشأ لديهم عقد نفسية وعدوانية شديدة تنعكس على تصرفاتهم مع المجتمع المحيط بهم.
وأضاف الشدادي: الطفل المعنّف تنشأ لديه تصورات بأن كل المحيطين به مشاركون في تعنيفه، فيسخط على المجتمع ويلجأ إلى السلوكيات المنحرفة مثل التنمر والسرقة والاعتداء الجنسي والدخول في عراكات مع الآخرين؛ رغبة منه في إخراج الغضب الذي تولّد في داخله جراء التعنيف الذي تعرض له.
ويعيش أطفال اليمن أوضاعًا متقلبة جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، فالوضع العام ألقى بظلاله على الحياة برمتها مما زاد من حدة الضغط المعيشي، وفاقم من التوترات الأسرية، ولهذا آثار كارثية على الأطفال بشكل مباشر.
التربية الخاطئة وسيلة لصنع طفل منحرف
وفي نفس السياق أشار الدكتور فيصل دبع الأستاذ في قسم الطفولة المبكرة بكلية التربية – جامعة صنعاء قائلا: “ان العنف لا يولد الا العنف وان ما يمارس تجاه الأطفال من أساليب التعنيف التي يحسب البعض انها أساليب للتربية ماهي الا وسائل لصنع طفل منحرف على المدى البعيد”.
دور الدولة في حماية الأطفال ضحايا التعنيف
افادت الدكتورة الهام المتوكل أستاذ القانون العام بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء بالقول: ان اول أسباب جنوح الاحداث وانحراف الأطفال هو العنف الاسري بشقيه الجسدي والنفسي وان كل ما يتعرض له الطفل من تعنيف وتوبيخ في طفولته ينعكس على شخصيته عند الكبر ويقوده الى الانحراف رويدا رويدا حتى يسقط في مستنقع الجريمة وان من واجب الدولة حماية الأطفال الذين يتعرضون للتعنيف بل والعمل على تأهيلهم وغرس قيم الحب والتسامح في نفوسهم.
بسبب الحرب نحن كمجتمع نعيش في مصنع العنف
الأستاذ احمد منصر باحث ومتخصص في علم الاجتماع أشار الى ان ظاهرة العنف تجاه الأطفال هي من أكثر الظواهر انتشارا في الوسط الاجتماعي وإننا عندما نحاول إيجاد حلول لوقف مثل هذه الأساليب تجاه الطفولة لابد ان نركز على وضع المجتمع..
مؤكدا من جهته: ان مجتمعنا يمر بحالة حرب مستمرة منذ سنوات انعدمت فيها الكثير من الحقوق بحيث يتعرض كل الافراد في المجتمع الى التعنيف النفسي والجسدي وبالأخص الأطفال والنساء
وقال منصر: نحن كمجتمع يمني نعيش في مصنع العنف وهي الحرب حيث ان تعنيف الأطفال احد مظاهر الحرب وتأثيراتها النفسية، فحالما تصبح اليد التي تقتل يدا تصافح وحينما تستبدل الرصاصات بالقبلات حينها فقط ستنتهي كل مظاهر العنف تجاه الأطفال وغيرهم من المستضعفين كالنساء.
ويؤكد المحامي احمد ناجي الحاشدي ان نسبة كبيرة من سلوكيات الانحراف التي يقوم بها الأطفال تكون بسبب تدني مستوى الرعاية الاسرية وتدني مستوى التعليم او فقدانه أضف إلى ذلك عوامل الفقر والمجاعات والاوبئة والحروب التي تؤدي مجتمعة الى انخراط الطفل في السلوكيات المنحرفة وقد يتوغل أكثر في الاجرام بحثا عن الاهتمام والتعايش الذي لم يجدها الا مع أصدقاء الشارع.
وتفيد العديد من الإحصائيات السابقة خلال السنوات الأخيرة بأن ما يقارب مليوني طفل في اليمن خارج اسوار المدارس، وأن مايقارب360,000 طفل يعانوا من خطر المجاعة، كما بلغت نسبة جرائم الاحداث في اليمن ممن ينحدرون من اسر فقيرة الى ما يقارب 34,3% من نسبة الجرائم المرتكبة.
نصل في النهاية إلى تساؤل يا ترى إلى متى سيظل أطفال اليمن ضحايا للتعنيف وهل سيظل الصمت هو الحاضر الوحيد في هذه المعادلة في ظل غياب دور الاسرة وغياب الرعاية وضعف دور الدولة في مواجهة خطر تعنيف الأطفال الذي يؤدي الى الانحراف وعامل مساعد في انتشار الجريمة؟!.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.
تنشر هذه المادة وفقًا لتفاهم بين الموقع والشبكة