المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
( ابعد اليمنيين سفراً من كان مناضلاً في سبيل وطن يرضاه لهم ) على إعتبار أنه موجود بيننا!
محزن أن يجد اليمنيون أنفسهم بعد ثلاث ثورات ووحده ،معنيون بالإجابة على سؤال كبير. ..؟! يتعلق بضرورة الثورة ومشكلة التغيير .!!، خصوصا وأن الإنتصار للمستقبل في اليمن لم يتحقق بعد، ولا يلوح في الأفق ما يؤكد حدوث ذلك في المدى القريب أو المنظور ، رغم حجم التضحيات الجسام التي قُدمت منذ إندلاع الثورة الأولى 1962/م وحتى عام 2020/ العام التاسع بعد الثورة الثالثة التي اندلعت في بداية عام 2011/ .
صحيح أن اليمنيين هم جزء أصيل أو مكون أساسي من أمه أو قومية قال عنها المفكر الكبير محمد جابر الانصاري في كتابه العرب والسياسية اين الخلل ( العربي يستطيع أن يهدم ما يريد لكنه لايستطيع أن يبني ما يريد ) إلا أنه مع هذه العمومية فيما يتعلق بالمشكلة التاريخية للعرب، فإن الجدير بالملاحظة التي تدعو للاستغراب تقول : أن المخاطر المتعلقة بمستقبل اليمن على وجه التحديد – كدولة ومجتمع وهوية إنتماء وحتى وحدة الجغرافية – أصبحت اليوم تفوق مخاطر أي قطر عربي آخر، مع العلم كما قلنا في البداية إن اليمنيين في خمسين عام فقط أقاموا ثلاث ثورات ووحده مشروطة بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، زد على ذلك قيام حركة تصحيحة في الشمال وأخرى في الجنوب قامتا قبل إعلان دولة الوحدة بهدف تصحيح مسار الثوره في الشطرين، وبعد كل هذه التضحيات الجسام والشلالات من الدماء لم تتحول اليمن بعد إلى وطن كريم بمقتضى فكرة التغيير الثورية بل على العكس من ذلك أصبحت اليمن عام 2020 في مهب الريح لا دولة بالمطلق ولا حتى سلطة شرعية ولا سيادة وطنية ولا هوية إنتماء للفكرة الجامعة ولا أمن ولا استقرار ولا أدنى شروط مقبولة لحياة كريمة تجعل منك إنسان في هذا البلد المنحوس بنخبه السياسية على الدوام .
ربما تكون مسألة التباعد في الأسفار مازالت دعوة مستجابة وسارية المفعول في حق الأجيال من اليمنيين ( ربنا باعد بين أسفارنا ) لكنها اليوم مع تغيير المطالب والأهداف أصبحت تتعلق بسفرنا نحو الوطن الذي أصبح بلا شك أبعد سفرً في تجربتنا التاريخية والسياسية، فكلما اقتربنا بفعلنا الثوري من نقطة الوصول أو من ( عبور المضيق على حد وصف دكتور ياسين ) أو كنا قاب قوسين أو أدنى من ذلك ننتكس ونعود القهقري إلى المربع الأول، ثم نزيد عليه في الإنتكاسة، ما يعني أننا في مسار الكفاح نحمل كل جيل أوزار من سبقوه من الأجيال وأوزار فشلنا في قيادة الثورة، وهذا بحد ذاته يعيق مسألة التراكم النوعي في مسار التغيير لصالح التراكم العددي في تشعبات المشكلة اليمنية .
في الماضي البعيد قال الإمام على لأصحابه = { أبعدكم سفراً من كان في طلب صديق يرضاه } وإذا جاز لنا أن نقتبس من هذا العلم نستطيع القول هنا إن = { أبعد اليمنيين سفراً من كان مناضلا ً في سبيل وطن يرضاه لهم } ربما هذا التباعد الطويل والمرهق في مسار الكفاح هو من يشكل على الدوام دافع لنا نحو التفكير بالثورة أو يجعل منها ضرورة ً حتمية نختصر من خلالها طريق الوطن الذي نحلم به، ومع ذلك نجد الثورة – مرةً تلو الآخرى – تتوقف بنا وبأحلامنا في أول خطوة نخطوها مع فكرة التغيير في واقع الناس ، بمعنى آخر في أحسن الأحوال تعمل الثورة على تغيير الوجوه لكنها تفشل في تغيير التوجه، والفشل في تغيير التوجه يخدم الحكام أو النخب التي استهدفتهم الثورة منذي قبل، واكثر من ذلك يحدث ما يشبه رد الإعتبار لهم والترحم عليهم، لأن الفشل في تغيير التوجه خصوصا عندما يكون على إثر فعل ثوري نجح في تغيير الوجوه، نجد هذا من جهة أولى يضاعف المعانات بين الناس هذا اذا لم يخلق تشعبات لم تكن في الحسبان كما هو الحال في اليمن، وهو ما يدفع البسطاء ممن عاشوا الحدث إلى الكفر بفكرة الثورة، دون أن يهمهم الحديث في أسباب ومسببات فشل التغيير، وكأن لسان حالهم يقول : ماكان يجب أن نثور من الأساس على حاكمنا !
ربما هذا ما دفع العلماء في الماضي إلى الفتوى بعدم جواز الخروج على الحاكم وإن “جلد ظهرك أو أخذ مالك” خصوصا وأن الخروج يومها كان يأتي بما هو أسوأ ، أو بمنكر أكبر مما كان قبل الخروج، ومن جهة ثانية فإن فشل الثورة في تغيير التوجه تجعل من الشباب القادمين بعد عشرين أو ثلاثين سنة غير معفين من مشقة التفكير بالثورة والقيام بها بموجب فاتورة التضحيات التي قدمها الأولين، فلسان الحال يقول إن واقع الإنسان لم يتغير لهذا تتناسخ الثورات من داخلها ويكثر فيها التضحيات الجسام، ومع ذلك تظل كل ثورة قابلة لتصحيح مسارها من اول يوم، ما يعني في النتيجة النهائية أنه قد حان الوقت لكي نعترف جميعاً بأننا خلال خمسة عقود أنتجنا قوى ونخب وأحزاب قادرة على تفجير ثورات تسقط الوجوه الحاكمة أو الظالمة، لكننا جميعاً لم ننجح في إنتاج قوى أو نخب أو أحزاب قادرة على تغيير التوجه لهذا نعيش ما نحن فيه اليوم، وسوف نستمر مالم نقف ونعتكف على دراسة وتحليل وتفكيك مشكلة التغيير في اليمن، خصوصا وقد أصبحت عصية على فعل الثورات المتكررة .
عندما تفشل الثورات في تغيير واقع الإنسان فإنه لا يبقى لهذا الأخير في وجه الإحباط سوى الاحتفال بذكري ثورة لم يعد مشروعها الثوري ناظم لحياته أو مؤسساً لمستقبل أبناءه كما هو الحال في اليمن .
شخصياً انتابني هذا الشعور ليلة إيقاد الشعلة في مدينة تعز بذكرى ثورة ال26/ من سبتمبر 1962/م، فبعد 58 عام من الإحتفال بالذكرى نعود اليوم إلى نقطة البداية !!! .
2020/10/4