المواطن/ تعز
تعيش محافظة تعز حالة غليان شعبي واحتقان أجتماعي كبيرين بسبب استمرار الحرب، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتراجع قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، واستمرار حالة الانفلات الأمني وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقد شهد الشارع التعزي خلال شهر سبتمبر 2020م حركة احتجاج نشطة اتخذت أشكال مختلفة: مظاهرات, مسيرات, وقفات, وتنديدات…إلخ, غلب عليها الطابع الشعبي العفوي.
وفيما يلي إحاطة بأهم القضايا التي برزت وتفاعل معها الشارع التعزي:
القضية الأولى: تدهور قيمة العملة الوطنية والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات:
احتلت هذه القضية صدارة الاحتجاجات الجماهيرية؛ نظراً لما تمثله من تهديد كبير ومباشر على معيشة الناس وقوتهم اليومي، في ظل التراجع المطرد لقيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وتزايد أسعار السلع والخدمات بصورة غير مسبوقة، وتردي الأوضاع الاقتصادية بوجه عام.
وقد نُظّمت مظاهرات جماهيرية ووقفات احتجاجية عديدة يمكن إيجازها على النحو الآتي:
1- تظاهرة شعبية غاضبة في 1 سبتمبر 2020م، قام فيها المتظاهرون بإغلاق عدداً من محلات الصرافة احتجاجاً على تدهور قيمة العملة الوطنية، حيث بلغ سعر صرف الدولار الامريكي 830 ريال يمني، فيما تجاوز سعر صرف الريال السعودي حاجز الـ 220 ريال يمني.
2- تظاهرة شعبية يوم 5 سبتمبر 2020م دعا إليها شباب الرقابة المجتمعية -وهو مكون شبابي يضم مجموعة من الشباب الناشطين في تعز- نددت بتردي الوضع المعيشي وانهيار العملة الوطنية.
3- تظاهرة شعبية غاضبة يوم 12 سبتمبر 2020م، عبّر فيها المتظاهرون عن غضبهم إزاء استمرار تدهور الوضع المعيشي، وقد شهدت المظاهرة قيام أحد موظفي فرع المؤسسة العامة للمسالخ وأسواق اللحوم بإحراق ثيابه احتجاجًا على الوضع الاقتصادي المتردي وعدم صرف مرتبات موظفي المؤسسة منذ أكثر من عام.
تكشف هذه الاحتجاجات عن تنامي الغضب الشعبي إزاء الوضع المتدهور، وهو ما ينذر بانفجار اجتماعي وشيك في حال استمرار الوضع بنفس الوتيرة القائمة، واستمرار تنصل الحكومة الشرعية عن واجباتها في إنقاذ الملايين من أبناء الشعب اليمني من شبح المجاعة المحققة.
إن الاوضاع المتدهورة تقف ورائها جملة من الأسباب، غير أن الحرب تعد السبب الجذري والأبرز، فليس بخافٍ على أحد أن الحرب تحولت إلى وسيلة للإثراء للبعض فيما يمكن وصفه بالاقتصاد السياسي للحرب، حيث مثلت السوق السوداء للوقود, والمتاجرة بالسلاح، وأعمال التهريب للسلع بين مناطق سيطرة طرفي النزاع, وخصخصة الكهرباء والتعليم، وتحصيل الموارد المالية بطرق غير قانونية وفرض جبايات على المحلات التجارية ووسائل نقل البضائع، والمضاربات وغسيل الأموال أهم الأدوات التي اعتمد عليها هوامير الفساد وتجار الحرب في مراكمة ثرواتهم.
لقد تكاثرت محلات الصرافة في مدينة تعز كالفطر في ظل انهيار المنظومة النقدية الحكومية وسيطرة السوق السوداء على القطاع المالي والمصرفي، وانتشار الفساد، يحدث هذا في ظل تقاعس الحكومة الشرعية وعدم قيامها بأي إجراءات جادة للحد من انهيار سعر العملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
القضية الثانية: عدم انتظام دفع أجور عمال وموظفي القطاع الحكومي:
للعام الخامس على التوالي، يعاني عمال وموظفو القطاع الحكومي من عدم انتظام دفع أجورهم الشهرية، حيث تتأخر عملية الصرف لمدة ثلاثة أشهر أو تزيد قليلًا عن ذلك، فيما موظفو بعض المؤسسات المركزية محرمون من استلام أجورهم منذ عام ونيّف.
وكالعادة تتحجج الحكومة الشرعية بأزمة السيولة النقدية، فيما يرى مراقبون أن أعمال الفساد, وعدم كفاءة الجهاز المالي الحكومي، وتحصيل الموارد خارج أقنيتها القانونية، وتقاضي كبار مسؤولي الدولة -غالبيتهم يعيشون خارج البلاد- أجور ومكافآت مجزية وبالعملة الاجنبية، تعد الأسباب المباشرة وراء عجز الحكومة عن دفع أجور عمال وموظفي الدولة.
الجدير بالذكر أن قطاع عمال وموظفي الدولة يشكل نسبة كبيرة من إجمالي القوى العاملة في المحافظة، إذ يربو تعداده عن 60 ألف عامل وموظف، وفي الأصل يتقاضى هؤلاء أجورًا زهيدة لا تفي بالحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية لهم ولأسرهم.
لقد خلقت أزمة عدم انتظام دفع الأجور آثار مدمرة وضعت مئات الآلاف من أبناء تعز والملايين من اليمنيين في عموم المحافظات أمام شبح المجاعة، فضلًا عما أنتجته من مشكلات اجتماعية كارتفاع نسبة الطلاق والعنف المنزلي والتفكك الأسري وتزايد نسبة التسول ونسبة المصابين بالأمراض النفسية والعصبية.
وقد نُظّمت العديد من المسيرات والوقفات المطالبة بانتظام دفع أجور عمال وموظفي القطاع الحكومي، ومن أبرزها:
1- تظاهرة غاضبة لعمال وموظفي الدولة في 24 أغسطس للمطالبة بصرف أجورهم المتأخرة، ونددت التظاهرة التي نظمها مجلس تنسيق النقابات ومنظمات المجتمع المدني (متين) بلامبالاة الحكومة الشرعية تجاه معاناة عمال وموظفي محافظة تعز.
2- نظم تكتل نقابات تعز -وهو كيان نقابي تم الاعلان عنه في فبراير 2020م و يضم 32 نقابة- مسيرة نددت بما آلت إليه الأوضاع المعيشية والإنسانية المزرية في عموم اليمن وفي تعز بوجه خاص. وقد صدر عن المسيرة بيان حمّل كلًا من الانقلاب والحكومة الشرعية والتحالف العربي مسؤولية تردي الأوضاع.
القضية الثالثة: ارتفاع رسوم الدراسة الجامعية:
برزت الاحتجاجات الطلابية المنددة بارتفاع رسوم الدراسة الجامعية على خلفية قيام المجلس الأعلى للجامعات الأهلية بإصدار قرار برفع رسوم الدارسة الجامعية في الجامعات الأهلية، وقد تظاهر المئات من الطلاب في 20 أغسطس، وفي 10 سبتمبر 2020م، منددين بما وصفوه “القرار المجحف” الذي جاء في ظل الظروف المعيشية الصعبة وتردي الأوضاع الإقتصادية في البلاد، ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة الاحتجاجات الطلابية خلال الأيام القادمة.
القضية الرابعة: استهداف الانقلابيين لتعز وسكانها المدنيين:
مع حلول الذكرى الـ5 لانقلاب 21 سبتمبر الأسود، ارتفعت وتيرة استهداف المدنيين من قِبل الانقلابيين، حيث أقدم الانقلابيون خلال أيام 21 و22 و25 سبتمبر على قصف الأحياء السكنية شرقي مدينة تعز بقذائف الدبابات نتج عنها سقوط ضحايا مدنيين من بينهم امرأة حامل في شهرها التاسع، يأتي هذا الاستهداف بعد أيام قليلة على استهداف آخر طال مركز مديرية المسراخ بصواريخ كاتيوشا.
ويمعن الانقلابيون منذ 6 سنوات في استهداف الأحياء السكنية المكتظة بالسكان المدنيين بمختلف أنواع الأسلحة وأعمال القنص، والتي كان آخرها حادثة استهداف الطفلة رويدا برصاصة في رأسها أثناء ما كانت تجلب الماء منتصف الشهر الماضي، واستهداف المواطنة سبأ عبده صالح (23 عاماً) في 17 سبتمبر في منطقة صالة وغيرها في ظل استمرار الحصار المطبق على سكان مدينة تعز منذ 5 سنوات ونصف.
القضية الخامسة: الاختلالات الأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان:
استرعت هذه القضية اهتمام وتفاعل المواطنين في مدينة تعز، فقد خرجت مسيرات ونظمت وقفات احتجاجية، كان من أبرزها:
1- تظاهرة شعبية في 1 سبتمبر 2020م نددت بجريمة قتل المواطن محمد علي مهدي على يد مسلحين ينتسبون للجيش الوطني قاموا باحتلال منزله الكائن في مدينة النور غرب مدينة تعز.
2- تظاهرة للعشرات من المواطنين في 7 سبتمبر 2020م طالبت بإغلاق مستشفى الحكمة “مستشفى خاص” على خلفية وقوع خطأ طبي تسبب بوفاة الطفلة لمى هزبر، وقد حمّل المتظاهرون ادارة المستشفى وكادره الطبي مسؤولية وفاة الطفلة.
3- وقفة احتجاجية لطلاب وطالبات جامعة تعز في 16 سبتمبر 2020م للتنديد بجريمة قتل الطالب الجامعي أصيل عبدالحكيم الجبزي نجل رئيس عمليات اللواء 35 مدرع والتمثيل بجثته.
4- تظاهرة في مدينة النشمة مركز مديرية المعافر في 20 سبتمبر 2020م للتنديد بجريمة القتل الوحشي التي طالت الشاب أصيل عبدالحكيم الجبزي، وطالب المحتجون، بتسليم كافة المتهمين بجريمة القتل الوحشي لأصيل الجبزي للنيابة الجزائية المتخصصة في مكافحة الإرهاب.
5- صدور بيان عن قطاع اشتراكي جامعة التربة في 22 سبتمبر ندد بقيام إدارة الجامعة بمنع وقفة تضامنية مع الطالب أصيل عبدالحكيم الجبزي التي كان من المقرر إقامتها في الجامعة.
6- تظاهرة شعبية في 20 سبتمبر 2020م نددت بجريمة قتل رجل الأعمال محمود الزوقري.
وشهدت مدينة تعز وبعض مديرياتها الريفية العشرات من وقائع الاختلالات الأمنية وانتهاكات لحقوق الإنسان من بينها استهداف القاضي عصام عبدالله الصبري في 20 سبتمبر الجاري، واقتحام بعض المنازل منها منزل الدكتور عبدالقادر الجنيد في 21 سبتمبر، واستمرار نهب الأراضي وعقارات الدولة والممتلكات الخاصة، وكذا استمرار المظاهر المسلحة في الشوارع والأسواق مما يتسبب في حدوث اشتباكات واطلاق عشوائي للنار ينجم عنه في الغالب سقوط ضحايا من المدنيين وعلى وجه الخصوص من النساء والاطفال. وأيضاً انفجار عبوة ناسفة في 5 سبتمبر 2020م بمدخل سوق القات في حي الاجينات وسط المدينة أوقعت 3 من الجرحى المدنيين, وقد انفجرت العبوة وقت الظهيرة في ذروة ازدحام السوق بمرتاديه بعد أن زرعت بالقرب من طقم عسكري تابع لمحور تعز.
بالإضافة إلى وقوع اشتباكات مسلحة مساء 26 سبتمبر في جولة سنان وسط المدينة بين عصابات مسلحة نجم عنها سقوط ضحايا وأضرار مادية جسيمة وحالة خوف وهلع في اوساط السكان.
تأتي هذه الحوادث والانتهاكات في ظل تقاعس السلطات الحكومية عن اتخاذ تدابير جادة للحد منها، وهو ما يثير علامات استفهام كبيرة، سيما وأن الكثير من هذه الحوادث والانتهاكات تمر دون محاسبة حقيقية لمرتكبيها الذين ينتسبون في الغالب لمؤسستي الأمن والجيش.
القضية السادسة: طريق هيجة العبد “الشريان الوحيد لمحافظة تعز”:
تعد طريق هيجة العبد -وهي منحدر جبلي لولبي شديد الوعورة يصل ارتفاعه إلى 3 آلاف متر عن سطح البحر ويقع جنوب غرب محافظة تعز- الشريان الوحيد الذي يغذي محافظة تعز ويمد سكانها بالسلع ومتطلبات الحياة, إذ يربط محافظة تعز بمحافظتي لحج وعدن، وقد لجأ السكان المحليون لاستخدام هذا الطريق منذ أكثر من 5 سنوات بعد أن قامت ميليشيات الانقلاب بإغلاق الطريق الرئيسي “جولة القصر ومنطقة الحوبان”.
ومؤخراً تعرض هذا الطريق لانهيارات صخرية وأضرار كبيرة ناجمة عن تدفق سيول الأمطار أدت إلى اغلاقه في وجه المسافرين والمركبات.
وقد تظاهر المئات من المواطنين في 12 سبتمبر 2020م للمطالبة بإصلاح طريق هيجة العبد، منددين بغياب دور الحكومة الشرعية والسلطة المحلية بالمحافظة في إصلاح الطريق الرئيسي الرابط بين محافظات تعز وعدن ولحج.
فيما نظمت حملة جسد واحد (مبادرة شبابية)حملة إلكترونية في 21 سبتمبر 2020م، للمطالبة بإنقاذ طريق هيجة العبد.
ونفذ المئات من المواطنين في 23 سبتمبر 2020م سلسلة بشرية في طريق هيجة العبد، وندد المحتجون بلامبالاة السلطة المحلية في محافظة تعز، وعدم قيامها بمسؤولياتها تجاه طريق هيجة العبد الشريان الوحيد لمدينة تعز.
القضية السابعة: مبادرات سياسية وفعاليات حزبية:
على صعيد آخر، شهد شهر سبتمبر العديد من الفعاليات الحزبية والجماهيرية وصدور مواقف ومبادرات سياسية كان أبرزها مبادرة اشتراكي تعز التي صدرت في 9 سبتمبر الجاري، وقدمت معالجات للإشكالية القائمة في مديريات ريف تعز الجنوبي (المعافر، المواسط، الشمايتين)، وقد لاقت المبادرة أصداء واسعة من مختلف القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والشخصيات، وهو ما يحتاج إلى العمل عليها وتحويلها إلى واقع ملموس.
وبالنسبة للفعاليات الجماهيرية، فقد نظمت منظمة الحزب بالمحافظة وبالاشتراك مع منظمتي الحزب بمديرية صبر الموادم ومديرية المسراخ في 29 أغسطس 2020م في منطقة كحلان ــ مديرية صبر الموادم, فعالية تأبين للفقيدين المناضلين: محمد قائد مقبل وسعيد أحمد علي، وقد عكست الفعالية تفاعل واهتمام كبيرين من قبل منظمتي الحزب في المديريتين المذكورتين، وعززت من الروح المعنوية لمناضلي الحزب وأعضائه وأنصاره في المنطقة.
وشهدت مدينة تعز وبعض المديريات احتفالات كرنفالية بالتزامن مع حلول الذكرى الـ58 لثورة 26 سبتمبر الخالدة، حيث تم ايقاد شعلة الثورة ليلة 25 سبتمبر 2020 في شارع جمال وسط مدينة تعز وفي مراكز مديريتي: المواسط والشمايتين, كما نظمت السلطة المحلية احتفالاً كرنفالياً صبيحة 26 سبتمبر، شارك فيه الآلاف من أبناء تعز الذين عبروا عن تمسكهم الثابت بأهداف الثورة السبتمبرية المجيدة، مؤكدين على السير في درب الشهداء والمناضلين والدفاع عن المبادئ الجمهورية والقيم الحداثية والتعددية والمواطنة المتساوية وبناء الدولة الاتحادية الديمقراطية الحديثة.
إعداد فريق عمل الدائرة الجماهيرية بمنظمة اشتراكي تعز 26 سبتمبر 2020م