المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
منذ اندلاع ثورتا (سبتمبر وأكتوبر) في مطلع الستينيات من القرن الماضي وحتى العام التاسع بعد ثورة 11 فبراير 2011/ ( الثورة الثالثة )؛ نجد الثابت والمستمر في التجربة السياسية اليمنية أن العقل السياسي للنخب الحاكمة وحتى للقوى السياسية والحزبية الفاعلة مازال يدير المشهد السياسي والسلطوي بذهنية إستبدادية وبمنطق الإستقطاب السياسي اللذان يؤسسان “تلقائياً” في الواقع لوجود سلطة سياسية مفخخة وممانعة في نفس الوقت لصيرورة التحول السياسي والمدني إلى دولة وطنية ، ناهيك عن استحالة بناء دولة مدنية حديثة في هكذا مجال سياسي عام ينتمي ثقافياً وممارساتياً إلى ماقبل المفهوم السياسي والثقافي للفكرة الوطنية.
معضلة العقل السياسي للنخب الحاكمة سياسياً وحزبياً في اليمن لا تكمن في ممارساتها للإستقطاب السياسي الحاد واللا وطني بكل أشكاله ، ولا في تأسيس سلطة مفخخة نتيجة لهذا الإستقطاب فحسب؛ بل في المآلات الحتمية من اجتماع هذا وذاك وتحويل مخرجاتهما السمجة إلى مواجهات سياسية عامة ، فاعلة ومتحكمة في مسار الأحداث وفي المشهد السياسي برمته ، ما يعني في النتيجة أن إدارة الشأن السياسي بهكذا اعتمالات سياسية مناقضة ومعارضة لما هو وطني ومدني سوف يؤدي بلاشك على المدى القريب أو البعيد إلى ــ تقليص مساحة المجال السياسي العام ــ وبشكل يؤدي حتماً إلى إفاضة كأس المشكل والإحتقان في المجال السياسي إلى المجال الإجتماعي وحتى الثقافي وهذا ما حدث ويحدث بشكل مستمر في اليمن.
فالعقل السياسي للنخب السياسية والحزبية الحاكمة في اليمن منذ ثورة سبتمبر وأكتوبر لم يفشل في مسألة البناء على المستوى السياسي والوطني فحسب؛ بل إن اعتمالاته السياسية وأخطائه المتكررة كانت سبباً رئيسياً في تفخيخ المجال الإجتماعي وحتى الثقافي المنسجمان والمتحدان وفق أحكام الجغرافية والتأريخ = { انقسام إجتماعي + تشظي في مسألة الإنتماء للهوية الوطنية الجامعة كما هو قائم الآن } وتلك نتائج غالباً ما تتحقق في واقع الشعوب عندما تبتلى هذه الأخيرة بنخب سياسية وقيادات حزبية تتعاطى مع الفكرة السياسة ومع الأحداث السياسية والمنعطفات التأريخية بعقل سياسي رعوي وسلطوي يعاني من القطيعية الثقافية والمعرفية مع الفكر السياسي الإنساني ، ومع القيم المدينة والوطنية التعايشية ، لذلك ليس بمستغرب علينا أن نشاهد أحزابنا السياسية ونخبنا الحاكمة – حتى في حال تعرض الوطن للإنكسار لحد التلاشي والضياع – ماتزال هذه النخب تفكر بالسلطة وتمارس في سبيل الوصول إليها فعل الإستقطاب السياسي الذي يؤسس لوجود سلطة مفخخة لاسيما ــ في بنيتها العسكرية ــ كما هو الحال في تعز وعدن ، بل أكثر من ذلك نجد هذه النخب تدير جل معاركها السياسية بين مكوناتها ومع الآخرين برأس سياسي بمنتهى الصغر ، وكأنها غير مؤهلة لمواجهة معارك سياسية كبرى ، ناهيك عن خوض معركة سياسية وعسكرية مناطاً بها اليوم تحويل اليمن إلى وطن والسلطة إلى دولة بكل أبعادها الوطنية والمدنية !!!