المواطن/ كتابات- فهمي محمد
إذا كان وجود الدولة المؤسسية كحالة سياسية عامه تمثل بديل حضاري لمفهوم السلطة ، فإن الوعي بفكرة الدولة نفسها قد بلور مفهوم المواطنة على المستوي الإجتماعي والثقافي وبشكل جعل المجتمع قادراً على مواصلة زخمه السياسي الذي أدى بطبيعة الحال إلى ظهور مؤسسات المجتمع المدني لاسيما ظاهرت الأحزاب السياسية التي أصبحت منذ ثلاثة قرون ادوات تغيير فاعلة تعبر عن المصالح المشروعة،
كل هذه التحولات في حركة التاريخ والجماعة جعلت الاحزاب السياسية كمكونات تنظيمية ترتبط بدور وظيفي يتعلق بمستقبل الشعوب بما تحملة من مشروعات سياسية حداثية تعد الجماهير بالخلاص وبالمستقبل الافضل .
المشروعات الحزبية بكونها تعبر عن توجهات وحتى برامج مختلفة داخل الهوية الوطنية الواحدة لن تكون ذا قيمة عليا على المستوى الفكري والثقافي ولن تكون ناجعة في كل إعتمالاتها التنافسية داخل الوسط الاجتماعي إلا في ظل وجود دولة ضامنة على المستوى السياسي، لأن الدولة كسلطة عليا وحدها تكون قادره أن تقدم نفسها حالة ضامنة لوجود الأنا والآخر سياسياً وحزبياً وحتى فكرياً وثقافيا داخل المجتمع الواحد .
ولكي تتنافس المشاريع الحزبية المختلفة على خدمة المجتمع وتتمكن في نفس الوقت من استخدام ادوات سياسية سلمية تعمل على تموضع التدافع السياسي العقلاني المتقاطع مع ادوات العنف وثقافته ، يجب ان يؤسس النظام السياسي في الدولة ، والنظام المعرفي والثقافي في المجتمع علي قيم الحرية والتعددية والتسامح بالمفهوم الواسع الذي عرفه فولتير بقوله لخصمه الفكري ” أختلف معاك في كل ماتقوله ولكني مستعد ان ادفع حياتي ثمن لكي تقول رأيك ” وحتى فيما يتعلق بالمخيال السياسي للمكونات السياسية والاجتماعية يجب تكريس وتفعيل القيم الوطنية على حساب الهويات الجزئية التي تعيق عملية الصيرورة الوطنية، وتلك مهمة نضالية تاريخية وشاقة للأحزاب السياسية لاسيما في المجتمعات التقليدية كما هو الحال في اليمن .
إذاً الاحزاب السياسية تاريخيا وفلسفيا من حيث دورها النضالي ومشروعاتها السياسية أرتبطت منذ الأساس بأربع حالات أو معطيات سياسية و إجتماعية، تعد من جهة أولى غايات أو اهداف نضالية تبرر وجودها السياسي، ومن جهة ثانية تعد تلك المعطيات في حال وجودها عوامل موضوعية تؤدى إلى نجاعة العمل الحزبي في مسار التغيير .
1- الحالة السياسية التي تعني ممارسة العمل السياسي بهدف تحقيق المجال السياسي العام والمفتوح وليس المغلق، والمفتوح يعني قابلية المجال السياسي على إستيعاب الجميع في حركتهم المختلفة والمتنافسة ، وهذا يتحقق عندما تمارس المكونات الحزبية دورها داخل فضاء السياسة وليس خارجها
2- حالة وجود الدولة حين تجاوزت مفهوم السلطة كإمتياز شخصي وانتقلت في نفس الوقت إلى ما بعد مفهوم الدولة الوطنية أي إلى مفهوم الدولة المدنية التى أصبحت حالة سياسية ضامنة وناظمة في نفس الوقت لكل المشروعات السياسية المتنافسة حزبياً، بمعنى آخر نستطيع ان نسميها هنا ” بالدولة المحايدة سياسيا فيما يتعلق بالتنافس الحزبي على سلطتها .
3- حالة الوطنية التي تتجاوز أحكام الجغرافية التي دائماً ما تقدم مفهومات ومسميات مناطقية وجهوية وقبلية للإنسان داخل وسطه الاجتماعي وبشكل يتقاطع مع مفهوم الهوية الوطنية ، فالمشكل في وجود هذه المسميات أنها في كل الأحوال لا تملك مشروعات سياسية وطنية تتجاوز شحمة اذنها ={ المربع الجغرافي الذي تتموضع فيه تلك المسميات } بل تملك وعي سياسي سلبي يقوم على أساس التمترس عند حدود هذه الإنتماءات الجزئية وبشكل يدفع الآخر في كل الأحوال إلى ممارسة شيء من التمترس المقابل، وهو ما يؤدي إلى تفخيخ الهوية الوطنية الجامعة ، بمعنى آخر هذه المكونات في حال وجودها وقدرتها على ممارسة دورها الوظيفي بلاشك تتصارع وجودياً مع بعضها ولا تتنافس سياسياً داخل الوسط الاجتماعي، لأنها لا تقبل سلطة عليا فوقها إلا في حال أن تكون مجبرة على ذلك وهذا ما نشاهده في المجتمعات القبلية أو المذهبية أو الجهوية، عكس المكونات الحزبية التي تعد قابلة لعملية التنافس السياسي لكون وجودها الذاتي والعضوي يشكل منذ الأساس حالة وطنية صرفة ، فجميع أعضاء الحزب لا يتموضعون دائما في منطقة جغرافية معينة كما هو حال أبناء المذهب أو القبيلة أو حتى أبناء الجهة أو المنطقة ={ الجهويون والمناطقيون} بل على العكس من ذلك ينتشرون في ربوع الوطن بشكل عام حول فكرة أو قناعة ما ، وهذا ما يعني بالضرورة أن يكون خطاب الحزب هو خطاب سياسي وطني قادراً في نفس الوقت على استيعاب إنتشاره التنظيمي، الذي هو انتشار يتجاوز حدود القبيلة أو المنطقة، وحتى حدود الخطاب الديني المذهبي وهذا ما نقصده بقولنا أن الأحزاب تمثل حالة سياسية وطنية، كما أن صراعها السياسي لا يشكل خطر على الهوية الوطنية الجامعة، هذا على إعتبار أني هنا اتكلم عن الأحزاب التي تمارس دورها التاريخي والنضالي في ظل الفكرة السياسة والحزبية التى تُعرف الأحزاب بكونها مكونات سياسية وأدوات نضالية تتجاوز تلك المكونات التقليدية وفكرها الأحادي .
4- حالة المشروع السياسي أو البرنامج الذي يرتبط به اعضاء الحزاب على المستوى الإجتماعي في حركتهم السياسية نحو المستقبل داخل الفضاء الوطني، ولكي يكون هذا المشروع الحزبي مقبول ومؤهل لبناء المستقبل في أي مجتمع يجب ان يحمل قيم ومبادي وطنية تساهم في بلورة وعي وطني حداثي على المستوى الاجتماعي، ناهيك عن قدرت المشروع السياسي الحزبي على تمثل الشرائح الاجتماعية المتعددة على المستوى الوطني، بمعنى آخر لا يقصد من تمثيل الشرائح الاجتماعية المتعددة الإذكاء السياسي لتلك المكونات التقليدية، بل يعني العمل على صهر تلك المكونات التقليدية وأفكاره الأحادية وحتى خطابها الجهوي والمناطقي، في إطار ماهو وطني .
إذاً الاحزاب السياسية كادوات تاريخية معنية بالتغيير تستطيع أن تجد ذواتها المتعدد وتقوم بدورها الوظيفي كمشروعات متنافسة سلميا نحو السلطة ، عندما تمارس دورها داخل فضاء السياسة وفي ظل وجود دولة وفي واقع سياسي واجتماعي تحكمه القيم الوطنية والمدنية كصيرورة ثقافية ومعرفية ،
اما المجتمعات التي لم تعرف بعد هذه الصيرورة السياسية والثقافية والاجتماعية كما هو واقع المجتمع في اليمن ، فأن على الاحزاب أولاً ان تقوم بدور نضالي كادوات سياسية صارمة هدفها صناعة التحولات التاريخية في واقع المجتمع بغية تحقيق القابلية الناجعة لممارست العمل الحزبي والمدني في الواقع الاجتماعي، والعمل بغير ذلك يعني بقاء المكونات التقليدية قادرة على ممارسة دورها خارج فضاء السياسية وبشكل يعيق مسألة بناء الدولة .