المواطن/ كتابات_ فهمي محمد
من المؤكد أن مشكلتنا تتركز الى حد كبير بعد قدرتنا على التعاطي مع السياسية كمفهوم مدني وكقيم ثقافية ومعرفية مناط بها احتواء مشاكل المجتمع وتناقضاته التى تعد في الأساس سنه من سنن الاجتماع البشري أو قل من سنن الخالق في خلقه .
ليس المقصود فيما سبق أننا لم نمارس الفعل السياسي ، بل المقصود أننا لم نمارس هذا الفعل بشكل واعي للقيم السياسية ولمفهوم السياسية بكونها فلسفة مدنية قادرة على إنتاج الحلول للمشكلة الاجتماعية بما في ذلك صراع المكونات الاجتماعية والسياسية على السلطة والحكم ،
بمعنى آخر أننا منذو السقيفة وحتى اليوم نمارس الفعل السياسي بدون وعي سياسي أو بدون وعي بالسياسة وبمألآتها واحكامها ، لهذا السبب لم تتحول السياسة في تجربتنا التاريخية الى علم ومعرفة وثقافة ، بل لم تمارس كفكرة حية ومدنية ولم يتم تأصيلها أو حتى العمل بها كقيمة ثقافية مستقله بذاتها .
فالسياسة إما أن تمارس من وراء حجاب شرعي و تتخذ من الخطاب الديني محرم شرعي يرافق حضورها المتخفي والموأطر دائما بما هو متعالي ومقدس ، أو أن تتحر من ماهو متعالي ومقدس ولكنها تمارس خارج سياقها المدني وخارج قنواتها المشروعة ، لذلك لا غرابة أن يقول المفكر محمد جابر الانصاري ( كل شي في حياتنا العربية مسيس إلى السياسية ) وهو محق في ذلك فالسياسة هي الشئ الوحيد الذي لم يتم تسيسها ولم يتم التعاطي معها في واقعنا العربي بشكل جدي .
من المفارقة العجيبة أن السؤال السياسي في تاريخنا العربي والإسلامي نجح في تأسيس فرق دينية وعقائدية ومذاهب وحتى أحزاب دينية تتقاتل حتى اليوم من أجل السلطة والحكم ، لكن هذا السؤال السياسي لم ينجح حتى اليوم في تأسيس ثقافة سياسية مدنية ، ولا حتى مجال سياسي عام تتموضع فيه السياسية على شاكلتها ، وفي المقابل فإننا في تجربتنا التاريخية انتجنا حضارة اتسعت الى خارج حدود الجغرافية العربية لكننا فشلنا في إنتاج نظام سياسي وفي تأسيس دولة ضامنة تستوعب هذا الاتساع الحضاري ، بل أننا في قمة عطائنا الحضاري كنا نتصدع من الداخل على المستوى السياسي وبشكل متسارع حتى بدأ ( الجسم الحضاري الكبير يدار برأس سياسي بمنتهى الصغر ) فكانت النتيجة سقوط هذا الجسم الحضاري .
الفعل السياسي الواعي للفكرة السياسية وللمفهوم السياسي المدني وبعد صراع طويل من أجل تحرير السياسة من هيمنة الدين والسلطان نجح في حل مشكة المجتمع الأوروبي فتم تأسيس الدولة التى أتت في الأساس كحل جذري لمشكلة السلطة لاسيما بعد أن ذاق المجتمع الأوروبي ذرعاً بمغامرات الحكام وسلطانهم المطلق ، كما نجح هذا الفعل السياسي في خطوة ثانية في تأسيس نظام سياسي ديمقراطي تعددي أتى في الأساس كحل لمشكلة الاحتقان الاجتماعي والسياسي ، لاسيما بعد أن شهد المجتمع نشوء مكونات وأحزاب سياسية تملك مشروعات وتفكر في الوصول إلى السلطة ، فأصبح الوصول إلى كرسي السلطة يتم عن طريق عد الرؤوس بدلاً من قطعها .
بهذا التحول تم تأسيس المجال السياسي العام الغير محتكر ، والقادر في نفس الوقت على إستيعاب حركة المجتمع واختلافاته ، لكن هذا النجاح لم يكن ليحدث لو أن المجتمع الأوروبي فشل في تحرير السياسة من هيمنة الدين والسلطان أو فشل في التعاطي معها على أساس أنها قيم وافكار مدنية تتعلق بالاجتماع الإنساني الذي يمثل في نفس الوقت مصدراً وحيد لها .
بيت القصيد أننا اليوم وفي اليمن نخوض معركة الدولة بشكل منفصل تماماً عن معركة تأسيس السياسة وآية ذلك أننا نحشد في معركتنا هذه مكونات وحتى قيادات تمارس الفعل السياسي بشكل يعيق حضور السياسة او يؤسس لثقافة سياسية مستقلة بذاتها !!!.