المواطن/ كتابات _ عيبان محمد السامعي
المحور الثالث: عقبات على الطريق:
هذا المحور مكرس لتناول قضايا ومشكلات الحركة العمالية, وقبل الولوج إلى صلب الموضوع, من المفيد إعطاء صورة بانورامية للتوزيع الديمغرافي للقوى العاملة وتركيبها الاجتماعي.
(ج_ 1) التركيب الاجتماعي للقوى العاملة اليمنية:
وفقاً لآخر إحصائية رسمية[85], يبلغ عدد السكان في سن العمل (من عمر 15 فأكثر) (13.4) مليون نسمة, ويشكلون نسبة (48%) من إجمالي عدد السكان البالغ (28) مليوناً.
ويشكل الذكور نسبة (50.8%) من مجموع القوى العاملة, في حين تشكل النساء نسبة (49.2%).
وعلى الرغم من هذه النسب المرتفعة إلا أن نسبة المشاركة في قوة العمل لا تتجاوز (36.3%), نسبة مشاركة الرجال (65.8%), و(6%) فقط للنساء.
ويشكل العاملون بأجر نسبة (70%), (30%) منهم يعملون في القطاع الحكومي, والباقون يعملون في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي.
ويتوزعون على مختلف الأنشطة الاقتصادية, كما يلي:
عمال الصناعة (البروليتاريا الصناعية): ويشكلون نسبة (14.5%) من إجمالي القوة العاملة.
عمال الزراعة: ويشكلون نسبة (29.2%), وهؤلاء يتألفون من قسمين: القسم الأول: العاملون بأجر (بروليتاريا فلاحية) ويعملون في المزارع الكبيرة المملوكة للرأسماليين وإقطاعيين, ويتركز هؤلاء بدرجة أساسية في المحافظات والمناطق الزراعية في تهامة وحجة وإب وصعدة وعمران والمحويت وذمار وأبين وحضرموت.
والقسم الثاني: فلاحين كادحين, يعملون لحسابهم في ملكيات صغيرة مملوكة لهم أو مستأجرة.
عمال الخدمات والتجارة: ونسبتهم (55.6%), ويتألفون من قسمين: القسم الأول العاملون بأجر (بروليتاريا رمادية), والقسم الآخر عمالاً يعملون لصالح أنفسهم في القطاع الهامشي وتجارة التجزئة.
(ج_2) قضايا ومشكلات الحركة العمالية اليمنية:
البطالة:
البطالة ظاهرة إشكالية.. وتبدأ إشكاليتها في التحديد المفاهيمي وفي طرق احتساب مؤشراتها مروراً بتفسيرها وانتهاءً بوضع تصورات لمعالجتها.
فعلى مستوى التحديد المفاهيمي يجري اختزال “البطالة” في صورة البطالة السافرة, أي وجود أفراد قادرين على العمل ويرغبون فيه ويبحثون عنه ولكن لا يحصلون عليه.
يستثني هذا التعريف أولئك الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه وكانوا يبحثون عنه ووصلوا إلى حالة يأس, وهؤلاء يشكّلون نسبة لا يستهان بها من المعطلين.
كما يستثني أشكال أخرى من البطالة مثل: البطالة الجزئية, والبطالة الموسمية, والبطالة المقنعة, وغيرها, والقاسم المشترك لهذه الأشكال البطالية, يتمثل في هدر المورد البشري بما يجعله عاجز عن تحقيق مستوى انتاجية يتناسب مع قدراته واحتياجاته.
وعلى مستوى احتساب مؤشرات البطالة: تقوم الاحصائيات الرسمية على احتساب نسبة البطالة ــ في الغالب الأعم ــ كنسبة عدد العاطلين إلى مجموع قوة العمل مضروباً في (100).
وهذه الطريقة تعطي نتائج مضللة, ولا تعكس الواقع الفعلي, ذلك أنها لا تأخذ بعين الاعتبار عدد الأفراد المعطلين في لحظة زمنية معينة, والأفراد الذي يعانوا حالة البطالة الموسمية أو المقنعة, وأولئك الأفراد المعطلين قسراً, ونعني بهم أولئك الذين جرى تسريحهم من أعمالهم قسراً لأسباب سياسية أو لغيرها من الأسباب.
أما على مستوى تفسير ظاهرة البطالة, ففي العادة يتم إرجاعها إلى العوامل والأسباب الآتية:
ارتفاع معدلات النمو السكاني.
الهجرة من الريف إلى المدينة.
عدم مواءمة سياسة التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل.
ويتم صرف النظر عن العامل البنيوي المولد للبطالة, المتمثل في النهج الليبرالي الذي تتبعه الدولة في إدارة الثروة والاقتصاد. وما ينبثق عنه من سياسات الخصخصة, , والتخلي عن القطاع العام, والاعتماد على المصادر الريعية (النفط والغاز والنشاط العقاري والمصرفي) في تمويل الميزانية العامة للدولة, وتهميش الصناعة والزراعة كنشاطات إنتاجية, والانفتاح غير المنضبط للاستثمار الأجنبي, ناهيك عن تسيس الوظيفة العامة واستخدامها في شراء الولاءات وبناء شبكات مصالح زبونية تخدم الطبقة الحاكمة وتؤمن شروط استمرارها.
وتعد البطالة من أكثر المشكلات التي تمس الطبقة العاملة ومجموع الكادحين, نظراً لما يترتب عليها من هدر للمورد البشري, وشعور بالحرمان والمعاناة, واتساع رقعة الفقر المدقع, لاسيما مع انعدام التأمين الاجتماعي ضد البطالة, الأمر الذي يخلق بيئة خصبة لانتشار العنف والتطرف والانحراف والجريمة في المجتمع.
وإذا تحدثنا بلغة الأرقام, فقد وصلت نسبة البطالة عام 2014م إلى (66.17%).[86]
واستمرت في التصاعد بعد ذلك, ووصلت إلى (90%) مع ظروف الحرب الجارية وفق تقارير صحفية.
إن التغيرات التي طرأت على ظاهرة البطالة في العقدين الأخيرين, أنها لم تعد تنحصر في العمال غير المهرة أو غير المتعلمين بل اتسع نطاقها, وباتت تطال العمال المؤهلين, بل حتى حملة الشهادات العليا!
هذا عن الوجه السافر/ المرئي للبطالة, فماذا عن وجهها اللامرئي؟؟
البطالة ليست مجرد مشكلة يعاني منها المتعطلون وحسب, بل هي خلل بنيوي وهيكلي في النظام الاقتصادي ذاته.
يمثل الاقتصاد الهامشي أو “القطاع غير الرسمي”, صورة غير مرئية للبطالة. وآية ذلك أن هذا القطاع يضم جيشاً هائلاً من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية والمدارس الثانوية وغير المتعلمين والذين أعيتهم الحيلة عن الحصول على عمل فاضطروا لممارسة بعض المهن لتأمين لقمة العيش.
ويتوزع هؤلاء في قطاع البناء والتشييد, وقطاع الخدمات, وفي التجارة, وفي معامل الإنتاج الصغير والورش الحرفية, ويعملون في المهن التالية: أعمال البناء, والنظافة, والحدادة, والنجارة, والخياطة, والسمكرة وإصلاح السيارات, وصيانة المعدات, والسباكة, والكهرباء, ويعملون نادلين في الفنادق والمطاعم والمتنزهات, وفي مجال التجارة: محاسبين وموزعين وباعة, وفي مجال النقل: سائقو مركبات نقل البضائع, وسائقو مركبات الأجرة, وحمالين, وفي مجال الزراعة: عمال باليومية, وفي مجال الاصطياد: صيادون.. إلخ. وقسم آخر يعمل كـ باعة جائلين.
يعمل عمال القطاع غير الرسمي في ظل ظروف وشروط عمل قاسية, يمكن إيضاحها بالصورة الآتية:
لا توجد جهة تدير هذا القطاع, لا الدولة ولا القطاع الخاص. لذا لا توجد قوانين ولا لوائح تنظم علاقة العمل بين العمال وبين صاحب العمل.
لا توجد عقود عمل مكتوبة بين العامل وصاحب العمل إلا فيما ندر, ويتم الاكتفاء باتفاق شفوي حول الأجرة بين العامل وصاحب العمل.
لا يتمتع العامل بأي حماية قانونية ولا بتأمين اجتماعي ولا بتأمين صحي ولا يحصل على التعويض المادي العادل في حال إصابته أثناء العمل.
في حال وقعت خلافات بين العامل وصاحب العمل, يتعرض العامل للطرد والفصل التعسفي من العمل, وأحياناً يحرم من أجوره اليومية أو الشهرية المتفق عليها (شفوياً في الغالب) مع رب العمل!
غياب أدنى شروط السلامة المهنية والصحية والجسدية.
يمارس عمال القطاع غير الرسمي أعمالاً شاقة ولساعات طويلة تتراوح ما بين (9 – 13) ساعة يومياً, يكدون طوال ساعات النهار وقِطعٍ من الليل, ولا يحظون بأوقات فراغ ولا أوقات راحة سوى النزر اليسير.
لا يحظون بالإجازات الرسمية (عدا يوم الجمعة) ولا بإجازات مرضية كما يحظى بها عمال القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. بل الأنكى من ذلك يحرمون من إجازة يومهم العالمي 1 مايو/ أيار الذي يعد مناسبة عمالية عالمية وإجازة لكل العمال في الأرض قاطبة!
لا يحصلون على خدمات المعاش التقاعدي بعد بلوغهم سن التقاعد.
يعيش غالبيتهم في مساكن رديئة التهوية, في بدرومات أو محلات ضيقة يتكدسون فيها مثل تكدس أعواد في علبة ثقاب! تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية. ليس ذلك وحسب, بل قسم منهم ينامون في أماكن العمل في الورش بجوار الآلات المعدنية والأتربة والقاذورات, ويتعرضون طوال الوقت للأدخنة العادمة ولروائح المواد الدهنية والطلاء, التي تسبب أمراض خطيرة مثل: السرطان والفشل الكلوي وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الجهاز الهضمي.
المحظوظون منهم يعيشون مع أسرهم في مساكن صغيرة لا تتعدى غرفتين ضيقتين في أحياء فقيرة ومكتظة بالسكان ذات بيئة صحية وخدمية سيئة للغاية, تفتقر للصرف الصحي ولا تتوفر فيها المياه النقية.
يجبرون على العمل في ظل هذه الظروف القاسية بهدف تأمين لقمة العيش لأسرهم (غالبيتها من الأسر الممتدة!) التي تتصف بارتفاع معدلات الخصوبة وارتفاع معدلات الإعالة بين أفرادها.
أجورهم في تدهور مستمر, ويعيشون في حالة كفاف, ويجدون صعوبة كبيرة في تأمين الاحتياجات الأساسية للمعيشة, وتعليم أطفالهم, وغالباً ما يضطرون إلى إلحاق أطفالهم بالعمل في سن مبكرة ليساهموا في تأمين دخل إضافي للأسرة حتى تتمكن من مواجهة متطلبات العيش.
مشتتون, وغير منظمين, ويجهلون حقوقهم, ولا توجد نقابات عمالية تهتم بقضاياهم.
رغم أن نسبة لا يستهان بها من هؤلاء العمال يعملون لحسابهم الخاص, لكنهم أيضاً يمثلون وجه آخر للبطالة, فالكثير من العمال العاطلين من حاملي الشهادات وخلافهم من الأميين والذين لم يجدوا عملاً يضطروا إلى اقتراض قروض ميسرة لإنشاء مشاريع صغيرة وأصغر, كفتح محل تجاري صغير أو شراء سيارة أجرة أو دراجة نارية أو عمل كشك أو بسطة لبيع مواد غذائية وأدوات استهلاكية لتأمين لقمة العيش.
الهوامش والإحالات:
[85] مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية 2013 – 2014م, الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع منظمة العمل الدولية, 2015م.
[86] ينظر: نفسه.