المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
وفيما يتمظهر الصنف الثالث لحالة التزاوج غير الشرعي الهجيني الذي ميز أنظمة الاستبداد والاستحواذ في الجمع بين ممارسة المسئولية الحكومية وممارسة التجارة, أو الجمع بين المسئولية الحكومية والزعامة القبلية والتجارة, فإن هذا يعد أخطرها؛ ليس لكونه يؤلف بين أكثر من سلطة وامتياز فحسب, بل لأنه يخلق مصالح طفيلية نفعية تستحوذ على ثروات الشعب, وتعمق من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وتمنع الناس من التعامل المباشر مع الدولة, فالزعامات القبيلية تصبح هي الواسطة بين المجتمع المحلي ومؤسسات الدولة مما يتيح لهم لعب أدوار سياسية من خارج مؤسسات الدولة, كاللجان التحكيمية على سبيل المثال.(د.عادل الشرجبي, مرجع سابق) عندها يجري التقويض الشامل للدولة كمفهوم ومعنى رمزي يستحضره الناس حين تلم بهم الحاجة إلى كيان وطني يحتضنهم ويحقق لهم الأمان والعدالة. كما يجري تقويض أدوات الدولة أكانت أدوات سياسية, أم اقتصادية, أم اجتماعية, أم نظم إدارية وقوانين وثقافة تكرس من قيمة الهوية الجامعة, والانصياع للقانون, والالتزام باللوائح, وإعلاء من شأن قيم العمل والتحفيز للإنتاج والإبداع.
ويبرز تحدي آخر أمام تحقيق التنمية السياسية بمفهومها الشامل, ألا وهو تدني الوعي السياسي في الأوساط الشعبية, والفهم الزائف له في الأوساط النخبوية, فضلاً عن حالة عامة من فقدان الثقة بالعمل السياسي وجدوى أدواته مما ينتج غياباً للمبادرات الذاتية والديمقراطية التشاركية. ويعود سبب ذلك لعوامل كثيرة لعل أهمها: افتقاد النظام السياسي للشرعية الشعبية وعدم توفر حالة من الرضا العام, وتحايله على العملية الديمقراطية والسياسية, وكذا تقادم أدوات العمل السياسي واختلالات تعتور خطابات المنظومة السياسية, بالإضافة إلى التردي الاقتصادي الذي أصاب حياة المواطن وأجبره في كثير من الأحيان على أن يغادر مواقع كان يتواجد فيها بفعالية, إلا أنها أصبحت مع الأيام بفعل سوء الوضع المعيشي مواقع ثانوية هامشية بالنسبة لأولوياته, مقدماً في ذلك مهمة البحث عن لقمة العيش وتأمين أسرته من مخاطر الجوع.
كما لا يغيب عن بالنا تداعيات الثقافة العولمية, ووعودها الزائفة التي تهدف إلى تعميم ثقافة الاستهلاك التجاري, والانغماس في براثن الاستلاب والانهزامية والتحليق بعيداً عن الواقعية واستشعار المخاطر المحدقة.
وحديثنا عن أزمة المشاركة السياسية سيأخذ أبعاد أخرى, فعلى مستوى أدواتها غالباً ما انحصرت في المشاركة بالعملية الانتخابية ورغم ما يشوب هذه العملية من اختلالات وقصور, من حيث طبيعة النظام الانتخابي الذي لا يعكس حقيقية مستوى التمثيل الشعبي, ولا يحقق التنوع المطلوب في جوهر العملية السياسية إذ غالباً ما كانت العملية الانتخابية تعيد إنتاج شخوص السلطة بأساليب مختلفة اتساقاً مع حاجة النظام للاستفراد والاستئثار, ناهيك عن محدودية نسبة المقيدين في السجل الانتخابي من نسبة من يحق لهم التصويت.
أما ما يتصل بالمشاركة النوعية في العملية السياسية, فلا تزال المرأة اليمنية تحرم في كثير من الحالات من النشاط في المجال العام لأسباب اجتماعية وثقافية وسياسية يطول الحديث عنها, وفي الحالات القليلة التي تمارس المرأة حقها في المشاركة في العملية الانتخابية فإنها غالباً ما تحضر كصوت انتخابي لا أكثر من ذلك. وينسحب الوضع على فئات اجتماعية أخرى, فالشباب لا يزال يقود حالة نضالية من أجل أن يحظى بموقع يتناسب مع حجم تواجده ضمن الكتلة السكانية وفعاليته في الحياة. وعلى الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت حراكاً شبابياً واسعاً تجلى ذلك في تفجر ثورة عارمة في 11 فبراير من العام 2011م والتي أسقطت نظام الاستبداد والفساد, حيث كان الشباب يمثلون طليعتها الأولى ووقودها الأنقى, كما كان ولا يزال للشباب الدور الجوهري في تفجر الاحتجاجات الشعبية التي قادها الحراك السلمي الجنوبي وشملت المحافظات الجنوبية منذ يونيو 2007م وما سبق هذا التاريخ من إرهاصات سياسية واجتماعية.
ويجدر بنا في مختتم هذه التناولة العجلى, أن نتعرض لواقع الأحزاب والتنظيمات السياسية ودور منظمات المجتمع المدني في التنمية السياسية. فعلى الرغم من أن التعددية السياسية والحزبية وحرية العمل المدني مكفولة في الدستور والتشريعات المصاحبة, إلا أن هذه العملية لا تزال متخلفة عن السياق الاجتماعي واعتمالاته. فواقع الحال يقول بأن الأحزاب والتنظيمات السياسية تعاني من هشاشة في أبنيتها التنظيمية, وعدم مقدرتها على استيعاب حاجة قواعدها إلى التجديد ناهيك عن الحاجات المختلفة للمجتمع, وفيما تعاني من ضعف في تصورتها البرامجية, فإنها لا تزال حبيسة إشكالات في حياتها الداخلية تتعلق بغياب الديمقراطية الداخلية ومستوى الأداء السياسي والتنظيمي, وصلاتها بجماهيرها ووسائطها التواصلية مع الناس. في حين أن حال منظمات المجتمع المدني ليس بأفضل منها, فهي تفتقد للبناء المؤسسي والوظيفي, كما يفتقر القائمين عليها الكفاءة المطلوبة وتغلب على أنشطتها الجانب السياسي, ويغيب دورها في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على أهميته. ويؤخذ على هذه المنظمات أن غاية ما تتوخاه هو العوائد المادية والحصول على المنح والدعم الخارجي, في حين أنها لا تمتلك رؤية حقيقية للتعامل مع حاجات المجتمع وأولوياته في التمكين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.