المواطن/ خاص – حسان ياسر
دمرت الحرب الدائرة منذ مايقارب 4 أعوام أحلام وحقوق الملايين من اليمنيين وجعلت من البعض مشرّدين ومعنفين وعنيفين.
على أرصفة شوارع مدينة تعز تشاهد أرواح منهكة من أوجاع الحرب ،وفي خطوط التماس هناك حكايات أخرى ليست مألوفة.
* أحمد مبخوت: الكلاب ثروتي الوحيدة من هذه الحرب
انطلقت أول رصاصة للحرب منذ مايقارب أربعة أعوام والحاج أحمد مبخوت مقرفصاً كعادته في حراج للعمال جوار سوق عصيفرة قابضاً على أدوات الحفريات الخاصة به، في انتظار شخص ما يبحث عن عامل.
المحلات أغلقت أبوابها ،الأسر تتوالى بالنزوح ،سوق عصيفرة الذي يشهد اكتظاظاً غير عادياً بالبشر طيلة ساعات النهار ، غابت عنه حركة الناس تدريجياُ حتى تلاشت تماماً ، كونه أصبح في حدود منطقة التماس بين أطراف النزاع،فيما الحاج مبخوت ظل مداوماً في الخروج كل صباح قابضاً على أدوات عمله إلى الشارع الرئيسي غير عابئاً بما يحدث ، لا يوجد لديه منزلاً آخر يلجأ إليه ، سوى صندقة صغيره داخل سوق عصيفرة .
أحمد مبخوت ذو ال 62 عامآ احد ابناء محافظة إب (وسط اليمن) يقول ” بينما القذائف والرصاص تنهال على أحياء منطقة عصيفرة من قبل مسلحي جماعة الحوثي في محاولة للسيطرة على السوق ، وأثناء ماكنت استظل جانب أحد المباني في الشارع الرئيسي من خطر القذائف ،جاء إلي أحد قادة المقاومة في المدينة وهو يشاهد أدوات الحفر الخاصة بي قائلاً لي (نحتاجك للعمل معنا في حفر الخنادق الأرضية داخل السوق لحمايتنا من الرصاص” الأمر الذي أسعدني كثيراً ،لقد أعطاني الأكل والماء وبعدها أوصلني إلى منطقة العمل داخل السوق وبدأت بمهمة حفر الخنادق.
أوضح أحمد أنه ” قضى 3 أعوام من الحرب في العمل داخل الخنادق والأنفاق بالأجر اليومي وفي أكثر من مكان في ظل اشتداد المعارك ودوي الانفجارات وأزيز الرصاص وضجيج المدافع، تعرض خلالها لإصابة بشظايا في الصدر وتم اسعافه الى المستشفى واخضاعه للعلاج لفترة وجيزة ومن ثم عاود للعمل في مهمته .
وتابع ” أثناء ما كنت أعمل في حفر احد الخنادق خلال منتصف العام 2017 قدم إلي كلباً يعرج مصاباً بشظايا وينزف كثيراً من إحدى يديه ومباشرة أقدم على قضم غطاء قنينة الماء الخاصة بي ،لقد بلغ فيه العطش ذروته، فما كان مني إلا أن جرعته الماء وبعدها استلقى على الأرض ،فقمت مباشرة بربط جرحه لإيقاف النزيف بينما كان يتوجع الماً بصوت مبحوح.
لم يفارقني هذا الكلب المصاب إلى حد اللحظة، لقد أطلقت عليه اسم صامد ،كونه لم يفارق الحياة رغم تعرضه لأكثر من إصابة متوزعة على جسده ،إنه أخرس لن يسبق أن سمعته يصدر نباحاً سوى ذلك الصوت المبحوح الذي كان يصدره في اليومين الأولين من اصابته وبعدها اختفى صوته تماماً ، ربما، لقد جعلني أحب الكلاب كثيرا لوفائه وذكاءه أيضاً ، فعندما يشعر بالخطر أو يشاهد شيئاً أو شخصاً غريباً ،بينما أكون نائماً يوقظني من النوم بلمسي في يدي، لذا قمت بتجميع عشرات الكلاب وإعطائهم بقايا الأكل وكذلك توفير ماء الشرب وفتح أحد دكاكين السوق جواري مسكناً دائماً لهم وهم حالياً في تكاثر مستمر .
وأضاف ” أعمال حفريات الخنادق خفت كثيرآ ، لذا قمت بشراء عربية أذهب بها إلى وسط المدينة ظهيرة كل يوم برفقة حارسي الشخصي صامد الذي يرفض أن يفارقني لحظة واحدة من أجل جلب بقايا جلود وأرجل الدجاج والمواشي من المسالخ واعطائها لأصدقائي الكلاب المتواجدين داخل السوق ،كجزء من حقوقهم ، إنهم ثروتي الوحيدة التي اكتسبتها خلال هذه الحرب” .
وأضاف” كنت أتقاول العمل في حفر الخنادق وكان يدر عليا دخلا لا بأس به،وقبل عام طالبت بمنحي رقمآ عسكريآ ضمن قوات الجيش المساند للشرعية ولا زالت المعاملة جارية،فيما تم منحي قطعة سلاح اداوم حاليآ في أحد المتارس داخل السوق ، واقوم بواجبي اتجاه أصدقائي هؤلاء، مشيرآ إلى الكلاب .
أحمد مبخوت وحيدآ لا يوجد لديه عائلة،يقطن خط التماس داخل سوق عصيفرة في غرفة صغيرة مفتوحة تملأها القمامة، برفقة قطً جميلاً ناصع البياض ، وفي الخارج يتواجد كلباً أعرج يعتلي كرسياً حديدياً مطل على نبات “المشقُر” ذو رائحة عطرية ترمز إلى المحبة والتعايش في مدينة “الثقافة والسلام”.
* حسن : اتعبتنا الحرب.. متى سيعود كل شخص إلى عمله ؟
في الجهة المقابلة يقطن مشرد أخر إسمه حسن في الخمسينات من عمره، أحد أهالي محافظة إب أيضآ أوجز حديثه بقوله ” كانت لدي بوفية للشاي والوجبات السريعة داخل سوق عصيفرة، وعندما جاءت الحرب اضطررنا إلى إيقاف العمل، ولأنه لا يوجد لدي منزل آخر الجأ اليه، لم أغادر السوق رغم المواجهات الضارية منذ بداية الحرب”
وأضاف ” استخدم حاليآ براد الشاي الذي سبق أن عملت به قبل الحرب، لإصلاح الشاي كل صباح ومساء مستخدمآ الكراتين والحطب لإشعال النار واتقاسم الأكل مع أفراد الموقع العسكري.
واختتم حسن حديثه متسائلآ ” تعبنا بما فيه الكفاية، متى ستنتهي هذه الحرب من أجل أن يعود كل شخص إلى عمله؟!”