المواطن/ كتابات – علي عبدالفتاح
الإهداء إلى حزبنا إذ يعمم وضوح باذيب المنقطع النظير, وأثره في فتح السُبل أمام نضاله التفصيلي المنظومي الواضح.
إن الملك العضوض غريب كليُّ عن القرآن الكريم وسنن النبي صلى الله عليه وسلم الأكيدة وغريبٌ كالحٌ في سيطرة الطلقاء ومعظمهم من سادة قريش ومترفيها لاسيما المنافقين منهم وعلى رأسهم أبي سفيان الذي مات مشركاً في صف المشركين والكافرين المحاربين بالسيف والرمح والنبال ضد الاسلام مع استثناء سيدنا معاوية رضي الله عنه وهو الصحابي بعامة وكاتب الوحي وناشر الإسلام على صعيد دولي.
إن ذلك كله أي توطد الملك العضوض كان الأساس العام لانتشار الأحاديث الموضوعة وتخريجات الدواوين العضوضية واختلاقات التأويلات فضلاً عن اختلافات التفسيرات فحركة استغلال واستثمار واستخدام جهود الفلاحين وسائر المستضعفين ومصالحهم المتفاوتة في اتجاه الانتقال التدريجي فالمتكامل إلى داخل الهوية الامبراطورية القائمة على إقطاعية الدولة والمجتمع وذلك دون نجاح تام أو نهائي بسبب الاصطدام بعنفوانية نور القرآن أو الاسلام الصحيح الذي لم ولن ينطفئ بمشيئة الله وكذلك أيضاً بسبب الحروب والردود الدينية الاسلامية ــ الاسلامية وتفجّر الطاقات الروحية الجهادية الرافضة, إنه نضال وجهاد بسطاء وفقراء الاسلام ومن ثمّ عبر فرق المتكلمين المرتبطة بنشوء الجماعات والتيارات السياسية الفكرية العلنية والسرية بل المقاتلة بل الظهور الممتد التالي للتفكير النظري الفلسفي النقدي المستعيدة والمضيفة إلى التراث البشري التاريخي الذي ساهم في وضع بذور الإحياء الأوروبي فنشوء النهضة البشرية بعامة.
ثم إن المجرى المعاصر للكفاح والجهاد الديني بعامة والاسلامي بخاصة غير المخدوعة بالنشاط القاسي المستتر أو الأحابيل الاستخبارية المحلية أو الدولية قد ولد ويولد شيئاً فشيئاً ما يشبه الإحياء الاسلامي الباكر واشتراطاته وكذلك الإحياء العام النقدي للتراث الاسلامي العظيم الخالد نفسه الذي ينبغي علينا جميعاً قرائته بتمعن لاسيما الأجيال الصاعدة فيما تبرز أجنة أولية لحركة لاهوت التحرير الجهادي في الاتجاه للاستنهاض الحضاري لا العكس حيث لاهوت الاقطاع ولاهوت المشبوهين المتأثرين بالبيوتات المالية المحلية والدولية المترفة المراوحة أو الفاسدة وهو أي لاهوت التحرير الحضاري لن يكون إلا مسنوداً من سائر المنتجين المستضعفين اللجب وذلك بسبب الانتشار السياسي الاجتماعي الجماهيري للحركة السياسية الاسلامية لاسيما راهناً وصعوداً وأثره في تعضيد التعاطي السياسي بوجه أو بجوهر اجتماعي متدرج داخل الوعي الحادث القائم على وعي المصلحة المباشرة للمسلم المفقر فحركة الاحساس نعم الاحساس السياسي الطبقي المعيشي في الظروف الافقارية الجارية المستمرة والمتزايدة وانعكاساً متوقعاً لافرازات طابع التدافع الحثيث والتعارض الحاد.
هذا وفي الظروف التاريخية المعاصرة بل الراهنة حيث تتفتح جلياً وبوضوح كافي وقائع السياسة كعكسٍ للوقائع الطبقية في كل مكان وحيث كان الجهاد الاسلامي في معظم تبلوراته جهاداً للمفقرين إذا استثنينا بعض الغطاء الفوقي الخادع له واستثنينا بعض القيادات الواجهات ــ النافذة, أكان يتم ذلك إبان التمويلات المشبوهة للتجنحات العشائرية السلطوية لبقايا النظم الاقطاعية سابقاً أو تدخلات الاستخبارات الاطلسية للاحتكارات في هذا المسار المأساوي الكارثي الذي ارتد عليها وعلى النظم في ظروف التوضح الراهن الناشئ للاستراتيجية الاسلامية فتكتيكاتها في الوقت الذي تواجه فيه تلك الأنظمة تطورات بنيوية كبرى مفعلة بل وانتاجية شاملة لضمان ارتباطها ومواكبتها لبنية راهنية العصر المتداخل المتشابك كونياً فقطرياً أولاً ولما بعد النفط أو رخص قيمته السوقية ثانياً وفي ظروف الضرورة القصوى لاستخدامه الرشيد ذي العائد الأكبر داخل مجال الانتاج حيث إبداع المنتجات النوعية الجديدة المدهشة والمهولة العائد والإفادة للبشرية وذلك من خاماته ومشتقاته ثالثاً, ومع المنافسات الجارية للطاقات البديلة غير النقية والنقية كبقايا الفحم وكالطاقة الذرية والنووية المستدامة فالشمسية الوليدة الشديدة التعمم والمستدامة أيضاً فالطاقات الكامنة المستدامة الأخريات الزاخرة من حركة الأنهار والبحار والمحيطات والرياح خامساً.
إن المضمون الجوهري للتطورات الجديدة داخل راهنية العصر في خضم تخثرات السياسة والأيديولوجيا والأخلاق بسبب مستوى تجذر الأزمة النهائية المزمنة للاحتكارات لا يمكن إلا أن يكون لصالح الشعوب التي تفترض الاصطفاف الوطني الأعرض الدافع إلى جدية المسؤولين وجدية التأهيل التفكيري المنهجي الكفوء الواضح لهؤلاء المسئولين المرتبطين بصفاء الجدية وهمتها التأثيرية التغييرية لا بالفهلوة أو التذاكي الأعمى.
لذلك أدعو الجميع إلى الحوار على أساس مخرجات الحوار الوطني وتثبيت الدستور التوافقي وما قد يبرز من مستجدات راهنة حيث بالتحديد أدعو إلى الحوار الاشتراكي ـــ الاسلامي الكثيف العميق المرتبط بحاضر ومستقبل الوطن داخل راهنية العصر القائم على نضج بنيتها القارة عند مستوى صيرورتها وتحولاتها الجارية في الوقت الذي يعني ذلك الامكانيات المفتوحة للحوار الحر مع السلطة أكان من أجل أشكال التنسيق التنموي الذي يجمع بين التنمية الطوعية من أسفل مع النشاط التنفيذي التنموي السلطوي من أعلى أو من تجسيد أشكال التحالفات الجبهوية السلطوية مع هذا الفصيل أو هذه القوى أو هذه الشخصية فالإئتلافات الحرة الناشئة هنا أو هناك إلخ إلخ.. في الوقت الذي يقف فيه حزبنا بنَفس عمالي أو شعبي استراتيجي كمعارضة ثابتة بمبادئ وشعارات سياسية بسيطة واضحة تصل إلى كل الجماهير في كل مكان وقائمة على أولوية الحرية وتوسعها من أجل النظافة الأكيدة للملعب الديمقراطي المُهيئ للتحرك من أجل النضال الاشتراكي العلمي الانتخابي الطوعي القائم على مزيد من تعمّق الحرية لا الدكتاتورية الثورية إلا في وجه أي تبلورات ديكتاتورية انقلابية استبدادية دموية من أي نوع أو شكل وذلك من أجل استعادة الدستور التوافقي وتثبيته الراسخ النهائي القائم على منطلقات تجسيده الفعلي في اتجاه منطقه النهائي بعد تاريخ طويل فالاختيارات الدستورية التوافقية الجديدة الحرة والمطلقة للمواطنين.
وعليه وإلى جانب النشاط اليومي المشترك للجبهة الأعرض بين أوساط جماهير الشعب في كل مكان فإن على المتعلمين جميعاً تحمل مسئولياتهم تجاه استنهاض الشعب مسنودين من الثورات الاعلامية الحرة راهناً… يقول المناضل (فتاح) (ستظل الكلمة ركيكة المعنى إذا لم تكن من أجل الشعب).. نعم إن كل المواقف ومجموع السلوك ومجموع اليراع إذا لم يكن من أجل الشعب فإنه ركيك أو سيرك مستنفذاً على أن الشعب ليس كوادر الأحزاب أو قواعدها فحسب أو نخب معينة أو حتى الشرائح العمالية الناشئة في المدن اليمنية فحسب والمتبلورة تاريخياً قبلاً في عدن فحسب أو حتى الممثلين التقليديين لمفهوم الشعب في العالم الاقطاعي القديم أو في المرحلة الانتقالية ألا وهم الفلاحين فحسب بل هم أيضاً إلى جانب هؤلاء المقومات الأصيلة الأصلية لحقيقة الشعب هم الغالبية الديموغرافية ــ السكانية الكاسحة حيث لا خصوم لهم إلا في السلطات العسكرية المستبدة وحلفائها وركائزها الطبقية المحدودة وإلا أيضاً في السلطات المراوحة التي ترتد وبالاً وإعاقة على ولمصالح الشعب مثل التكنوقراط الأعلى المضيِّعة لفاعلية الشعب وزمكانه الجديد وخساسية البيروقراطية المدنية والعسكرية اللاهيتين بل الفاسدتين وبقايا رموز الاقطاع الطائفي والفاسد المغلوط وأثر مثل هذا الائتلاف السلبي بل الكارثي في فرض الرؤى المغلوطة في سائر المجالات بما في ذلك في التربية والاعلام وبالتالي فرض الفهلوية الناسخة للفوضى الخلاقة والعياذ بالله.
وهكذا شيئاً فشيئاً ورويداً رويداً تتضح حقيقة الشعب باعتباره صانع مجمل حياة ووقائع وأحداث التاريخ بمثل ما هو الآن يمارس وسيمارس بفاعلية كقوة أولى واللوبي الأعلى والأكبر ضداً من مراوحة السلطات في اتجاه الآفاق لذلك بني وطني كان عبدالله عبدالرزاق باذيب وهو الشيوعي الأول أي (العمالي الخالد) الممثل الأبرز للوطنية الحقة والنموذج العضوي لحقيقة مفهوم الشعب المعاصر القادر على ربط الأقوال بالأفعال ربطاً عضوياً جدلياً تاماً والمرتبط بالجديد والأجد على صعيد الفكر. الأمر الذي ساعده وهو الكثير المتعمم راهناً على توثيق وترسيخ الترابط بين الأقوال والأفعال لا في القضايا المصيرية الاستراتيجية الكبيرة فحسب بل وفي الممارسة والسلوك اليومي.. نعم في جميع الأنشطة والفعل اليومي على كافة المستويات وفي كل الخيارات المعيشية الحياتية ــ العملية ــ الأخلاقية ــ المعرفية.
إن الشعب هو مصدر النضال الصبور المثابر بنفس عمالي استراتيجي صلب لباذيب إنه النضال المحسوس الملموس لباذيب حيث إن الشعب مصدر ومضمون مواقف ومحاضرات ويراع باذيب السياسي الرفيع والكاتب المبدع من 1948 و 1949م عندما كان لا يزال طالباً ملفتاً للنظر, وتعمقاً غزيراً عند ضحى 1951م فمادياً دياليكتيكاً وتاريخياً متعمقاً تطبيقياً متوجاً بالإعلان الصريح العلني الإعلامي بأن الاشتراكية عقيدته ومبرر حياته ورسالته 1953- 1954م من خلال وعبر الاستناد إلى المسار الموضوعي التراكمي وقائعاً وأحداثاً فمتغيرات تطورية جوهرية وتاريخية مؤسساً بذلك في الواقع اليمني جنوباً وشمالاً أسس النظرية الاشتراكية العلمية عموماً وعلى الصعيد السياسي العملي التطبيقي الدقيق المتابع بخاصة في مسار تأسيس التيار والاتجاه الاشتراكي العلمي فخلاياه التنظيمية الأولى 1955 – 1956م من أجل تأسيس أول تنظيم اشتراكي علمي وأممي لا يغفل الشروط والخصائص الوطنية والقومية بل واضع استراتيجياتها الثاقبة الصائبة وذلك في التاريخ الحديث والمعاصر لليمن, إنه اتحاد الشعب الديمقراطي أو منظمة رفاق السلفي توطئة للنضال المشترك فالالتحام النضالي مع الجبهة القومية رغم الاقصاء المتعمد المقصود لتنظيمه عن الاشتراك في تأسيس الجبهة القومية 1964م في الوقت الذي استدعي سائر الاتجاهات الانتهازية بل والعميلة بأوضاع ومناصب مغرية كبيرة في هذا التشكيل الجبهوي الكفاحي التحرري فأبى معظمهم حفاظاً على ودهم الكولونيالي وامتيازاتهم المرتبطة بذلك هذا وقد نجح باذيب في تأسيس حزب اتحاد الشعب الديمقراطي في الشمال عام 1969م بعد تأسيسات أولية له ساهم باذيب شخصياً فيه باكراً في تعز فالحديدة وصنعاء فتيارات متأثرة بمجرى نضاله المقنع المبرهن, ثم بعد ذلك برزت للباذيبية أشكال منذ الثلث الأول للستينات وهو ما احتوته الحركة الشوفينية على عكس تيارات الحديدة وصنعاء التي استمرت والتي استعصيت أمرها على الاحتواءات المختلفة فتأسيسات أولية للجمعيات الثقافية والنقابات كنقابة الصيقل على سبيل المثال لا الحصر والذي استمر طويلاً وكاتحاد الخريجين والأندية الرياضية والموسيقية والمجموعات الجنينية الهلامية الأولية للحزب الشعبي في تعز وربما في إب منذ ذلك الثلث الأول للستينات وهو ما احتوته الحركة الشوفينية في مدها التقدمي الثوري العارم وإلى حد كبير على عكس تيارات الحديدة وصنعاء التي استمرت دون ان تتبلور لكن المستعصية على الاحتواء متوافقة مع ارسال فتعزيز البعثات إلى الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية عبر صنعاء والقاهرة فتبلور الخلايا الأولية وصولاً إلى حزب اتحاد الشعب الديمقراطي في الشطر الناهض المتأخر حينها وذلك كله في خضم صراعات حادة واستراتيجيات بنيوية استعمارية اجنبية احتلالية متداخلة ممهدة للاستعمار الجديد في اتجاه تحطيم الاقتصاد الطبيعي اساس الاقتدار الاقتصاد الوطني إبان تطويرها وتطورها الحديث المرتبطة بنشوء استراتيجيات أممية معاضدة لها فاستراتيجيات قومية ثورية شوفينية حدية ومحلية تضايفية بل وتضليلية فهلوية تستهدف احتواء ونسف سيستم باذيب النضالي التراكمي والنوعي الاستراتيجي والحيلولة الجادة دون انتصار هذه الاستراتيجية وتراكماتها التكتيكية الحضارية الموضوعية الثاقبة والواضحة جداً تجاه كل القضايا بل والمعضلات وأبرزها ابتداءً الانتقال من الاقتصاد الطبيعي الكفافي لا تحطيمه واكتساحه لصالح الأجانب المستعمرين الجدد وفي اتجاه تنمية التعاون والدعوة الى الاصلاح الزراعي وتطوير الانتاج فتنمية وتوسيع الورش والمعامل الحرفية الوطنية والاندفاع نحو البناء التحديثي للبنية التحتية بالاستعانة بالأصدقاء بدون فوائد أو املاءات فالتصنيع الوطني وكان أبرز هذه القضايا على الاطلاق قضية الوحدة الديمقراطية السلمية للوطن اليمني أحد أبرز الأسباب والمبررات لنشوء هذا الحزب حزب اتحاد الشعب الديمقراطي وكمدخل يمني وطني وقطري للوحدة الديمقراطية العربية القومية.
على أن الاستقلال المجيد في الجنوب قد فتح السبل إلى تحقيق الوحدة على أن لا تكون وحدة استبدادية فورية اندماجية مباشرة لأن ذلك يفضى الى الانتكاسة كسائر التجارب القومية الشوفينية المارة العارضة ناهيك عن اليمن المتأخرة الأكثر تخلفاً ورواسبية فالانفصال المنظومي الأكثر والأكبر فداحةً وضرراً على وفي سائر المجالات بما في ذلك على المستوى الوجداني الاجتماعي الجماهيري وأثره في اتجاه معاداة حادة للوحدة ذاتها والإعلاء القذر والتفضيل الزميت للانفصال.
لذلك وضع باذيب برنامجاً بسيطاً متكاملاً متدرجاً لتحويل الأهداف الوطنية الكبرى كالوحدة الديمقراطية اليمنية إلى تجسيدات منهاجية ذي مضامين ثابتة مترسخة داعمة وهادية لإيمان الشعب كل الشعب بها كواقع وطني أفضل وأرحب بل وكمصير فمنطلق أكيد للارتقاء الشامل فالحضاري على طريق الوحدة الديمقراطية العربية الأكبر التي لا تتجاهل أبداً الخصوصيات الوطنية القطرية بل تعضيداً ثميناً غنياً ملموساً لها وللوطنية العربية القومية المنشودة المرتقبة الأرحب.
ويمكن تلخيص برنامج باذيب منذ البدء في أولوية التنسيقات الوطنية الشاملة بين الشطرين وترتيب برامج تنفيذية فاعلة تجسد القواسم المشتركة المدروسة في كافة المجالات بما في ذلك تنمية وترسيخ الانتاج ذي المنشأ الوطني كالزراعة والثروتين السمكية والحيوانية وفي الصناعة على وجه الخصوص فتقريب وتقارب وجهات النظر على قاعدة تلك الترتيبات التنفيذية وتطوير أسسها اليمني الواحد وتعميمها في اتجاه تطورات أخرى أرقى فأرقى انعكاساً لحراك الواقع المتغير المتحول. إلا أن جنوح الشمال في اتجاه التجميد الأصم لحركة الواقع ولو عارضاً مؤقتاً ثم الرد الفعلي الطفولي المغامر للجنوب على كافة الأصعدة ضداً منه قد فارق أكيداً بين الاشقاء اليمانيين وهو الأمر الذي حمل ويحمل باذيب مسؤولية المعارضة المبدئية النزيهة للطرفين كمدخل لانضاج وتثبيت المسار الموضوعي التراكمي فالديمقراطي لدى الشطرين الطرفين وصولاً إلى تعميم وتعميق الديمقراطية المعضدة للمضامين الاجتماعية الواقعية على درب تحقيق الوحدة الديمقراطية كمسار موضوعي يرسخ ويعمد الاقتدار الوطني في كل المستويات ابتداء من المسار الاقتصادي الانتاجي والخدمي وصولاَ إلى الازدهار الحر للثقافة فالتقدم التمدني الحضاري المثبت إلى الابد لللحمة الوطنية والقومية الديمقراطية المقدِسة والمقدرة للخصوصية في كل قطر والفاتحة لآفاقها التطورية كركائز صلبة للوطنية المتكونة والمفهومة كأرحب من القومية الأحادية المجردة ولو كانت هي الأساسية الرئيسية ولصالح الوطنية العربية القومية القائمة على خصوبة (وحدة التنوع) الشاملة والمتناسبة واقعياً مع التطورات الاقتصادية ــ الاجتماعية والتكنيكية والعلمية وقضايا الحريات الأساسية وتبلور وتفتح الهويات وتطورها المتحد عبر التعددية الديمقراطية السياسية والثقافية المنضبطة للدستور التوافقي وأثر كل ذلك في الخصوبة الملموسة للعروبة الجادة المستبصرة بل والجديدة المؤنسنة لا العكس حيث المراوحة المزمنة بل النكوص المرتد.
وهكذا كان نضال باذيب منذ البدايات مرتبطاً بأهداف نضالية استراتيجية ومضامين واقعية فاعلة وأفق منسجم متناغم رحب فحركة الاتضاح الراهن الشرعي عند الجميع لمزايا برنامجه فنضاله وخطته المتنفذة حتماً بمشيئة الله, أما شرعية مواقفه الاجتماعية السياسية الثقافية المتضحة شيئاً فشيئاً لدى الكوادر كوعي مملوس فمعظم الشعب كإحساسات فيعود ذلك إلى ما قبل الاستقلال بفترة نهوضه المشهودة ثم بعد الاستقلال ايضاً لمعارضته للصيغة الأولى لأزمة القيادات في الجبهة القومية ثم في أواسط السبعينات مع تنامي وتبلور أزمة القيادة الناجمة عن عدم دعم الواقع لبعض الاجراءات السياسية والتي اتضحت أكثر مع أواخر السبعينات وصعوداً في الوقت الذي اتضح ويتوضح أيضاً في الشمال في الفترة الأخيرة وصعوداً وأثر ذلك في عودة قيادة حزبنا الاشتراكي إلى باذيب والباذيبية عموماً وراهناً كرموز للنضال والسياسة والنظر ــ الاشتراكية الثاقبة الصائبة بحيث لم تنطفئ جذوتها واستمرارها الفعلية الاصيلة رغم استهداف سيستمه النضالي السياسي والمتراكم فالنوعي القائم على أساس كل من حركية الواقع الموضوعي والمنظم منذ 1961م و1969م لاسيما بعد الاستقلال المجيد عندما بدأت سلسلة جديدة لتنوير واحتواء هذا الخط النضالي الحقيقي الأصيل حتى أواخر السبعينات عندما تثبتت شرعيته المتزايدة الناجمة عن أصالته ووضوحه الثابتتين المجربتين وهو ما يحمل حزبنا الاشتراكي المسؤولية المباشرة في إحداث التعميم السريع النهائي له أو لها انعكاساً لتطلبات تطورات وتعقدات الواقع والأهمية القصوى للنقاء الايديولوجي السياسي الذي لا يغمط الجديد الملموس للتغيرات المادية الايجابية وأشكالها الفكرية المنطقية كالتلازم الكلاسيكي القديم المتقادم على الصعيد السياسي بين (الثوري ــ الليبرالي ــ المحافظ ــ الرجعي) باستثناء الفاشية والفاشست وذلك لصالح التضايفات الجدلية لتلك الوقائع المفاهيم كانعكاسات لوتائرها القائمة على مستوى ديناميكية الزمكان المتداخلة في كل بلد والمرتبطة بنضج البنية المنظومية الكونية البالغة التقدمية بل والصيرورية لاسيما داخل السيرورات بل الصيرورات الجارية بعد البيروستريكا.
وعلى خطى باذيب وفي الظروف البالغة المواتاة (الجديدة) ادعو وأسهم في تكريس حركة النضال الواسع بل والجهاد (الأكبر) على طريق المسار الموضوعي الحر التراكمي الذي توضح ويتوضح كثيراً للأحزاب المستندة إلى حراك الواقع المحسوس الملموس لا المجرد حيث أسهم مع من كرسوا نضالهم وحياتهم على أسس الوضوح التفصيلي المبدئي المنقطع النظير لباذيب وذلك إبان تكريس المسار الحر والاستمرار الثابت فيه إلى نهايته التنفيذية التجسيدية والمنطقية النافذة في اتجاه الانطلاق من مواضع الشعب العامل من عمال وفلاحين ومثقفين واضحين وصيادين وبروجوازية صغيرة وفئات وسطى جادة وطنية وعموم البروجوازية (الوطنية) ومنها البروجوازية الكبيرة (الوطنية) الخاضعة والمدافعة عن الدستور التوافقي وذلك من أجل نضال حزبنا وجماهيريته وعلى أساس تنمية وتثبيت وترسيخ الخط الاشتراكي العلمي الموضوعي المتحرك داخل ثنايا وقضايا الواقع المحسوس الملموس واقعاً وحقائقاً عنوداً فمتغيرات تطورية تطويرية لحزبنا الاشتراكي داخل كلٌ من عموم الشعب الدستوري والسلطة الجادة المتدافعتين في إطار المنافسة الحرة الدستورية في كل المجالات والمستويات من المستوى الانتاجي وتنمية الثروات وعلى مستوى الخدمات العامة والتجارة وغيرها وذلك إثر ومع نجاحات ترتيبات البنية التحتية ضماناً لسيرورة العمران وحركة التصنيع على طريق تعميم وانتصار الخط الاشتراكي العلمي في اليمن بعيداً عن التأميمات والمصادرات إلا على الخارجين عن الدستور التوافقي المدمرين للاقتصاد الوطني وسائر المكتسبات الوطنية التراكمية في كل القطاعات بما يحبط حركة المهددين للاستقرار الوطيد فالسلم الأهلي ارتهاناً للفوضى المشبوهة.
وعلى ضوء ذلك فإنني على طريق تجسيد عقيدة باذيب الاشتراكية أقف على خط اليسار المعارض مع من كرسوا حضورهم المعمم راهناً من اجل الاشتراكية الطوعية الانتخابية في وطننا اليمني مع الاحتفاظ المبدئي الجازم الحاسم بالتصورات الدقيقة أعلاه, لاسيما سياسياً في سلسلة مقالاتي (مقالات التطويرية هذه) حول أولويات الحرية المتضمنة في الدستور التوافقي غير القافز على حركة الواقع باسم الراديكالية الفورية الشاملة للاشتراكية والبناء الاشتراكي العفوي العشوائي عموماً في الوطن وبالتالي بعيداً عن الدكتاتورية الثورية إلا في حالات انبعاث الانقلابات والثورات المعاكسة ضداً من الدستور التوافقي لا من أجل تجسيده النافذ في بنية الواقع المتحرك إلى أمام.
وفي هذا المجرى أوفي بوعدي في توضيح خفايا حركة إعادة البناء الاشتراكية التي تعني فيما تعنيه إعادة البناء العالمية انقاذاً للبشرية من نتائج الأزمة المركبة الجذرية النهائية للأطلسي الذي فرض الوضع الشاذ بل المدمر للعالم إثر رفضه للانفراج ذلك لأن التناقض الحاد بين شطري العالم آنذاك والذي لا يقوم على القواسم المشتركة وهي موضوعية حتمية وبالتالي لا يقوم على أساس إطلاق الجدلية التطورية لعموم العالم وأثره في جمود مسار العديد من البلدان بما فيها في الغرب والطموحة بصفة عامة بما في ذلك أيضاً على بروز الركود النسبي للمنظومة الاشتراكية في الفترة الأخيرة بعامة والاتحاد السوفياتي بخاصة وذلك بني وطني لأن التناقض لا يقوم إلا على أساس (“وحدة” و”تدافع” ضدين) وإلا فإنه أي التناقض مقيد للصيرورات التطورية لسائر العالم فضلاً عن أضراره الطائشة الأساسية الرئيسية.
وعلى ذلك فإني أبدأ بذلك المقدمات المادية الاقتصادية الاجتماعية ــ التكنيكية للبيروسترويكا على النحو التالي:
انتقال الاشتراكية من الانتصار التوتاليتاري التام إلى الاشتراكية المتطورة ودلالات هذه الأخيرة في تفتح الفردية الجديدة القائمة على الجماعية التضامنية الحرة لا الجتمعه المقيتة وأثر ذلك في إمكانية تجاوز البيروقراطية الشمولية (التوتاليتارية) المفضية إلى امكانية انتصار الديمقراطية المفتوحة (الفتية الجديدة).
الانتقال من داخل الاشتراكية المتطورة إلى اعتبار مركزي حاسم بضرورة التسريع الديناميكي للتقدم العلمي التكنيكي في اتجاه الأتمتة والسبيرنطيقية البينويتين الشاملتين كتكنيك جوهري متعمم مفتوح سائد لا للاشتراكية فحسب وإنما للمجتمع اللاطبقي للشيوعية (ماركس), على أن الاتمتة والسبيرنطيقية لا تتفقان مع الرأسمالية وهي التي دشنت مع ذلك بداياتها الأولى الرتيبة وذلك اضطرارياً قصوى في وجه الحركة الثورية العالمية والتحدي البلشفي الستاليني الاشتراكي والأممي المرعب لها بخاصة وهكذا تنكشف أو تتكشف الأسرار الكبرى بجلاء للهروب الاحتكاري منذ عقود إلى المضاربات الشاملة عوضاً عن صيرورة الانتاج وتعميم الاتمتة والسيبرنطيقية في ظل وضعها التسريعي الديناميكي الراهن بخاصة حيث يستحيل ذلك للاشتراطات التقنية الجديدة لكل من الاتمتة والسيبرنطيقية الكامنة من وفي جوهريتها التعميمية المنطلقة من مركز واحد وطنياً أو اقليمياً أو عالمياً بسبب تعارضات واقع وأهداف الملكية الاحتكارية وهذا يفسر بدوره بعض نجاحات الاحتكارات شبه المجموعية المحدودة أو المنفردة في التعميم الجزئي للتقنتين المذكورتين داخل الشركات الاحتكارية لا على الصعيد الوطني المستحيل الخاضع حتماً للتخطيط والبرمجة الالكترونتيتين لا التقليدية البيروقراطية فضلاً عن الصعيد الأوروبي ومع ذلك فإن التقنيتين المحدودتين الجزئيتين تمارسان تأثيراً ثورياً في طيات الشركات واستشراءً للبطالة فآثارهما المرتبطة بتثورات الواقع المأزوم الشديدة الصلة بالواقع المتثور العالمي وفي كل مكان بعد أن أخفت ذلك البيروسترويكا لعقد من الزمان.
اثبتت التجربة الاشتراكية العالمية بنكوصها الشديد وارهاصات عودتها في ظل التكالب الشامل والمجموعي ضداً منها أنها أي الاشتراكية ليست نبتاً شيطانياً أو حلماً خيالياً طوباوياً او مؤامرة أقلية حزبية أو نتاجاً لأصابع موسكو وإنما هي نتاج الافلاس التاريخي الناجم عن تطور وتعقد أزمة الاحتكارات الرأسمالية المولدة لحفاري قبورها ومنها تعمم الاتمتة والسبيرنطيقية بخاصة وعموم التقدم العلمي التكنيكي كمتغير مستقل ضاغط ومغير ومحول للعالم بعامة بدليل بقاء واستمرار تعقد الاشتراكيات المتبقية بقدر صيروراتها التطورية كالصين التي بدأت تلج مرحلة الاشتراكية المتطورة ابتداءً من مؤتمرها الأخير (مؤتمر تحديث الاشتراكية) وكبقية البلدان الاشتراكية الأخرى ككوريا الشمالية وفيتنام وكوبا ولاوس وكمبوديا مع بقاء بعض التطلعات الاشتراكية لبعض الكادحين ووصول الاشتراكيين إلى السلطة في العديد من البلدان اللاتينية رغم التقهقر الاشتراكي الكبير ومترتبات تأثيرها البالغ السلبية عليها لاسيما حين التقهقر ذاته.
استشراف الوعي الجماهيري الصناعي العالمي الراهن الحادث ومنها جماهير الاطلسي الأوروبي والامريكي للمستقبل القائم على الرخاء الشامل وتعميق الحرية بعد تأكدها النهائي بأهمية وضرورة وثمار نتائج التقدم العلمي التكنيكي في طريق انجاز ذلك لاسيما بعد تحوصلها الكموني النسبي شأنها شأن فصائل الحركة الثورية العالمية وحركة التقدم الحضاري العالمي عموماً إثر التقهقر الاشتراكي الدولي الذي فرض الغشاوة العارضة على الجميع وبمساعدة الاعلام المضاد الدولي الذي كشف علناً ورسمياً عن التحقق الاولي الجنيني لارهاصات التضايف الديالكتيكي في ردود الاطلسي وللمرات الأولية والمستمرة حالياً بل المتزايدة لاحقاً حيث تسهم فترسخ الديناميكية التثبيتية لحركة الصيرورات بعيداً عن التلازمات الجدلية المتقادمة كما أشرنا (للثوري والرجعي) (ولليبرالي والمحافظ) بسبب الوتائر الجديدة لحراك الأشياء والظواهر وإن بدا في إطار الغشاوة القديمة المتقادمة للبيروسترويكا لصالح أفراح الاحتكارات المتخثرة سياسياً وايديولوجياً وأخلاقياً راهناً فتأثيرات النهوض الاجتماعي (الحضاري النوعي الجديد) اللجب عبر تنمية وترسيخ الآمال العريضة بل الأعرض المرتكزة إلى أسس تغييرية وتغيرية دستورية.
إن تلك المقدمات المادية التكنيكية وإن كانت (3 و 4) متداخلة ولاحقة قد وضحت وتوضح مداميك نشوء المستوى الثالث للبيروسترويكات الاشتراكية في تاريخ التطوير الجوهري المعاصر بل الراهن للعالم فيما تبقى المقدمات السياسية النظرية أو النظرية السياسية في اتجاه توضيحها الضروري في الحلقة الجديدة القادمة, الحلقة السادسة بإذن الله. وشكراً…