المواطن/ ثقافة – ريان الشيباني
على مدى التاريخ المنظور، لم أرى شيئا يخيف الحكام اليمنيين، أكثر من عثورهم على مواطنيهم، في موضع استمتاع بالحياة.
تذكرت هذا، وأنا أقرأ ما تحتويه أوراق دفاتر صارت المطاعم الشعبية تستخدمها لتغليف الطعام السفري. بالأمس، وفي وجبة الغداء على طاولة مطعم شعبي، قرأت سينارست برنامج تلفزيوني مكتوب بخط اليد، يبدو أنه أعد في سنوات سابقة، وخصص لفوائد التمر في رمضان.
ومع إني لست من الجيل الذي يسمح له سنه استعراض تاريخ تغليف الطعام، إلا أنني عايشت مرحلة، وجد فيها عمال المطاعم، أستخدامات ماتعة، لهذه الأوراق.
بعد العام 2004، حكى لي جرسون، عن المرة الأولى التي رأى فيها امراءة عارية في حياته. قال لي أنه كان في حوالي الثامنة، عندما عاد والده الكسول، من عدن إلى القرية، بعد خمس سنوات، قضاها في عطالة كاملة، ليست الأولى في طبعه.
لكن هذه المرة، ولحظة وصوله، أعطى طفله الوحيد (الذي صار فيما بعد جرسون) ورقة نقدية جديدة فئة مائة ريال، فتشككت الزوجة من عطالته.
قررت في اليوم التالي تفتيش حقيبة سفره، حيث يكون نائما.. سرقت المفتاح من جيب سترة زوجها، وصعدت إلى العلية حيث ركن حقيبة سفره، ليتبعها طفلها.
وبالرغم من صغر سنه، يتذكر الجرسون أن أمه حذرته أن يفشي سر هذا التلصص. كانت الحقيبة تغص بملابس متسخة عطنة، في الأسفل، ترقد قواقع بحرية، وصور مفتتة لمدن قديمة، ورزمة قصاصات من جرائد مطبوعة بلغات صينية، روسية، إنجليزية، ملفوفة بشريط مطاط.
بعد حيرة، فتحت الأم الشريط، وتصفحت الصور باشمئزاز، متيقنة، أنها تبقى مبهمة، لطفلها الذي يعوزه المخيال ودقة الملاحظة.
لكن شيئا، علق في ذهن الطفل مع ذلك: صورة بمقاس كفه، لفتاة عارية تمشي في غابة، وزاهية بعريها، على نحو لا يمكن نسيانه.
أعادت الزوجة، كل شيء، بخيبة أمل، واعتقد صديقي الجرسون، أن والدته، أرادت، بكركبة ملابس زوجها المفلس، إيصال رسالة مفادها: إخجل قليلا.
في ثمانينات وتسعينيات القرن المنصرم، مر العاملون في المطاعم على رزم الصحف الغريبة والشرق أسيوية، التي تشتريها المطاعم من محلات الجملة، لاستخدامها سفرا لطاولات الزبائن، وتغليف الطلبات الخارجية. ولأن استخدام، هذه الأوراق، معلومة بالضرورة، لم تكن السلطات تولي، اهتماما للمضمون الذي تحتويه، حتى انتبه أحدهم:
– هناك من يستمني على هذه الأوراق.
فالعمال الذين يقضون فترات شبقهم، ومواسم إخصابهم بين طاولات الطعام، وجدوا بين طيات رزم الصحف، وملاحقها الملونة، والآتية من روسيا، وشرق آسيا، وأروبا مواضيع إباحية مخصصة لتجارة الجنس، وبيع طواقم البكيني والواقيات الذكرية، فاحتفلوا بها أيما أحتفال، وقد اسعف، هذا العري المعنوي، رغباتهم المتوحشة، ووخفف، على رؤوس الأموال، تداعيات سفرهم المتكرر. شرح لي الجرسون، سابق الذكر، بأنه بعد أن كبر، عرف أن العمل الوحيد الذي زاوله أبوه، خلال مسيرته الكسولة، رقيبا متعاقدا مع مصلحة حكومية، على رزم الصحف التي تعبر الحدود إلى البلد.
فحتى نهاية التسعينات، كان -وقد حالفك الحظ- تتناول فطورك على الطاولة، وأمامك، حيث تضع كوبا من الشاي، زوجان يتضاجعان، وتجاورهما نوافذ صحيفة، تعرض المفاتن الأخاذة لفتاة العمر، لو أن لديك استعداد للضغط على رقم الاتصال الدولي أدناه.
وفي الجانب منك، يقعد بسئم، الجرسون الذي قدم إليك وجبتك. لقد قضى سهرة الخميس في مخدعه المحتر؛ مع صورة فتاة سنغافورية، تطلب 500 دولار، عند الرغبة بقضاء عطلة شتوية دافئة.
وها هو المسكين، في هذا الصباح المشرق الجميل، يحتقر ليلته تلك، كلما هم بالنهوض، ليخذله الصرير الجاف لركبتيه.
قال الزبون المتدين وقد أعيته محاولات غض بصره:
– ألا يا الله اليوم.
لكن كيف لسلطة يقظة، في ذلك الوقت، أن لا ترى جرسونا استمتع الليلة الماضية، بالرغم من عاصفة الشعور بالذنب، التي تجتاحه هذه اللحظة.
صدر مرسوم غير معلن لتنقيح أطنان الجرائد التالفة التي تدخل البلاد. رأى والد صديقنا الجرسون، وقد نصحه صديق له تهكما بالتسجيل، أنه لا وظيفة يمكن أن تحقق له المتعة أكثر من هذه القصاصات.
ومع إلتزام الرجل حرفيا، بكل معطيات الدوام الحكومي، ومن ذلك النهوض صباحا، والعودة عند الثانية، سلمت له إدارة الجمارك بمطار (..) أول وآخر راتب يستلمه في حياته: رزمة أوراق نقدية فئة مائة ريال، وإشعارا بإنهاء التعاقد معه.
لقد قيل في حيثيات تخليهم عنه، أنه أرتكب مخالفة في صميم عمله، بعد كثرة الشكاوى من سلوكه الشاذ. ضحك أحد زملائه، من التهمة، وقال له: كل هذا الدوران، ليقولوا انك تدخل إلى حمام المصلحة الحكومية، وفي يدك جريدة؟
يحسب للعام 2011، أنه حقق إنتقالة، في استبدال تغليف الطعام، بالجرائد الخارجية، إلى تغليفه بالجرائد المحلية، والتي مع أزدهارها، حققت نسبة مرجوع، أتى على نسبة المتعة التي حققتها أباحية الصور العارية، مستبدلا إياه بعهر واقع سياسي متشظ. ومن الفوائد التي عادت على رواد المطاعم، الاستغناء عن المقبلات، في غمرة الاحتداد السياسي، الذي يسبق إنزال كل وجبة.
وفي الوضع الحالي، وقد توقفت حركة الملاحة بشكل شبه كامل، لجأ أصحاب المطاعم، على مايبدو، لشراء الأوراق والدفاتر التي من شأنها، تعويض النقص في توقف العمل الصحفي، ما أنشأ سوقا سوداء، أستفادت من إرشيف البلد من الأوراق المستعملة:
قبل أسابيع، طلب أصدقاء، من مطعم مجاور وجبة إفطار صباحية. وصل الخبز والفاصوليا ملفوفة بلستة حساب من العام 2000، أوقفت الأكف النهمة، وأنشبت معركة سياسية، كادت أن تتطور إلى عراك.