المواطن/ كتب: عيبان محمد السامعي
حادي عشر: دور بريطانيا في اليمن:
تلعب بريطانيا دور رئيسي ومؤثر في اليمن, فهي الـمُمسكة بالملف اليمني في مجلس الأمن الدولي. يُضاف إلى أن المبعوث الأممي لدى اليمن (مارتن غريفيث) بريطاني الجنسية, وهو المبعوث الثالث بعد المغربي جمال بن عمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ. ويأخذ بعض المراقبين على الرجل من أنه منذ تعيينه مبعوثاً أممياً لليمن في منتصف فبراير 2018م لم يذكر في أيٍّ من تصريحاته المرجعيات الثلاث المتفق عليه وطنياً ودولياً والمتمثلة بمخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن رقم (2216) كأساس لحل الصراع الدامي في اليمن.
على صعيد متصل, تنشط وزارة الخارجية البريطانية منذ عامين وتقوم باستضافة سياسيين وناشطين وقادة رأي عام وممثلين لمنظمات المجتمع المدني لغرض إجراء مشاورات حول إيجاد حل للصراع الجاري في اليمن.
يُذكر أن بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني قام بجولة مكوكية في المنطقة مطلع عام 2018م, حيث زار عدة عواصم منها: الرياض ومسقط وطهران, وقد صرح حينها بأن الزيارة هدفها إيجاد حل سياسي للصراع في اليمن.
لا مراء من أن المساعي البريطانية ليست مجانية, بل تأتي في سياق تلبية المصالح الدولية وتعزيز نفوذ بريطانيا في المنطقة. فبريطانيا الدولة التي احتلت الجنوب اليمني على مدى 128 عاماً (1839 – 1967م) تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة في اليمن, حيث توجد شركات استثمارية, أبرزها: شركة “دوف إنرجي” التي تدير القطاع (53) النفطي بمحافظة حضرموت, وهناك علاقات تجارية تربطها ببعض البيوتات التجارية في اليمن.
الجدير ذكره, أن بريطانيا تعد من أهم موردي السلاح لأطراف الصراع في اليمن, فقد ذكرت وسائل الإعلام البريطانية من أن السعودية أبرمت خلال الحرب الجارية عدة صفقات مع شركات بريطانية مصنعة للسلاح تصل تكلفتها إلى مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية.
بقي أن نشير إلى مسألة هامة مفادها: إن بريطانيا تنظر إلى الحركة الحوثية كأقلية في المجتمع اليمني, ومن المعروف _تاريخياً_ أن بريطانيا لطالما وظّفت “قضية الأقليات” في العالم العربي كورقة سياسية في زعزعة المجتمعات لتحقيق مطامحها التوسعية وتثبيت مصالحها الامبريالية اعتماداً على قاعدة “فرّق تسد” ذائعة الصيت.
ثاني عشر: دور فرنسا في اليمن:
عند تناول الدور الفرنسي في اليمن, تحضر بقوة قصة الصفقة المشبوهة التي بيع بموجبها الغاز المسال اليمني لشركة توتال الفرنسية.
تلك الصفقة التي أبرمتها الحكومة اليمنية عام 2005م وأثارت ضجة واسعة في مختلف الأوساط اليمنية, حيث تم بيع الغاز اليمني لشركة “توتال” الفرنسية بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية ، فيما كانت أسعار السوق آنذاك تراوح بين 11 و12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
هذا وقد اعترفت الحكومة اليمنية مطلع 2014م بفساد تلك الصفقة, محمّلة النظام السابق المسؤولية عنها, لكنها في المقابل اكتفت بالتصريحات الاعلامية ولم تتخذ إجراءً تصحيحياً حيال ذلك.[86]
وتفيد بعض الدراسات من أن اليمن يمتلك مخزوناً هائلاً من الغاز في محافظات: مأرب, وشبوة, وحضرموت. وتستحوذ شركة “توتال” الفرنسية وشركة “كوجاز” الكورية الجنوبية على الاستثمارات في مجال الغاز المسال في اليمن, ويعد قطاع18 الواقع بمحافظة مأرب (وسط اليمن)، أكبر تلك القطاعات الغازية, إذ تبلغ الكمية الاحتياطية من الغاز 9.15 تريليون قدم مكعبة. كما توجد منشأة غازية في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة والتي توصف بأنها من كبريات المنشآت الغازية على مستوى المنطقة.
مؤخراً قامت القوات الاماراتية بالسيطرة على المنشأة وحولتها إلى ثكنة عسكرية, ومنعت تصدير الغاز منها مما فاقم من تردي الوضع الاقتصادي في البلاد.
ثالث عشر: دور روسيا في اليمن:
يعود الدور الروسي في اليمن إلى بداية ستينيات القرن الماضي, حيث نشأت أحزاب وحركات يسارية في عدن أبرزها: اتحاد الشعب الديمقراطي عام 1961م وهو حزب اتخذ من الماركسية اللينينية هوية نظرية له.
وقدم الاتحاد السوفياتي دعماً سياسياً للجبهة القومية وغيرها من الفصائل المناوئة للوجود الاستعماري البريطاني, وكان هذا الدعم يندرج ضمن الدعم الذي تقدمه موسكو لحركات التحرر الوطني في البلدان النامية لمساعدة شعوب تلك البلدان على تحقيق استقلالها من المستعمر وبناء الدولة الوطنية.
كما كان للاتحاد السوفياتي دوراً مميزاً في شمال البلاد, فهو أول نظام سياسي بعد النظام المصري يعترف بحكومة الثورة التي أطاحت بحكم الإمامة في 26 سبتمبر 1962م, وقدم بعد قيام الثورة المساعدات والقروض المالية وهي قروض قُدّمت لحكومة الثورة بهدف تمويل المشروعات التنموية, ومما يجدر ذكره هنا أن هذه القروض كانت قروض ميسرة وبدون فوائد.
وقام السوفيات بإنشاء مشروعات وبنى تحتية منها: بناء مدارس ومشافي في صنعاء وتعز والحديدة, وشق طرق أشهرها (طريق تعز _ الحديدة), وبناء مصنع للاسمنت في مدينة باجل ومصنع لتعليب الأسماك, وتطوير ميناء الحديدة وتطوير بعض المطارات.
وفي عام 1964م زار الرئيس عبدالله السلال موسكو ووقع معاهدة الصداقة بين الاتحاد السوفياتي والجمهورية العربية اليمنية.وظلت علاقات التعاون بين البلدين قائمة حتى انقلاب 5 نوفمبر 1967م, حيث اندرج اليمن الشمالي في إطار الهيمنة السعودية وفي إطار النفوذ الرأسمالي الغربي.
تزايد النفوذ السوفيتي في جنوب اليمن بُعيد تحقيق الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م, حيث أبرمت حكومة الاستقلال اتفاقيات للتعاون المشترك مع الاتحاد السوفياتي كان من ثمارها تزويد الجيش الجنوبي بمعدات عسكرية وأسلحة وتدريب عناصره.
ومع إعلان الجبهة القومية تحولها من الاتجاه القومي إلى الاتجاه الماركسي _ اللينيني عام 1969م أخذت العلاقة بين البلدين تأخذ بُعداً استراتيجياً. فهذا الإعلان قد حسم هوية اليمن الديمقراطي بكونها بلداً ينتهج الطريق اللارأسمالي في التنمية, وأصبحت جزءاً من المعسكر الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفياتي, بينما أصبح اليمن الشمالي _ وقتها _ بلداً تابعاً للمنظومة الرأسمالية.
وقد مارس السوفيات خلال الفترة المشار إليها أدواراً اقتصادية وتنموية وسياسية وثقافية وعسكرية كثيرة في اليمن الجنوبي, ومنها تدريب الجيش الجنوبي وتسليحه, وإنشاء قواعد عسكرية بحرية وجوية في محاولة لإيجاد توازن مع النفوذ الأمريكي والبريطاني في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والبحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وكان للدور الثقافي أهميته, من خلال نشر الماركسية اللينينية, وجلب المطبوعات والمؤلفات الروسية المترجمة إلى العربية وتدريسها في المدرسة الحزبية ومعهد باذيب وتثقيف أعضاء الحزب بها, والابتعاث الثقافي إلى البلدان الاشتراكية من كوادر الحزب ومن شباب الجامعات وإنشاء مراكز ثقافية ومراكز دراسات.
وفي المجال الاقتصادي: منح المساعدات القروض لتمويل الخطط التنموية وهي قروض بلا فوائد وإنشاء مشاريع اقتصادية صناعية وزراعية, منها مزرعة لينين في ابين التي تعتبر أكبر المزارع المملوكة للدولة, وإقامة مصانع مثل مصنع لتعليب الأسماك في المكلا, واستصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء الحواجز والسدود المائية, وإقامة بنى تحتية, ورصف الطرق, وبناء محطات للكهرباء والاتصالات, ومحطات مياه الشرب, ومشافي ومدارس.
غير أن النفوذ السوفياتي تلاشى مع نهاية الثمانينيات نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي.
ومع ذلك ظلت علاقات اليمن قائمة مع روسيا “وريثة الاتحاد السوفياتي”, وإن كانت علاقات تنحصر في المجال العسكري وبالتحديد في مجال التسليح. وجدير بالذكر هنا أن روسيا على الرغم من أنها ورثت الاتحاد السوفياتي لكنها لم ترث التوجه الاشتراكي بل صارت دولة رأسمالية يحكمها اقتصاد السوق.
في السنوات الأخيرة ومع انتهاج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الانكفاء والانسحاب من بعض المناطق في الشرق الأوسط, واندلاع ثورات العالم العربي, بادرت روسيا إلى إحياء طموحاتها السابقة في ممارسة نفوذ في الشرق الأوسط, فتدخلت عسكرياً في سوريا إلى جانب النظام الأسدي ضد قوى الثورة, وشرعت في إقامة علاقات مع الجنرال خليفة حفتر وزير الدفاع الليبي والطامح لكرسي الرئاسة في ليبيا, وأقامت علاقات اقتصادية مع الجزائر والمغرب.
ومؤخراً نشر مركز كارينجي للسلام تقريراً عن مساعي روسية لممارسة دور سياسي في اليمن لإيجاد حل للصراع الدائر فيها منذ أربع سنوات, وذكر التقرير أن هذه المساعي تخفي مطامح لروسيا الساعية إلى “توسيع نفوذها في جنوب اليمن”, وأشار التقرير إلى أن روسيا تستفيد من علاقاتها السابقة باليساريين اليمنيين وتقدم نفسها كوسيط يتمتع المصداقية لدى الأطراف اليمنية.
وأوضح التقرير أن “التطلعات الروسية في البحر الأحمر موضوع نقاش علني لأول مرة في يناير 2009، عندما أعرب مسؤول عسكري روسي عن اهتمام بلاده بإنشاء قاعدة عسكرية على مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية، والذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. يتجدّد الحديث عن بناء هذه القاعدة بصورة دورية باعتبارها هدفاً استراتيجياً روسياً بعيد المدى في اليمن.”
مشيراً إلى تصريحات مسؤولين عسكريين روس بعزم بلادهم إنشاء قاعدة بحرية روسية على مقربة من خليج عدن وجزيرة سقطرى.[81]
الهوامش والإحالات:
[86] للمزيد: راجع: صحيفة الحياة, الرابط:
http://www.alhayat.com/article/508414/اليمن-يعترف-بفساد-في-صفقة-بيع-الغاز-لى-توتال-و-كوغاز-.
[87] للمزيد, راجع: سامويل راماني, روسيا ودور الوساطة في جنوب اليمن, مركز كارينجي للسلام, 12 أكتوبر 2018م, متوفر على الرابط:
https://carnegieendowment.org/sada/77483