المواطن/ كتب – علي عبدالفتاح
الإهداء إلى:- الرائد المؤسس عبدالله عبدالرزاق باذيب وقضيته التي لم تنقطع أو تتوقف بل تعلو وتعلو خفاقة على ثريا وثرى أرض يحصب.
————————————————————–
مع النصف الأخير لتاريخ العلاقات الاقطاعية, كانت هذه العلاقات البربرية قد بلورت الأعراف الخاصة بها في اتجاه الترسيخ الوجوبي القسري النهائي المناقض للشرع الأغر والحس البشري السليم لا سيما في تراتبيتها ومراتبها الفئوية ـــ الطبقية النحاسية الضابطة بإكراه من أعلى إلى أسفل والعكس بصفاتها وعلاقاتها واشتراطاتها وعلاماتها المؤطرة داخل هذه الاعراف المؤّوِلة زوراً للشرع والمجسدة في تشخصيها للإنسان المتعب القائم على الظلم الاجتماعي القاسي له وهو الذي قد أكرمه الدين بعامة والإسلام بخاصة كأكرم وأقدس مخلوق وضروريات إطلاق واجباته القائمة على حقوقه المعيشية والثقافية الحرة والتي كُبِلت وقُيدت في إطار تلك التصنيفات والمؤشرات والعلامات وترتيباتها التعيينية (المحددة) غذاءً وملبساً ومسكناً وأثاثاً وزواجاً فحركةً ونشاطاً عاماً لصالح الاجراءات والواجبات المفروضة قسراً على ذلك الأساس, أي على أساس الضوابط التراتبية القاسية المنضوية حسب المرتبة الفئوية ــ الطبقية المغلولة والمرتبطة بحركة الفرد في ظل استمرار نمو وتغول الأساليب العامة المادية والروحية لضبط الفرد والمرتبة وفرض الجمود الثابت المتخشب المعياري لكنهه ونشاطه العام بما في ذلك تأكيد تلك الأعراف الظالمة على ضبط إنتاجية عمله دون النمو والازدهار فالتطور في صورة اشتراطات عُرفية لسائر الطوائف ومنها طائفة التجار وقبل ذلك الحرفيين فضلاً عن الفلاحين المنتجين المستعبدين في ظروف تطلُّب الحركة الاقتصادية للتغيرات الحرفية ـــ التجارية المتتالية بما في ذلك تطلبات الاستهلاك المتزايد للإقطاعي نفسه بما يتناقض مع الدين الحنيف فالتطورات المستمرة للحرف والتجارة والفلاحة فالأفهام وأثر ذلك في تنامي التناقضات ضداً من هذه المراتب المتسلسلة المعلنة ابتداءً من الملك الاقطاعي الأوتوقراطي إلى الأمراء بتقسيماتهم المذهبية ــ الطائفية ــ السلالية ــ القطاعية في سائر الأنحاء إلى الفرسان المقتطعين للأرض إلى مشائخ العلم الأخيار المتعففين أو المتمصلحين إلى القضاة الثقاة أو الوصوليين فالتثبيت الطغياني للقيود العُرفية المفروضة عسفاً على حركة المراتب الشعبية الأدنى بمجالاتها ومستوياتها العديدة المتنوعة من الفلاحين فالحرفيين فالتجار إلى المظاهر والأشكال المتنوعة للمهمشين بمختلف تلاوينهم المهنية المنبوذة الأمر الذي أدى إلى تغول التناقضات فالصراعات المستهدفة ضداً من هذا التنظيم الإقطاعي للمجتمع أو المجتمعات حيث انعكس ذلك كله على مواكبة الأفهام او الفهوم إيجاباً وسلباً والمرتبطة بنشوء الترتيبات المتسلسلة الفكرية للوجود الطبيعي فالاجتماعي على وجه أخص فنشوء المقولات المفاهيمية المتتالية منها فالسياسات الداخلية والخارجية المتفاوتة الأهداف والآمال من أجل مراكمة السيرورات العملية فالمنطقية في اتجاه المقاومة الفكرية المبررة بعد ذلك للنضال الشعبي المستشهد المذكور.
على أنني لا أقصد ولا أوحي بتاتاً بذلك منذ حديثي عن الملوك والأمراء أو الملالي حتى ولاية الفقيه إلخ إلخ ذلك أن هؤلاء جميعاً يندرجون الآن مشكورين في إطار راهنية العصر باشتراطاتها النافذة شاء من شاء وأبى من أبى بل على العكس فإنني وحسب كل كتاباتي السابقة واللاحقة أثمن أدوارهم الراهنة لاسيما ملوك وأمراء شبه الجزيرة العربية وملالي إيران والفقيه الولي وعلى رأسهم جميعاً طويل العمر خادم الحرمين الشريفين سلمان وأولياء عهده الأمناء الذين يقودون التطوير العربي الإسلامي التراكمي الذي سيكون له شأناً أي شأن في الداخل والخارج وكذلك الخامنئي والملالي الذي يقودون التطوير الشيعي الإسلامي إلا أنني أرى أن النجاحات التالية لأفق الطرفين بعيداً عن الفوضى الخلاقة مرهوناً بنجاح الطرفين في الترتيب المنسجم المتناغم للمنطقتين على أساس الحوار المسؤول فوق الطاولة للوقوف أمام تعقدات الهويات الثقافية والقومية وضبط حركتها القائمة على المصالح المعيشية والثقافية الحرة داخل اللحمة الوطنية للمنطقتين لا خارجها فيما تكون الاختلافات الأخريات معذورة شرعاً ومتروكة سلمياً أخوياً لحركة الزمكان الجاري راهناً ولاحقاً وضغوطاتها الحتمية وطرق استجابة الطرفين لها داخل راهنية العصر بديناميكتها الحادثة وأثرها في إنضاج الأفهام أو الفهوم السياسية لعموم الشرق الأوسط والعالمين العربي والاسلامي المحققين أو المسشترفين للنهوض العام والنهوض الاقتصادي والثقافي والتكنيكي الحضارية بخاصة وانعكاساتها التأثيرية التحويلية التي يجب وينبغي أكيداً الاحتكام لها في المسارات السياسية الموضوعية لا الرواسبية المعيقة المؤدية أكيدة أيضاً إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقة ومترتباتها على صعيد عموم الشرق الأوسطية.
إن هذا ليس وعظاً تأملياً مجرداً وبالتالي رومانسياً لمن لا يستمعون للوعظ المجرد لأسباب (ما ) فضلاً عن الانشغالات البراجماتية التجريبية السياسية ومظاهر النجاحات الأولية (الذاتية المسترخية) التي قد تحدث هنا أو هناك وإنما هو عكساً لوقائع وأحداث الصيرورات الاقتصادية ــ الاجتماعية ــ الثقافية الجارية داخل أحشاء المنطقتين والعالمين واستبصاراً كلياً واستراتيجياً لها يخدم مباشرة النضال الجماهيري التطويري الجوهري للمنطقتين عموماً ولليمن الميمون المستقل تحديداً في اتجاه استكناه وتجاوز المظاهر التالية المعيقة والمعاقة لها وذلك عند وفي أفهام المناضلين المعانيين والجماهير العريضة المعانية وعلى صعيد اشتراطات وتراكمات النضال الجماهيري الاجتماعي الوطني اليمني الأعرض على سبيل المثال وفي اتجاه الآفاق اليمنية والعربية فالإسلامية المفتوحة.
على أنني بعد ذلك أوضح الأسباب الكثيرة التي منعتني من ذكر الفكر الديني بعامة والإسلامي بخاصة كشكل من أشكال التفكير التاريخي البشري لأنني لا أتفق مع الكثيرين على اعتبار القرآن بخاصة والفكر الاسلامي السوي المهتدي به بعامة فكراً او أيديولوجيةً للإقطاع وإن احتوتها المرحلة التاريخية الاقطاعية لاسيما أيام الاستقرار أو كادت أن تحتويها كشكل من أشكال فرض الفكر الركودي المتكلس الظلامي عليه كما يجمع عليه الغرب والدليل على رفضي لذلك أن الدين الاسلامي إذا ارتبط بالقرآن وبوقائع فجر الدين وضحاه يستعصي على الإقطاع وتفكيره وركوده المتكلس الظلامي كما أن الدين ليس وليد المرحلة الاقطاعية وإن استكملت فيها إلى حد ما حركة الاحتواء العام المؤقت له ذلك لأن الدين ولد منذ فجر نشوء الإنسان ثم استمر عبر التشكيلات التاريخية الاقتصادية ــ الاجتماعية الثقافية المختلفة المتتالية حتى راهنية عصرنا هذا (إن الدين من حيث النشأة ظاهرة ثورية تقدمية كبرى) ماركس يستهدف التحويلات الحضارية القائمة على العدل والمساواة (ولو الدين لما استمر النوع البشري) ماركس و(هو قلب العالم الذي لا قلب له) ماركس (وعقل العالم الذي لا عقل له) ماركس وإنما استمراريته في سيرورته الوضاءة النقية هو الصعوبة العظمى في ذلك الزمان بسبب وجود الامكانات الكبرى لتحقق الاحتواء التاريخي الاقطاعي له الناجم عن الظروف القديمة المتأخرة لعموم حركة التقدم التاريخي والعلمي والتكنيكي بالذات وهو ما يعتبر مصدر سؤدد الإقطاع وركوده المتكلس فالظلامي.
إن الدين ابتداءً ومستقبلاً حيث تنتهي ملكوت الضرورات لصالح ملكوت الانسان الحر السوي العادل سيسهم في هذا المجرى حتى تمتلئ الأرض عدلاً وسؤدداً على أنقاض جبروت الطغيان وعسفه وجوره وفجوره كما كان في البدء إثر التفاعل معه كمقدس أساساً لازماً في نشوء التنظير وبخاصة عند الإغريق ثم سائر الأشكال التفكيرية التاريخية المتلاحقة واللاحقة للبشرية ومع ذلك وبصراحة فإني أؤكد أن الفكر الاسلامي إذا راوح في سيرورته الراهنة سيضعف كثيراً في الوقت الذي يمتلك فيه استناداً إلى النص المقدس إمكانات كبرى لتجدده وتجديده وبالذات على قاعدة آيات القرآن الكريم وحركة فجر الإسلام وضحاه وفتوحات العلم ولذا فإنه لن يستنفذ بعد إلا على صعيد الاستحكامات الكبرى النافذة للطبقات الاستغلالية المستثمرة والمحتوية له بصورة تكاد أن تكون أكيدة أكان ذلك من تاريخه الممتد منذ نشأة الإنسان المكبل بالضرورات القاسية لمحيطه الطبيعي حتى المجتمع اللاطبقي حيث يبدأ مظاهر ضعفه وهو الذي يشير إليه النبي التهامي الخاتم صلى الله عليه وسلم مراراً وتكراراً حيث مع ذلك يرشد هذا الانسان على أن يغرس فسيلة حتى لحظة الانفجارات الكبرى المتنبأة وحدوث الساعة البالغة الرهابة والخذلان كما يشير تراث الأديان وفي أثناء أيامنا هذه ومعه ثمة متدينين بل وحركات دينية كبرى في العالم تفهم الآن الدين وتمارسه كعقيدة للسلام والعلم والمحبة والقيم العليا ووفرة الخيرات والعدالة المفتوحة على التطورات بعامة والعلمية التكنيكية بخاصة بعيداً عن التأويلات الاقطاعية له وحتى التأويلات البرجوازية المحدثة وبالتالي بعيداً عن الأشكال المتتالية لكلٍ من المثالية والميتافيزيقية داخل حركة التفكيرات التاريخية البشرية.
فما بالك إذا استعنا بالقرآن المعجز أو التطبيقات الحية للرسول الأعظم وثوريته التقدمية الكبرى الخالدة وأصالته الحضارية الكبرى المبرهنة قبل وبعد الإسلام وحتى التقائه بالرفيق الأعلى كما برهن على ذلك قبل وأثناء ومع رسالته العظيمة وأثناء مجابهته للطغيان إبان تبلوره الرسالي وإبان شعاب مكة والآيات المكية الدالة ابتداءً من وقائع الهجرات وأهمها الهجرة النبوية المتنفذة فدستور المدينة وعدلها الاجتماعي المنقطع النظير تماماً كالطابع الديالكتيكي الجدلي لحراكه الجهادي لاسيما محطة صلح الحديبية الكبرى التي ليست البروسترويكية الحادثة سوى امتداداً منطقياً وتطبيقاً لها لذلك أقول إن عودة الانتلجنسيا الاسلامية إلى أولويات الأولويات القرآن الكريم إلى فجر الاسلام وضحاه والخلفاء الراشدين الخمسة وسنن النبي الصحيحة لا الموضوعة ومن مواضع القرآن الأصيلة ومن مواضع خط هابيل والمستضعفين فالعامة ومن مواضع التقدم العلمي التكنيكي سيكون له شأن عظيم بل وكوني لاسيما وأن هذه الأنتلجنسيا الاسلامية شغوفة بالعلوم التطبيقية الحديثة والتكنولوجية منها بخاصة وذلك على طريق التضاد الجاد مع خط قابيل والمستكبرين والخاصة الفاسدة والمفسدة من المترفين الأمر الذي سيمكن من الاستخلاف الفعلي للأرض فبلورة الفكر المنحاز للعلوم المعاصرة ونقده بل دحضه إن كان يحتاج إلى ذلك لصالح مقاربة الحقيقة لاسيما حقيقة الانحياز للجماهير الشعبية العريضة المنتجة والمكافحة عوضاً عن تقليد البرجوازية في تأكيداتها للفكر الاقطاعي الركودي المتكلس الظلامي على أنه الدين وعلى أنه الاسلام وبالتالي ما تسمى بأيديولوجية وفكر الإقطاع فيما إن الفكر الاسلامي الراهن في معظمه بات على أساس ذلك يتخبط ثنائياً توفيقياً بين الخطين الطرفين (هابيل وقابيل) و(المستعضفين والمستكبرين) (العامة الجماهير والخاصة المترفين) (العلوم المتشعبة وتصحر الجهل الزؤام) وإن كان ثمة بوادر راهنة في السير الحثيث إلى التفاؤل التاريخي الفرح السعيد لدى هذه الانتلجنسيا إلى الأمام حيث فتوحات العلم أو العلوم وحيث تتلاءم الحرية مع العدل بل حيث أولوية الحرية على العدل ذلك لأن المضمون الأكبر والجوهري للحرية في راهنية العصر هذه إنما هي تقوم على ديناميكية الأنشطة الجوهرية التطبيقية والمنطقية النضاليتين للبشرية التقدمية قاطبة فيما لا يعني العدل المجسد لذلك سوى المزيد من الحرية المتحققة للفرد ــ المواطن في كل مكان علماً أن المواطن يعلو على الحزب لا العكس كاشتراطات لراهن عهودنا هذه.
إن الفكر الاسلامي الأصيل منذ النشأة المبكرة في كنف القرآن الكريم وبين يدي الرسول الخاتم والخلفاء الراشدين الخمسة وغيرهم من فقهاء الصحابة ليس فكراً إقطاعياً قطعاً وحتماً وحسماً لاسيما القرآن الأخلد شأنه شأن المسيحية الباكرة بل وكذلك تعاليم موسى عليه السلام بعد أولوية إبراهيم عليه السلام وسائر الأنبياء لبني اسرائيل وغيرهم إن فكر القرآن الكريم بمضامينه وآياته المرتبطة بوقائع وأسباب النزول لا يمكن أبداً ولا ينبغي أن يكون أبداً أيديولوجية للإقطاع وسائر المستغلين وإنما هو لاسيما القرآن فكر رسالي للعالمين كالكتب المقدسة للرسل الآخرين قبل نجاحات الطغاة وذلك عند النشأة الباكرة قبل انتصارات الطغيان فتصفية الرسل أو محاولات ذلك وتصفية الصحبة كالحواريين الذين أبيدوا فالاحتواء الاقطاعي فالامبراطوري فامتلاك الكنيسة للأرض والأقنان والحرث والعقارات العمرانية وهو أيضاً ما حدث مع خلفاء الملك العضوض فنشوء الثورات الشعبية الجماهيرية ضداً منه في اتجاه التصحيحات.
وإذا كان الإقطاع والإمبراطوريات قد نجح كثيراً في تزوير التراث القديم للأديان الكتابية المقدسة واحتوائها فإنه لن ولم يستطع اخضاع القرآن والإسلام لذلك, ذلك لأن القرآن والاسلام جاءا في منعطف تاريخي خالد ومواتي فظروف جديدة ومهمات أجد متحققة حضارياً ولو كره الطغاة والمستكبرين. إن فكر الأديان الثلاث لاسيما في القرآن الأخلد لا يمكن إلا أن يكون فكراً رسالياً.
نعم إن فكر القرآن فكراً رسالياً للعالمين زمكانياً سرمدياً إنه فكر استراتيجي بعيد المدى واللامتناهي حتى اضمحلال الطبقة ــ الدولة ــ السياسة في الوقت الذي يعني وينعكس فيه التمرحلات الأولى الحسية المتدرجة للواقع أو النبضات الآنية جداً للمظاهر الأولية للحياة الاجتماعية السياسية الأخلاقية أو حتى الساذجة وذلك في فجر الاسلام أو في الجاهلية المفيدة جداً في اتجاه وصوب الحضور الكوني المثمر متخذاً بذلك طابع ديالكتيك المتناهي واللامتناهي المعجز المثمر للبشرية بعامة وشكراً… يتبع الحلقة التالية….