المواطن: خاص
الحلقة السابعة والأخيرة
عيبان محمد السامعي
مزايا أخرى للدولة الفيدرالية:
لا تقتصر مزايا الدولة الفيدرالية على الاعتبارات السياسية المباشرة فقط, بل تنطوي على مزايا أخرى عديدة, ومنها:
أولاً: تعيدُ الدولة الفيدرالية تشكيل السيكولوجيا الاجتماعية, فتعزّز من قيم المواطنة, وتعمّق الانتماء الوطني إذ يتأسس على مصالح مشتركة ملموسة ومحسوسة, وعلى التكامل والتكافؤ بين الأقاليم والمجتمعات المحلية. بينما في الدولة البسيطة يظل الانتماء مُفرغاً, إذ يُغلّف بأيديولوجيا فوقية ورطانة سلطوية تلّقن الناس دروساً في الوطنية, فتصيبهم بحالة اغتراب “في/ داخل” الوطن في مقابل حالة الغربة “عن/ خارج” الوطن. وقد أبلغ الشاعر عبدالله البردوني واصفاً هذا الوضع, إذ قال:
يمانيــونَ فـي المنفــــى ومنفيّــــــون فـي اليــمـــــنِ
ثانياً: تناسب الدولة الفيدرالية واقع اليمن وحقائق التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والايكولوجي. فالمجتمعات المحلية تمتلك خصوصيات ثقافية من ناحية اللهجات والعادات والتقاليد وأنماط العيش والملابس والبنى الاعتقادية والمذهبية.
وبيئة اليمن بيئة متنوعة, ففيها مناطق مرتفعة ومناطق منبسطة, مناطق جبلية ومناطق ساحلية ومناطق سهلية, وهذا ينعكس في اختلاف الطبائع والأمزجة وتباين العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى.
إن الدولة الفيدرالية هي البوتقة التي بإمكانها أن تستوعب جدلية التعدد في الوحدة, والتنوع في إطار الشمول, والخصوصيات المحلية في إطار الهوية الوطنية الجامعة.
ثالثاً: ينسجم خيار الدولة الفيدرالية مع معطيات التاريخ. بل ومثّل عاملاً في النهوض الحضاري, فكما رأينا سابقاً أن أزهى الفترات التي عاشتها اليمن طوال تاريخها كان يسودها نظام كثير الشبه بالنظام الفيدرالي المعاصر.
رابعاً: إن آلية توزيع السلطة في الدولة الفيدرالية تتم بين ثلاثة مستويات: الولايات, والأقاليم, والمستوى الاتحادي, وفي كل مستوى من هذه المستويات توجد مؤسسات تشريعية وتنفيذية يتم انتخابها من الشعب. وهذه آلية كفيلة بتفكيك عصبوية السلطة واحتكارها. وضمان بعدم قدرة حزب ما أن ينفرد بالسلطة أو يتحكّم بها مستقبلاً.
خامساً: الديمقراطية التوافقية التشاركية هي أساس النظام السياسي في الدولة الفيدرالية لا الديمقراطية البسيطة (ديمقراطية الأغلبية).
ونموذج الديمقراطية التوافقية التشاركية هو أرقى نموذج ديمقراطي توصّل إليه الإنسان المعاصر نظراً لما يتيح من وسائل التفاعل الخلاق بين المجتمع والدولة, ويصون حقوق الإنسان والحريات العامة.
سادساً: تمنع الدولة الفيدرالية بآلياتها التشريعية والمؤسسية من احتكار الثروة بيد أقلية أوليغارشية, وتعيد توزيعها بصورة عادلة بين الولايات والأقاليم والمستوى الاتحادي. وتخلق فرص متكافئة أمام المناطق وأقاليم البلاد للنهوض الذاتي والتنافس الحميد بينها. وتعمل على كسر البيروقراطية وإتاحة نظام إداري مرن يستوعب حاجات الناس المتجددة.
سابعاً: يوجد في الدولة الفيدرالية مؤسسات وآليات ضامنة لبقاء الكيان الوطني موحداً, ومن تلك: الدستور الاتحادي, الحكومة الاتحادية, مجلس الشعب الاتحادي بغرفتيه, المحكمة الدستورية الاتحادية, ومجلس القضاء الأعلى الاتحادي, الجيش, الجنسية, قانون الملكية الفردية والخاصة, وجود أحزاب سياسية وطنية منتشرة في كافة أرجاء الدولة… إلخ.
أخيراً: نؤكد على أن الحديث عن مزايا الفيدرالية لا يعني إضفاء الأسطرة عليها أو تصويرها كـ “يوتوبيا” خلاصية نتخلص من خلالها من كل الأسقام.
لا, فنحن نرى الفيدرالية؛ آلية ضمن آليات أخرى عديدة تحتاجها اليمن لمعالجة أزماتها, لكنها آلية محورية بالطبع.
إن أهمية الفيدرالية تتمثل في أنها المفتاح الموضوعي لحل القضية الجنوبية بصفة خاصة والقضية الوطنية على وجه العموم. ولضمان نجاح عملية تطبيق الفيدرالية لابد أن يمهد لها ويرافقها جملة من الاجراءات والسياسات والتوجهات.
ولكي لا نطيل أكثر على القارئ سنقصر الحديث حول قضية هامة تتمثل بضرورة التوجه الجاد نحو التنمية, ولاسيما التنمية الانسانية التي تركز على الإنسان, باعتباره منطلق التنمية ومحورها وغايتها.
ويقتضي هذا, أول ما يقتضي, تلبية الحاجات الأساسية للسكان, وإحداث ثورة تحديثية في قطاع التعليم لما له من تأثير حاسم في تحرير الفرد ونهوض المجتمع. وتطوير أنظمة الرعاية الطبية والصحية وجعلها متاحة لجميع المواطنين. ومحاربة الفقر والبطالة والتسول والتشرد بتحسين مستوى معيشة المواطن, وتأمين أجور عادلة, وخلق فرص العمل المنتج, وتوفير الرعاية الاجتماعية للفئات الضعيفة والأشد فقراً. وضمان الحريات العامة والخاصة, وتعزيز الممارسة الديمقراطية, ومحاربة الفساد, وتطبيق مبادئ الحكم الرشيد.
عوضاً عن الخاتمة.. ندااااء:
تقف اليمن اليوم أمام مفترق طرق. وباتت المخاطر التي تهدد بقاءها ككيان وطني موحد أكثر من أيّ وقتٍ مضى, في ظل صراع المصالح وحرب الوكالة التي تخوضها قوى محلية واقليمية على الأرض اليمنية منذ أربع سنوات, سحقت الملايين من اليمنيين معيشياً ونفسياً, وأحدثت دماراً هائلاً في البنى التحتية, وأضرّت بالنسيج الاجتماعي أفدح الضرر.
الأمر الذي يفرض على كل الوطنيين في داخل البلاد وخارجها أن يتداعوا, وأن يسارعوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه كخطوة أولى لبعث الحياة في جسد هذا البلد.
إنّ تفادي تشظي اليمن إلى دويلات والإبقاء عليه ككيان موحد هي المهمة التاريخية التي تنتصب أمام الجميع حالياً.
ولن يتحقق ذلك إلا بإنهاء الحرب وطيّ صفحة الانقلاب, والعودة إلى العملية السياسية التوافقية, والشروع في استكمال مهام المرحلة الانتقالية, وبناء الدولة الفيدرالية الديمقراطية المدنية, دولة المواطنة والشراكة والعدل الاجتماعي وفقاً لما قررته وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل, وإعادة تصويب ما تم فرضه خارج التوافق الوطني, ولاسيما فرض الستة الأقاليم.
انتهى…