فهمي محمد
المواطن- كتابات
يتحقق معنى”الجيش والأمن في خدمة الشعب وفي حماية سيادة الوطن ” عندما يصبح الإثنين أدوات القوة والإكراه بيد الدولة كفكرة وطنية وليس بيد سلطة قمعية أو تحت تصرف أشخاص بذواتهم، وهما يكونان كذلك عندما تبنى عقيدتهما القتالية ابتداء على أساس القيم الوطنية الخالصة .
الدولة الوطنية اكتسبت بعدها الوطني عندما تحولت سلطتها المطلقة الى وظيفة مؤسسية في خدمة المجتمع، والجيش بناءً على هذا الأساس اكتسب بعده الوطني عندما بنيت عقيدته القتالية على قيم الوطنية الخالصة، وبهذه العقيدة يصبح مؤهلاً لممارسة دوره الطبيعي الذي يجب أن يكون .
وجود الدولة بكونها مرجعية عليا حاكمة في ذهن الجماعات المحكومة وبكونها مؤسسة تشريعية وقضائية وتنفيذية في واقعهم يستحيل بقاءها واستمرارها بدون جيش وطني يحمي هذا الوجود كفكرة سياسية وقانونية ويحفظ سقوطها كأصول ثابته في وعي الجماعة، كما أن السيادة الوطنية كقيمة معنوية عليا ليست سوى انعكاس طبيعي لهذا الوجود المادي المتمثل بوجود دولة مؤسسية تحكم الناس بسلطة القانون وتملك جيشاً نظامياً عقيدته القتالية تُدين بداهة بفكرة الدولة وبقيم المواطنة،
فالسيادة الوطنية من هذه الزاوية ليست سوى نتيجة طبيعية لقدرة هذا الوجود المتلازم على تحويل جغرافية البلدان الى أوطان للأجيال المتعاقبة ولعيشهم المشترك.
بناء جيش وطني في المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية كما هو حال تعز مازال يفتقد لما هو جوهري وضروري في بناء أي جيش وطني، كما أن الحديث عن ضرورة تشكيل لجان رئاسية وحتى نجاحها في هيكلة الجيش وفصائل المقاومة في إطار وحدات عسكرية نظامية ليست كافية رغم الأهمية القصوى لذلك، فالجيش في عهد صالح كان يخضع للوحدات النظامية العسكرية على مستوى عالي من الانضباط العسكري لكن الأحداث أثبتت انه لم يكن يوما في صف الشعب ولم يكن قادراً على حماية الدولة والمجتمع، بل أكثر من ذلك وجدنا هذا الجيش هو من انقلب ليس على السلطة المنتخبة شرعياً بل على الدولة كفكرة وطنية وسلم سلاحها الى جماعة اللا دولة، والسبب في ذلك أن عقيدته القتالية لم تبنى من الأساس وفق منظومة من القيم الوطنية الخالصة .
أحد المعضلات في طريق بناء جيش الشرعية بمقاييس وطنية تكمن بكون ذلك البناء يتم في زمن الحرب وليس في زمن السلم، وفي ظروف تبدو فيه مقولة ” كل شيء مباح في الحرب والحب ” تتجلى بشكل تراجيدي في هذه الحرب، فالكل يعمل على شاكلته وعلى حشر كل العواطف والقيم المؤثرة في العقل الجمعي بهدف تحريك العقيدة القتالية نحو جبهات المواجهة العسكرية لاسيما استخدام مصطلحات القاموس الديني بشكل مكثف وسمج في نفس الوقت، وإذا كان مثل هذا التوظيف المتقاطع مع مفهوم الوطنية يصب في مصلحة جماعة اللادولة ( المليشيات الانقلابية ) بكونها حريصة على سحب المجتمع بشكل عام الى عصر ما قبل الدولة الوطنية، فإنه بلا شك لا يصب في مصلحة الشرعية ولن يؤدي حتماً الى بناء جيش وطني في المناطق الخاضعة لسلطتها لاسيما أن توظيف مصطلحات القاموس الديني بهذه السيولة يتزامن مع عملية بناء هذا الجيش من نقطة الصفر، وفي وقت يفترض فيه وضع اللبنات الاولى لعقيدته القتالية، على سبيل المثال وليس الحصر في حديث مؤخرا مع أحد الساسة المرموقين والذي أثق في صدقه قال لي بأنه زار اللواء 170/ وأثناء الزيارة قُدم اليه كتاب صادر عن التوجيه المعنوي أو عن القائمين عليه وأنه وجد الكتاب مثخن بمفردات الجهاد والروافض، وفي المقابل يقول هذا السياسي إنه وجد الكتاب خالي من الحديث عن الحريات وعن حقوق الإنسان ، والسؤال المطروح هنا: هل مفردات الجهاد والروافض والمجوس والشيعة والسنة التي تشكل اليوم توجيهاً معنوياً في بناء العقيدة القتالية لجيش الشرعية تعد من مفردات القيم الوطنية الخالصة ؟
بناء عقيدة الجيش القتالية على مفردات القيم الوطنية الخالصة لا تؤدي الى مهنيته وحماية وحداته العسكرية من أي انقسامات جهوية أو حزبية أو مذهبية فحسب، بل يصبح الجيش في ظلها هو حامي عرين الدولة والمجتمع في لحظة الإنكسارات السياسية الكبرى التي يتعرض لها المجتمع وهي غالباً تكون بفعل حماقة السياسي وأنانيته.
ثورات الربيع العربي كانت هي الإختبار الحقيقي الذي حدد العلامات المستحقة للجيوش العربية في مادة الوطنية، ففي تونس انضم الجيش الى صف ثورة الجماهير وهو الآن يرعى عملية التحول الثوري بكفاءة عالية ، وفي مصر انضم الى ثورة الشعب وأجبر مبارك على تقديم الاستقالة وحرس أول عملية ديمقراطية حقيقية في مصر ، وعندما كبرت الأخطاء وخرجت الجماهير بثورة ثانية وتحول المشهد الثوري الى فوضى في الخروج بين الفعل الجماهيري والفعل الجماهيري المضاد تدخل الجيش لفض حالة الاشتباك.
صحيح انقلب على العملية الديمقراطية الحقيقية وما زال لكنه قدم نفسه حامي لدولة والمجتمع من السقوط في المحظور، ربما كان ذلك هو الخيار المر في الحفاظ على أم الدنيا، أما في اليمن وليبيا فقد كانت العلامات المستحقة للجيش صفرية في اختبارات الوطنية.
بيت القصيد بناء هوية الجيش الوطني لا تحددها عملية الهيكلة أو الدمج بين وحدات الجيش وفصائل المقاومة رغم أهمية ذلك بل تحددها القيم الوطنية الخالصة التي يجب أن تحضر في مرحلة التأسيس وتشكل مداميك عقيدته القتالية، وهو ما يعني وجوب وحدة العقيدة القتالية للجيش في كل المناطق الخاضعة لسلطة الشرعية، وحدة تقوم في الأساس على مرجعية المشروع الوطني في اليمن، ذلك ما يجب أن يكون، أما ما يجري في الواقع فهو تكرار هزلي لمأساة صالح في حكم اليمن .
———
2018/7/5