تحقيق
شيماء الشرعبي
أسامة الفقيه
مكين العوجري
في 29 يونيو 2021 كان سكان حي الضبوعة الواقعة وسط مدينة تعز في مواجهة اخطر انفجار تسببت به إحدى محطات الوقود العشوائية والتي تتبع أحد النافذين السياسيين في المدينة التي تعاني الحصار منذ اندلاع الحرب بين القوات الحكومية ومليشيات الحوثي الموالية لإيران.
احتاج مالك محطة الضبوعة العشوائية إلى ساعات طويلة امتدت حتى صباح الأربعاء 30 يونيو من أجل إخماد الحريق الذي أصاب سكان الحي بالهلع الشديد وجعلهم في حالة طوارئ فراراً من هول الموقف الذي ترصدهم بتواطؤ السلطات وجبروت النافذين في المدينة.
يرى سكان مدينة تعز وريفها الجنوبي انتشار المحطات العشوائية في الشوارع والاحياء المكتضة بالسكان أنها سوق سوداء لبيع المشتقات النفطية برعاية رسمية من مسؤولين عسكريين وسياسيين احترفوا الأنشطة التجارية الغير شرعية في ظل ضعف لفرع شركة النفط اليمنية في محافظة تعز.
ويقول أحد القاطنين جوار محطة بنزين في شارع “المغتربين”، إن “إنشاء محطة وقود اسهل مما يتصور المرء، لا يوجد اي دور للسلطات المحلية تنظم أنشأ المحطات وفق اجراءات رسمية، لا سيما في ظل استمرار الحرب”.
لم يكن انفجار محطة الضبوعة هو الأول ولن يكون الأخير، ففي سوق مكتض بالمواطنين والمحلات التجارية سمع سكان منطقة العين في مديرية المواسط جنوب تعز وبعض قرى المعافر انفجارات متتابعة كانت نتيجة حريق نشب في أحد خزانات الوقود كان يباع بالسوق السوداء، نجم عنه احتراق مايزيد عن خمس مركبات وتضرر في بعض المباني الموجودة في السوق وتوقف الحركة بشكل تام.
تواصلنا مع سكان محليين للاستفسار عن رأيهم في الحادثة، حيث عبروا عن استياءهم من تواطؤ السلطات المحلية وشركة النفط عن الأنشطة التجارية في المشتقات النفطية والتي تعد خطر يهدد حياتهم، مشيرين إلى أن الجهات المعنية لها دور سلبي اتجاه البيع العشوائي للوقود بكافة انواعه.
توسع مخيف يطارد السكان
يعيش المواطن “محمد حميد” قلق دائم من حدوث كارثة في المبنى الذي يسكن فيه بمنطقة حي التحرير وسط مدينة تعز، نتيجة وجود محطة بترول في المكان، يستحضر “محمد” حادثة حريق محطة وقود في منطقة الضبوعة وكيف كان وضع السكان، ويقول” في كثير أحيان اسأل نفسي كيف سيكون حالنا اذا انفجرت المحطة التي في جوار منزلنا.
مالك أحد المحلات التجارية في عقبة 26 يخشى أن تتسبب المحطة الموجودة في إحدى الدكاكين في المكان في حريق ويفقد راس ماله ومصدر دخله، ويستغرب من صمت السلطات المحلية إتجاه المحطات العشوائية.
بجوار مقر المجلس المحلي لمديرية القاهرة يوجد في أحد الدكاكين محطة مكونة من ثنتين طرمبات، وهذا يدل على أن السلطات المحلية متعاونة إلى حد كبير مع العشوائية في أنشأ المحطات المنتشرة في أرجاء المديرية.
وانت مار في شارع الجامعة الممتد من حي الدحي إلى جولة الصقر في بئر باشا ستصادف مايزيد عن عشر طرمبات ( ماكينات وقود) تم إنشاؤها بشكل عشوائي بعيداً عن الأطر القانونية ومعايير عمل محطات الوقود، الأمر الذي شكل إزعاج كبيراً لدى السكان خاصة القاطنين بجوار المحطات العشوائية.
وفق احصائيات نشرها موقع يمن شباب، في 4 سبتمبر 2020، التهم حريق سوق لبيع المشتقات النفطية بمديرية المعافر، وأدى إلى سقوط أربعة جرحى، وفي 4 نوفمبر 2020 احترقت سيارة محملة بالمشتقات النفطية في مفرق جبل حبشي، وفي 7 فبراير 2021 احترقت محطة وقود في حي المرور جراء قصف حوثي أدى إلى جرح ثلاثة مدنيين، وفي 30 مارس اندلع حريق في سوق سوداء للمشتقات النفطية في سوق العين بمديرية المواسط أدى إلى إصابة خمسة أشخاص واحتراق خمس شاحنات واربع مركبات صغيرة، وفي 26 مايو 2021 التهم حريق محطة وقود في ي وادي القاضي أسفر عنه إصابة 12 شخصاً.
قام معدو التحقيق بإحصاء ميداني جديد، شمل أحياء وشوارع كثيرة في مدينة تعز وتركز النزول في احياء العسكري والجمهوري والنقطة الرابع وحوض الاشراف والثورة في مديرية صالة، وشارع الدحي والحبيل والحصب والزنقل وبئر باشا وصينة والدائري الجنوبي في مديرية المظفر، أما في مديرية القاهرة فتركز الحصر في شارع وادي القاضي والموشكي والضبوعة والتحرير الأسفل وشارع المغتربين، وتوصل البحث الميداني إلى عدد 75 طرمبا تم استحداثها بشكل عشوائي، وجاء العمل المسحي بعد أيام من تشكيل لجنة إزالة المحطات العشوائية في المدينة والتي باشرت عملها حينذاك.
حصلنا على خارطة إحصائية للصحفي مرزوق ياسين للعام 2023م، كان قد بلغت عدد طرمبات بيع الغاز 78 طرمبا غير مرخص لها، في مديرية القاهرة 8 طرمبات يتم تموينها، و12 طرمبا في مديرية المظفر يتم تموينها من محطة الفرشة في لحج، 11 في مديرية المعافر يتم تموينها من محطة المفزر، و 9 في مديرية الشمايتين تموينها عبر الاخرم، 8 في مديرية ذوباب تموينها عبر جهات مختلفة، 6 في مديرية صبر المواد يتم تموينها عبر عمر توفيق عبدالرحيم ومحطة الفرشة، 4 في المسراخ، 4 في موزع، 4 في المواسط، فيما تبلغ عدد الطرمبات في مديرية صالة 3 طرمبات يتم تموينها عبر محطة الفرشة، وفي مديرية المخا 6 طرمبات، وطرمبا واحدة في كل من مشرعة وحدنان، جبل حبشي، الوازعية.
تهميش شركة النفط
تواصلنا مع مدير فرع شركة النفط اليمنية في مدينة تعز المهندس علي الاجعر، أفاد أن المحطات العشوائية تتزايد بشكل مخيف ويومي ولا يوجد رقم نهائي لعددها، مؤكدا أن الشركة لا تتعامل مع المحطات ولم تصدر أي تصاريح عمل لها، لافتاً إلى أن تصاريح عمل المحطات لا يتم إلا وفق معايير سليمة.
الاجعر أوضح أن الشركة تقوم بتمويل المحطات الرسمية بالوقود والمعتمدة لديها من السابق، فيما لا يوجد اي تمويل أو تسهيل لإنشاء المحطات العشوائية.
وفي تصريح صحفي سابق لموقع يمن فردوم أفاد “الاجعر” أن المحطات تنتشر في مدينة تعز بطرق عشوائية على أرصفة الشوارع وفي وسط الأحياء السكنية ما يشكل خطر على سلامة وحياة المواطنين، تتوسع دائرة العشوائيات في ظل غياب التنظيم بشكل رسمي وفقاً لأسس هندسية لنظام شركة النفط والغاز، تراعي وسائل السلامة المختلفة.
وأضاف الأجعر أن الحرب الدائرة في البلاد أسهمت في تعطيل عمل شركة النفط في محافظة تعز، وعرقلت سير العمل فيه، وأشار أن هناك جهود تبذل لاستعادة العمل خلال الأيام القادمة.
وكشف مسؤول الشركة عن وجود ما يقارب (250) محطة للمشتقات النفطية عشوائية، ومخالفة للوائح التي تمنح على ضوئها التراخيص، مؤكداً أن مساحة مدينة تعز لا تسمح بإنشاء محطات وقود، فمدينة تعز محصورة للوكلاء السابقين، على حد قوله.
وخلال عملية تقصي وبحث في محركات البحث جوجل اجريناها عن انتشار المحطات العشوائية وجدنا تصريح لنقيب موظفي شركة النفط في تعز “فتحي العبسي” نشره موقع يمن شباب أكد فيه تهميش دور الشركة بوصفة ” دور الشركة مهمش وشبه مقيد ” كما نفى تواجد أي نشاط للشركة بالرغم من تواجد مدير عام للشركة حسب قوله.
ونوه أن أحد الأسباب التي أضعفت دور الشركة وأدائها يعود إلى تحويل المبنى الرسمي لـ شركة النفط الواقع في شارع جمال وسط مدينة تعز، إلى مقر مؤقت للسلطة المحلية بالمحافظة وإداراتها المختلفة. عوضًا عن مبنى المحافظة القديم اللذي دمر بسبب الحرب.
وأشار العبسي في حديثة إلى أن غياب دور الشركة وصعوبة إعادة تفعيل نشاطها كان سببًا في انتشار مثل هذه المحطات العشوائية غير المرخصة بشكل رسمي. مضيفًا أن هذه المحطات يتم إعادتهن بعد إزالتهن وذلك بمقابل دفع رسوم من بعض مالكي تلك المحطات.
في السياق يجيب العبسي عن تساؤلات الكثير حول من يقف وراء عودة المحطات وزيادة انتشارها وإضعاف دور شركة النفط؟ . بقوله ” لا يقوم ببناء هذه المحطات إلا شخصيات نافذة أو أشخاص مدعومين منها، ويحظون بحمايتهم”، مشيراً إلى أن الحل يكمن في تمكين شركة النفط من القيام بعملها داخل المحافظة.
تعطيل لجنة إزالة المحطات
مع تكرر حوادث انفجار المحطات الغير مرخصة في الأماكن السكنية بين الحين والآخر، في 27 مارس 2024 شكل محافظ تعز نبيل شمسان لجنة لإزالة المحطات العشوائية، وشرعت اللجنة في تنفيذ الحملة مطلع أبريل في مديريات صالة والقاهرة والمظفر، وذلك لما لها من تهديد لحياة المواطنين نظرا لانشائها في أماكن وأحياء سكنية وبطريقة مخالفة تفتقر لابسط المعايير .
وبحسب خبر نشرته الإدارة العامة للإعلام بديوان عام المحافظة عبر حسابها في “الفيسبوك” فقد استمع المحافظ الى تقريرين من مدير شركة النفط، ومدير شركة الغاز بالمحافظة، لعدد المحطات المخالفة، إلا أن الخبر لم يشير إلى العدد ونطاق تواجدها.
وفي ظل فشل ذريع للجنة إزالة المحطات العشوائية، أشار الصحفي مرزوق ياسين ان 28 طرمبة نفط عشوائية عادت إلى شوارع مديرية القاهرة بعد حملة الإزالة التي نفذتها السلطة المحلية و35 اخرى في شوارع مديرية المظفر، موضحاً أن المسؤول الأول في عرقلة شركة النفط هو محافظ تعز نبيل شمسان واصحاب المحطات العشوائية واغلبهم نافذين وقيادات عسكرية وحزبية حد تعبيره.
مصادر أخرى خاصة أكدت أن شخصيات مسؤولة في سلطات الدولة لديها محطات عشوائية وتعمل جاهدة على عرقلة سلسلة اللجان المتعاقبة لإزالة المحطات العشوائية في المدينة، ومن بين هذه الشخصيات قادة عسكريون وقضاة في السلك القضائي وتجار.
حصة تعز تفاقم المشكلة
منذ تسعة أعوام لم تحصل محافظة تعز على حصتها من النفط المقرر لها من الحكومة المعترف بها دوليا ، وهذا فاقم من مشكلة توقف المحطات الرسمية وتراجع دور فرع شركة النفط اليمنية، ومؤخراً استطاع مدير الشركة علي الاجعر من استئناف حصة تعز، إلا أن أعمال التقطع في محافظة شبوة حال دون وصولها في وقتها المحدد، حيث تم احتجاز شاحنات النقل لمدة 15 يوم.
وأوضح الاجعر لـ”المواطن” أن الإفراج جاء بعد أن دفع فرع شركة النفط في تعز، المبالغ المالية التي فرضتها سلطة محافظة شبوة بشكل غير قانوني كرسوم تحسين، على الرغم أنه لا رسوم تحسين على مواد الدولة.
وشدد على أنهم كانوا قد رفضوا دفع تلك الرسوم والمقدرة ب20 ريال لكل لتر؛ كونها غير قانونية، وقام بمتابعة القيادة العليا للدولة ممثلة برئيس مجلس الوزراء للتدخل لمنع هذا الإجراء الغير قانوني والإفراج عن الشاحنات، ولم يلقى أي استجابة أو تحرك جاد من قبل القيادة العليا للدولة؛ الأمر الذي اضطرهم في الأخير دفع تلك المبالغ الغير مستحقة؛ من أجل يسمحوا للشاحنات بالمرور، وخوفاً من تبخر المشتقات بعفل الحرارة.
وافاد أن نفس هذه المبالغ دفعت أيضاً لنقطة تفتيش تابعة لقوات العمالقة في مديرية ذو باب التابعة لمحافظة تعز.
واستغرب من عدم تحرك القيادة العليا للدولة ممثلة برئيس مجلس الوزراء ووزير النفط ووزير النقل لمنع هذا الأمر المخالف للقانون، والذي سيضاعف من معاناة المواطنين في ظل هذه الظروف الصعبة، كون هذه الرسوم غير القانونية ستؤدي إلى إرتفاع سعر المشتقات النفطية.