فهمي محمد
الإهداء/ إلى ثوار 11 فبراير الذين ثاروا من أجل دولة الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان .
الثورة وإن كانت مصطلحا حديث التسمية والتداول، في أدبيات الفكر السياسي والإجتماعي الحديث، إلا أنها وجدت تاريخياً في ظل صيرورة الإنسانية، التي تحولت إلى مفهوم سياسي واجتماعي يعكس قيم ومبادئ الحرية والعدالة والكرامة، خصوصاً وأن الحرية والعدالة والكرامة هما جوهر وجود الإنسان، ومناط تكليفه كمخلوق إنساني (عاقل) من دون سائر المخلوقات الحيوانية على هذه الأرض.
فالله -سبحانه وتعالى- قد خلق بني آدم على أساس أنهم بشر أحرار في اختياراتهم وفكرهم حتى فيما يتعلق بعبوديتهم للخالق -عز وجل- من عدمها، وفي نفس الوقت كلفهم على أساس هذا الوجود الإنساني الحر والعاقل في مسألة تحقيق منهج العدل والعدالة بينهم، بغض النظر كانوا مؤمنين بالله، أو ملحدين غير مؤمنين به أي كلفهم على أساس أنهم بشر مكرومون في هذه الأرض.
الأمر الذي يعني أن الحرية والعدالة وحتى الكرامة هما محددات السنن الإلهية، وحتى القانون الطبيعي المتعلق بالإنسانية، وقيمها المتأصلة كمفهوم حضاري تقدمي بشري، بغض النظر عن دين الإنسان ومعتقداته، فالحرية والعدالة والكرامة صنوان مرتبطان بنجاعة الإنسان واستقراره ومستقبله في الدنيا، وليس في عالم الآخرة.
وعطفا على ذلك، فإن الثورة كفكرة تغيير قد عبرت عن نفسها تاريخياً تحت مسميات مختلفة {الخروج، الفتنة، الانتفاضة،.. الخ} إلا أنها كانت في كل الأحوال تقدم نفسها كفعل رافض للواقع، أو للممارسات التي تنتقص من حقوق الإنسان الطبيعية، أو من القانون الطبيعي، والسنن الإلهية التي ارتبطت بمحددات الإنسانية الغير قابلة للانتقاص على هذه الأرض، وفق تعاليم الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ناهيك عما يستجد تحت مفهوم الحرية والعدالة والكرامة من حقوق مكتسبه للإنسان في كل زمان ومكان، تعد بحد ذاتها مداعاة لمشروعية الفعل الثوري في حال إن تم مصادرتها من قِبل الإنسان أو من قِبل السلطة الحاكمة.
وإذا كان الله -سبحانه وتعالى- قد كرم الإنسان في مسألة الحرية والعدالة، بحيث أصبحت الحرية والعدالة والكرامة بكل معانيها ومظاهرها هي المقدس الإنساني الثابث الذي لا يجوز المساس به في عالم الإنسان، فإن المساس بهذا المقدس، أو مصادرته من قِبل الحاكم وسلطته السياسية يجعل الإنسان في كل زمان ومكان معني بممارسة الفعل الثوري في سبيل استعادة حريته وعدالته وإنسانيته المفقودة وحتى كرامته المهدورة .
على هذا الأساس نستطيع القول أن منطق الإنصاف يقول إن التعاطي مع ثورة 11 فبراير 2011م ومع مشروعيتها مع فكرة التغيير يجب أن لا يكون أو يتم بناء على الواقع الذي نعيشه اليوم في اليمن لأن هذا الواقع هو نتاج للثورة المضادة التي انقلبت على ثورة 11 فبراير وعلى مشروعها الوطني = مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
ما يعني في النتيجة النهائية أن التعاطي والتقييم مع ثورة 11 فبراير يجب أن ينطلق في كل الأحوال من أسئلة الحرية والعدالة والكرامة المتعلقة بإنسانية اليمنيين في ظل سلطة الرئيس صالح « العائلية » وتوجهها السياسي والإجتماعي والإقتصادي وحتى الوحدوي حتى عام الثورة 2011م، لا سيما في ظل رفضه للتعاطي السياسي /الوطني/ المسؤول/ تجاه مسألة الإصلاح والديمقراطية والقضية الجنوبية.
بيت القصيد في هذه المقالة – إن الثورة وإن كانت لا تولّد في الفراغ، إلا أن الفراغ الوحيد، الذي يوولّد الثورة على الدوام هو فراغ الإنسانية من محتواها الطبيعي في حياة الناس.