أوراس الصفواني
تعد الحياة القبلية في اليمن ظاهرة تاريخية وسياسية وثقافية ، كما أنها تمثل ظاهرة اجتماعية بنائية ممتدة عاشت اليمن في ظلها عبر مراحل تاريخها الطويل حياة سياسية واجتماعية غير مستقرة ، وذلك على الرغم من مظاهر الوحدة الحضارية والثقافية والدينية التي تميز بها المجتمع اليمني القديم ومنه المجتمع القبلي قبل الإسلام وبعده، حيث يعتمد النسق السياسي القبلي في اليمن على التنظيم الانقسامي في المجتمعات القبلية التقليدية التي لا تؤلف دولة ، فكل قبيلة وكل قسم من أقسامها يتمتع بكيان سياسي و اقتصادي خاص بها ، ولذا فان كل قبيلة تستقل بمنطقة جغرافية محددة وخاصة بها تعتبرها ملكا لها دون غيرها من القبائل والاقسام القبلية الأخرى وكل منطقة قبلية مرسومة الحدود وموضحة المعالم سواء بالنسبة للقبيلة نفسها أو لغيرها من القبائل الاخرى ، بحيث لا يجوز لأية قبيلة أن تقدم على الاعتداء على الحدود أو احتلال أراضي غيرها من القبائل الأخرى لأن ذلك يعتبر عيبا كبيرا ليس فقط في حق القبيلة المجني عليها أو المعتدى عليها وانما ايضا في حق القبائل الاخرى.
تشير المؤلفات التاريخية القديمة منها والحديثة على أن القبائل اليمنية كانت قد بدأت تظهر الى الوجود السياسي في عهد ملوك سبأ ، حوالي ٥٠٠ قبل الميلاد حيث أخذت هذه القبائل تلعب دورا مهما في سياسة بلاد العرب الجنوبية، وعندما جاء الإسلام كانت القبائل اليمنية من أوائل القبائل العربية التي آمنت بالدعوة الجديدة ، وساهمت في نشر هذه الدعوة في مختلف الاقطار والامصار، وفي الفترة التي تلت قيام ثورة العام 1962م استمرت القبائل في ممارسة نفوذها، ولعبت دوراً أساسياً في المشهد السياسي اليمني عبر العقود الماضية ورغم محاولات ومساعي تحديث البلاد تدريجياً، استمر حضور وتأثير العامل القبلي في الكثير من جوانب الحياة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وفي عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بلغ الحضور السياسي للقبائل ذروته في التاريخ اليمني المعاصر، منذ تسلمه السلطة عام 1978م. عمل صالح على إحياء دور القبيلة وبث الروح فيها من جديد بعد أن كان دورها قد تراجع منذ عام 1962م، ونسج علاقات مع شيوخ القبائل الذين قربهم منه وقدم لهم المال والمناصب والرتب العسكرية، كل ذلك بهدف شراء الولاءات بغرض تعزيز حكمه وإطالة أمده.
حين اندلعت الثورة الشباب اليمنية عام 2011م، والفترة التي تلتها انخرطت القبيلة اليمنية في خضم الاحتجاجات الشعبية، وجاء إعلان مشائخ كبرى القبائل اليمنية مثل حاشد، وبكيل انضمامهم إلى الثورة الشعبية، ليوجهوا ضربة كبيرة للنظام على عبدالله صالح، وهو ما اعتبر تخلياً من قبلهم عن النظام الحاكم، وبداية لنهاية التحالف بين القبيلة ونظام الحكم، وهو ما ساعد على زيادة الزخم الثوري وارتفاع وتيرة الاحتجاجات وفتح ساحات اعتصام لانضمام أبناء القبائل اليمنية في كبرى المدن اليمنية، وبرز دور القبيلة كرافع للاحتجاجات مقابل محدودية تأثير الحركات والقوى المدنية.
ويمكننا القول أن القبائل تلعب دورًا مهمًا في النسيج الاجتماعي والسياسي لليمن، وكان لها تأثير كبير على الأزمة اليمنية فقد استخدمت بعض القبائل النفوذ السياسي والعسكري لإثارة الفوضى وزعزعة استقرار البلاد، وبما أن اليمن يمتلك هوية قبلية قوية، فإن أي حلول سياسية للازمة اليمنية يتعين أن تأخذ بعين الاعتبار دور القبائل وتعزيز دورها في الحوار والمصالحة الوطنية.