محمد راوح محمد سعيد
نائب عميد كلية الزراعة لشئون البيئة و خدمة المجتمع – جامعة صنعاء
المبيدات الزراعية هي مركبات كيميائية سامة خطيرة تستخدم في مكافحة الآفات الزراعية، ورغم الأضرار الناتجة عن استخدام المبيدات، وخطورة هذه المركبات على صحة الإنسان والحيوان وتلوث البيئة Environmental وما تحدثه من خلل في التوازن الطبيعي أو الحيوي Biological balance، إلا أن الواقع يؤكد أنه لا يمكن الاستغناء عن المبيدات، على أقل تقدير خلال العقدين القادمين خاصة في دول العالم الثالث التي لا تمتلك البدائل المناسبة للمبيدات، كما لا يمكن تجاهل الدور الإيجابي والكبير الذي تلعبه المبيدات في مقاومة الآفات الزراعية، وما ينتج عن ذلك من زيادة في الإنتاج الغذائي، وتحقيقاً للأمن الغذائي خلال السنوات القادمة. وكون المبيدات إحدى المدخلات المهمة في عملية الإنتاج الزراعي فإنها في بلادنا تشكل خطورة صحية عالية على الإنسان والبيئة بسبب استخدامها بشكل لا يراعي قواعد الاستخدام السليم للمبيدات، ويرجع ذلك إلى جهل كثير من المزارعين وأصحاب محلات الخدمات الزراعية الناتج عن ضعف أو غياب دور الإرشاد الزراعي والقصور الكبير في التوعية وتوصيل المعلومات والإرشادات الزراعية الصحيحة، إضافة إلى استخدام مبيدات محظورة تدخل البلاد بطرق غير مشروعة عن طريق التهريب.
للأسف الشديد هناك كثير من الإجراءات والممارسات الصحيحة قبل وأثناء وبعد استخدام المبيدات يجهلها كثير من المزارعين والمتداولين للمبيدات، نتيجة لنقص التوعية والمعلومات والإرشادات الزراعية الصحيحة، فمثلاً يقوم المزارع بشراء المبيدات الزراعية من محلات المبيدات، حيث يجهل كثير من أصحابها كيفية استخدامها بشكل صحيح وآمن، مع غياب المختصين لديهم، فيترتب على الاستخدام العشوائي أو الخاطئ مخاطر وأضرار كبيرة، وفي كثير من الأحيان يقوم المزارع بشراء مبيدات دون معرفته بنوع الآفة، نوع المبيد المناسب (المادة الفعالة)، وسائل الحماية الشخصية، فقد تكون لديه آفة حشرية ويصف له مزود الخدمة مبيداً فطرياً، عندها كل ما قام به المزارع هو حشو المنتجات الزراعية بمبيد لا حاجة له به، ويعيد الكرة للبحث عن مبيد مناسب للآفة، وربما يشتري مبيداً باسم تجاري آخر ولنفس المادة الفعالة للمبيد الذي استخدمه من قبل، وقد يشتري مبيدات محظور استخدامها أو يقوم بشراء عدة مبيدات ويخلطها مع بعض مما يترتب عليه حدوث أضرار ومخاطر جسيمة عليه وعلى المستهلك والمحاصيل.
فالجهل بقواعد السلامة العامة في استخدام المبيدات تعرض القائم بالرش إلى خطر التسمم أثناء الرش، فكما هو معروف أنه عند استخدام المبيدات يتوجب على القائم بالرش استخدام ملابس وأدوات من نوع خاص تسمى “وسائل الحماية الشخصية”، مثل الكمامات، والنظارات، والأحذية الطويلة، والقفازات وغيرها من الأدوات، حيث تقوم هذه الوسائل بحماية القائم بعملية الرش من التعرض للمبيد أثناء الاستخدام، كما يفترض أن يمتنع المزارع من الأكل، والشرب والتدخين أثناء ذلك، ولكن للأسف الشديد فإن أغلب المزارعين لا يقومون بهذه الإجراءات إلا أحياناً من تغطية الأنف بالشال فقط، وقد يقوم المزارعون بخلط المبيد بأيديهم مما يعرضهم للتسمم بالمبيدات، سواء تسمم حاد سريع الأثر أو مزمن بعيد الأثر. وفي حالات كثيرة لا يقوم المزارع بالرش بحسب الجرعات الموصى بها، فيقوم بزيادة الجرعات جهلاً أو اعتقاداً منه رفع كفاءة المبيد، محدثاً زيادةً خطيرةً في متبقيات المبيدات داخل المنتجات الزراعية من خضار، أو فاكهة، أو حبوب، مما ينتج عنها مخاطر صحية للمستهلكين وللمزارعين على حد سواء، أو قد يخفض الجرعات المناسبة مما يتسبب في فشل عملية المكافحة.
ومن الأمور المهمة التي يجلها كثير من المزارعين وأصحاب المحلات ويتجاهلها الكثير هي المدة اللازمة بعد عملية الرش، والتي يمنع فيها قطف وتسويق المنتجات الزراعية، حيث أنه بعد انقضاء هذه الفترة يصبح المنتج الزراعي قابلاً للاستهلاك، وقليل من يلتزمون بها، فللأسف الشديد هناك عديد من المنتجات الزراعية مثل الخضار وخاصة الخيار الذي يعد بمثابة سندوتش مبيد بسبب الكمية الكبيرة من المبيدات التي ترش عليه باستمرار وبفترات متقاربة، حيث يقطف بسرعة دون أن تمر فترة الأمان الموصى بها.
ومن نتائج الاستخدام العشوائي للمبيدات ظهور السلالات المقاومة من الآفات الحشرية والعناكبية أو من المسببات المرضية الأخرى، نتيجة لجهل معظم مستخدمي المبيدات بحساب جرعات المبيد الصحيحة، فينتج عن ذلك إما نقصاً في الجرعة أو زيادة فيها، ففي حالة النقصان تظهر السلالات المقاومة من الآفات أو الأمراض التي لا تتأثر عند رشها بالجرعة الموصى بها من المبيد، فيقوم المزارع برفع الجرعة أكثر وأكثر، وعند رفع جرعة المبيدات تصبح هذه المنتجات غير صحية، وسامة على المدى الطويل.
إن مشكلة الاستخدام الخاطئ والعشوائي للمبيدات في بلادنا واسعة وشاسعة، تحتاج إلى لفتة جادة وحلول مناسبة للحد منها ولتقليص رقعتها.
(أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز، ضمن مشروع منبع الثقة Rooted In Trust في اليمن).