عدن – لمياء الشرعبي
“لأنني اعتقلتُ في سجون الحوثي، أصبحت منبوذة من قبل المجتمع، الكثير يشكك في عرضي وشرفي” هذا ما قالته برديس السياغي (30 عاما) رئيسة اللجنة الإعلامية في رابطة حماية الناجيات من سجون الحوثي، بعد أن اعتقلتها الجماعة في 2أغسطس 2019.
تسلط الضوء على الإساءة التي لحقتها من المعتقل، تقول ” أتقلى دائما أحاديث تسيء لسمعتي، وهذا يجعلني أعاني نفسيا أنا وأولادي الثلاثة ” مشيرة بدلك للنظرة المجتمعية المنبوذة التي تلاحقها في وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد لجوئها إلى مصر.
في نموذج آخر عن الألم الذي مازال يرافق برديس من المعتقل تقول: “فقدت عيني وكسر أنفي تحت التعذيب؛ أصبح لدي حجاج وانفصال في شبكة العين”.
موضحة بذلك عدم التوقف على الألم النفسي الذي تلقته من المجتمع بعد خروجها من السجن والمتمثل في قذفها واتهامها بشرفها كالاشاعات التي انطلقت باغتصابها بل صاحب ذاك ألم جسدي إثر التعذيب بصواعق الكهرباء وبخدوش وتقطيع في جسدها.
عن سبب اعتقالها تقول “بسبب رفضي في المشاركة بقصائد تخدم الحوثي، أخذوني إلى مكانٍ أشبه بالقبر المظلم، تلقيت به كل أنواع العذاب النفسي والجسدي”
لم يكن اعتقال برديس محطة العبور الأولى التي أودت بها إلى مربع الألم فقد سبق اعتقالها سلسلة معاناة أشبه بحرب استنزاف بدأت في بداية أغسطس 2018 عند اعتقال زوجها كضحية أولية لرفضها النشاط والكتابة في مجال يخدم سياسة الحوثي تشير” بعد اعتقال زوجي بلغتني أحد الجهات التابعة للحوثي أن زوجي قد مات؛ لكني لم أتقبل هذا وطالبت بجثة زوجي ولكنهم رفضوا”
لم يتوقف الوقت عند بقائها بين عدم التصديق بموت زوجها أو العيش كأرملة، فبعد ذلك قامت جماعة الحوثي في سبتمبر 2018 باقتحام منزل برديس، بتهمة امتلاكها مخزون من السلاح.
لا حد كافيا للألم الذي تعرضت له من قبل جماعة تغتصب الحرية بالسلاح، توضح “بعد اتهامي بتخزين السلاح أعتدى عليّ الحوثي بالضرب في شارع عمان بصنعاء، في 7 ديسمبر 2019 نقلوني إلى المستشفى على إثر ذلك”.
قدمت برديس شكوى إلى القضاء بسبب ما تعرضت له من اتهام واعتداء ولكن القضاء في صنعاء جمد قضيتها دون الوصول إلى نتائج تدين ما تعرضت له من انتهاكات هي وزوجها.
قبل اعتقالها “هربت برديس إلى محافظة مأرب الواقعة تحت حكم سيطرة الشرعية، في ديسمبر 2018” مكثت في مأرب خمسة أشهر تقول: “علمت خلال تلك الفترة بأن زوجي حي لم يمت وبعد أن علمت جماعة الحوثي بهروبي من صنعاء أرسلوا لي وسطاء كان من ضمنهم (وكيل وزارة الإدارة المحلية خليل القرشي)، تعهد الوسطاء لي بعدم إلحاق الضرر بي، كما تعهدوا بتقديم المعتدون عليها إلى القضاء لمحاسبتهم”.
كان الوضع الاقتصادي السيء الذي مرت به برديس في مأرب، وعلمها بوجود زوجها في معتقل الحوثي هو من دفعها للوثوق بالعهود المثقوبة للحوثيين والعودة إلى صنعاء لتجد ذاتها بعد 3 أشهر من عودتها معتقلة في السجن”.
تم الافراج عنها في 16 نوفمبر 2019 بعد مكوثها ما يقارب مائة يوم في السجن، “بصموني على أوراق اعدام قبل الافراج عني”.
غادرت برديس مع أولادها إلى مصر، إلا أن الخطر مازال يحيط بها في بلد المهجر تقول: “ما زلتُ أتلقى تهديدات بالقتل من قبل الحوثي حتى وأنا في مصر”.
أسوأ من الاعتقال.. جهات تستغل العرف المجتمعي لتلحق الضرر بالمرأة..
المحامي عمر الحميري يقول: “اعتقال النساء أثناء فترة النزاع يتركز بشدة في مناطق سيطرة الحوثيين، فالحوثيين أخذوا النسبة في ذلك، كما أن أسباب اعتقالهن تتفاوت من بينها رغبة الحوثيين في تجنيد النساء، وقمع العاملات في المجال السياسي أو الحقوقي”.
يشير الحميري إلى “أن التهم التي توجه للنساء بعد اعتقالهن عادة تصنف ضمن نمطين؛ النمط الأول متعلق بالنشاط العسكري، مثل اتهام النساء بالتخابر مع العدو، أو زراعة شرائح طيران، أو رصد الأهداف، أما النمط الثاني فيكون بإلقاء تهم مرتبطة بالشرف والدعارة وترويج المخدرات”.
ويرى أن الهدف من توجيه طرف النزاع هذه التهم للنساء هو “عزلهن كضحايا عن تضامن المجتمع القبلي كما أن نتائج اعتقال النساء واحتجازهن في سجون الحوثيين تنتهي في بعض الحالات إلى تجنيد النساء لتحقيق مصلحة عسكرية”.
ولأن النظرة المجتمعية في اليمن للمرأة المعتقلة عادة ما تكون مؤطرة بالشرف يقول الحميري: “في حالات أخرى يتم الافراج عن المختطفات دون الكشف عن الجهة التي اختطفتهن؛ وذلك لقتلهن معنويا في مواجهة الأسرة والمجتمع بحيث تصبح الضحية أمام أسرتها والمجتمع مشكوكا في شرفها”.
التأثير النفسي
وبخصوص النظرة المجتمعية التي تتلقها المرأة المفرج عنها من السجن في اليمن، يقول الاخصائي النفسي فؤاد أبكر أن “التأثير النفسي يقوم على عدة متغيرات تتكون على أساسها ردة الفعل النفسية للمرأة ومن هذه المتغيرات سبب دخول السجن للمرأة (سياسي-جنائي – قضية شرف)، وأيضا نوع الطبقة المجتمعية للمرأة”.
ويرى أن “هناك نساء من طبقات مجتمعية قبلية تواجه رفضا أسريا ومجتمعيا بعد الخروج من السجن ومثل هذه الحالات قد تعرض المرأة لمخاطر نفسية تدفعها لسلوكين أما الاستسلام للرفض الأسري والمجتمعي ومن ثم الانتحار، أو الاضطرار الى التشرد وكل ما يترتب عليه خاصة إذا فقدت المرأة المأوى”.
الجذور الاجتماعية
من جهة أخرى يوضح أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة تعز محمود البكاري أن “الجذور الاجتماعية في اليمن تشمل عادات تقاليد وأعراف وقوانين اجتماعية -غير مكتوبة- ولكن توارثها الناس جيلا عن جيل، هذه الأعراف تضع المرأة في مرتبة متدنية”.
يشرح ذلك في صورة موضحة “تبعا للأعراف اليمنية فالمرأة حتى وان تعرضت للاعتقال تعسفا يقع الذنب الأكبر على عاتقها أكثر من الجهة المعتقلة، كما أن المرأة التي تدخل السجن وفقا لأسباب جرائمية كقومها بالقتل تكون منبوذة من المجتمع ولا يمكن أن يغفر لها بعكس الرجل وكل ذلك يرجع للجذر المجتمعي الذي يرى أن المرأة ليست بشرا يخطئ مثلها مثل شريكها الرجل”.