إصلاح صالح
في إحدى الصباحات البائسة، خرجت نعمة وأختها الصغرى أسماء لرعي الأغنام وجمع الحطب في ضواحي قريتهما، وبينما كانتا تمشيان انفجر لغم ليقذف بإحدى الأختين على الأرض، خطوة واحدة على الطريق غيرت حياتهما إلى الأبد، فالأولى فارقت الحياة، والأخرى سيرافقها تأنيب الضمير على المدى البعيد.
لا تزال أسماء، اسم مستعار، فتاة في ربيعها الثالث والعشرين، تتذكر ذلك اليوم المروع، وتظهر علامات الحزن والأسى عليها: “بينما كنت أقف لجمع الحطب هز انفجار عنيف المنطقة، لم أشعر وقت انفجار اللغم بما جرى من هول الصدمة”.
بدت الأمور أكثر تسارعًا من أن تدرك أسماء ماذا حدث، بدأ إدراكها بمحيطها يعود تدريجيًا، أول ما رأته هو أختها نعمة، كانت تكافح لأجل البقاء، رفساتها وصيحاتها اللاإرادية ترعب القلب وتشل الجسد، صيحاتها لأسماء “ابتعدي” كانت تتعالى خوفًا من أن تقع في نفس الفخ. الهلع كان سيد الموقف، فكرة أن شقيقتك تفارق الحياة أمام عينيك دون أن تستطيع إنقاذها فكرةٌ في غاية الرعب والفزع، حد وصف أسماء.
المرأة اليمنية عرضة لانتهاكات عدة
حوادث انفجار الألغام وخطف أرواح وأعضاء المدنيين في اليمن أحد أبرز الانتهاكات التي أودت بحياة 40 امرأة، وإصابة 69 أخريات بإصابات خطرة سببت لمعظمهنّ إعاقات دائمة وتشوهات مختلفة بحسب اللجنة الوطنية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان، فمنذ نشوب الحرب الدائرة في البلاد، ما تزال المرأة اليمنية ضحية لانتهاكات تنسف حقوقها من الأساس، وتجعلها عرضة للتشرد والنزوح والفقر ومختلف تداعيات الصراع القائم، حقوق مسلوبة، وكرامة مهدورة، وصوت لا يسمع صداه، تكابد همومها بكاهل أثقلته سنوات الانقلاب وتداعياته التي أكلت أخضر عمرها ويابس سنين عطائها.
استُغلت المرأة اليمنية أبشع استغلال، واستُهدفت بطرق مباشرة وغير مباشرة، فكانت ولا زالت هدفًا للقتل، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، فضلًا عن النزوح من منطقة إلى أخرى، مما أدى إلى زيادة تعرضها للعنف بشكل كبير.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان للعام 2021م، إلى أن 1333 امرأة يمنية تعرضنّ للانتهاك خلال الفترة من مطلع 2015م وحتى أواخر العام 2020م، في جميع محافظات الجمهورية، وتسببت بها جميع الأطراف.
انتهاكات ترقى لجرائم حرب
وتتعرض المرأة اليمنية في العديد من المحافظات لانتهاكات حقوقية جسيمة كلفتها في بعض الأحيان حياتها، ولا تزال تعاني حتى اليوم في العديد من المناطق التي تشهد حروبًا ونزاعات مسلحة.
وثبتت مسؤولية جماعة الحوثي عن 843 ضحية، فيما ثبتت مسؤولية طيران التحالف العربي والقوات الحكومية الشرعية والقوات الموالية لها المحسوبة عليها عن 409 ضحية من النساء، ومسؤولية طيران الدرونز الأمريكي عن 16 ضحية، ومسؤوليات أطراف أخرى عن سقوط 52 ضحية من النساء.
وأوضحت المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، أن هناك أشكال كثيرة من الجرائم والانتهاكات التي طالت النساء في اليمن، منها المباشرة كمصادرة الحق في الحياة، وانتهاك السلامة البدنية، والتهجير والتشريد، وعدم وجود الحماية في مخيمات النزوح، وانعدام الرعاية الصحية، والاعتقالات، والإخفاء القسري، والاغتصاب، وإصدار أحكام الإعدام والمؤبد وذلك في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتشير الصراري إلى انتهاكات غير مباشرة جاءت كأثر غير مباشر للحرب، كالتسرب من التعليم، وانعدام آليات الحماية، والفقر، والبطالة، وتحمل مسؤوليات إضافية خلال غياب رب الأسرة نتيجة قصور وانشغال مؤسسات الدولة المخولة بحماية حقوق الإنسان، لافتة إلى أن الأمر يتطلب وجود دولة قوية ذات مؤسسات نظامية وقانونية وتشريعات تعزز مطالب النساء وحقوقهنّ، ومناصرتهنّ، وتوعية المجتمع بشكل مستمر.
أنماط جديدة من الانتهاكات
وتعتبر الحروب وتبعاتها أهم الأسباب التي زادت من الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليمنية، وهذا ما أكدته فاطمة مريسي، رئيسة اتحاد نساء اليمن فرع عدن، قائلة: “إن ظاهرة العنف تفشت بشكل كبير بعد حرب عام 2015م، وذلك لعدة أسباب، أهمها استمرار الحرب، وغياب الأمن، ونشوء أزمة اقتصادية كبيرة تأثر بها عدد كبير من المواطنين، مما ترتب على ذلك أذى ومعاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أم الجنسية أم النفسية”.
كما أدّتا حالتا الفقر واللجوء والنزوح من المدن والقرى إلى ظهور أنماط جديدة من الانتهاكات ضد المرأة، وإن كانت موجودة فقد كانت تشكل حالات فردية محدودة، تتمثل في ظاهرة تزويج الفتيات في دول اللجوء المجاورة من جنسيات عربية (عُمانية بشكل خاص) مقابل مهور مرتفعة، ويضطر الأهل إلى الموافقة على مثل هذا النوع من الزواج نتيجة الفقر، إضافة إلى حرمان الفتيات من التعليم نتيجة الأزمة الحالية، وتزويجهنّ تحت السن القانوني، لتنتج نسبة عالية من حالات الطلاق.
وأشارت اللجنة الوطنية في تقريرها إلى أن القصف على الأحياء السكنية تسبب في سقوط 552 قتلى و841 جرحى من النساء، كما تعرضت 72 امرأة يمنية للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بسبب نشاطهنّ الإنساني والسياسي، أو لابتزاز لأسرهنّ كجزء من سياسية استخدام النساء في الحرب.
المرأة الحلقة الأضعف
ويرى فهمي الزبيري، مدير عام حقوق الإنسان بأمانة العاصمة، أن المرأة الأكثر ضررًا من الحرب والصراع المسلح من بين فئات المجتمع كونها الحلقة الأضعف، “تعرضت للقتل بالقنص المباشر والصواريخ والمقذوفات والألغام التي زرعها الحوثيون في الأماكن العامة والطرقات، كما تعرضت للاختطاف، والإخفاء القسري، والتعذيب، والاعتداء الجسدي والجنسي في السجون، وهو ما أكدته التقارير الدولية، وفرض مجلس الأمن عقوبات ضد الجناة، وهم قيادات حوثية في بعض أجهزتهم الأمنية”.
يقول الزبيري: “عانت المرأة مرارة التشرد، والنزوح، والتهديد، والابتزاز، والتعسف، والإقصاء الوظيفي، والهم الأكبر لرعاية وتعليم أطفالها وإطعامهم في ظروف غلاء المعيشة وانقطاع المرتبات”.
ومنذ مارس 2015م وحتى مارس 2021م، حققت اللجنة الوطنية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في 4 وقائع اغتصاب ضد نساء على خلفية نشاطهنّ ومواقف أسرهنّ السياسية والفكرية، وتتعرض 376 سجينة ومحتجزة للحرمان من حقوقهنّ في العون القضائي، وتأخير النظر في قضاياهنّ، وسوء أوضاع المنشئات صحيًا وغذائيًا، إضافة إلى حرمان بعضهنّ من الإفراج على الرغم من انقضاء فترة العقوبة بمبررات غير قانونية.
دعوات لوقف الانتهاكات
ولم تعد تحظ الانتهاكات التي مورست ضد المرأة بالإدانة ولا بالاهتمام الكافي، على الرغم من أنها ما زالت مستمرة، وما زال بعضها يُشكل جرائم ضد الإنسانية، بدأنا نلحظ تطبيعًا مع الجريمة، نظرًا لتكرارها وطول مدة ارتكابها، وهذا غاية في الخطورة، لذا لا بد من رفض وإدانة ما تتعرض له المرأة اليمنية من جميع الجهات.
ودعت إشراق المقطري، الناطق الرسمي للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إلى تكثيف عملية التوثيق والوصول للنساء الضحايا في المناطق النائية، لافتة إلى أن ذلك لن يأتي إلا بدعم كبير للمنظمات الفاعلة على الأرض، إضافة إلى تفعيل محاسبة الجناة، وتقديم ملفات أمام القضاء بمثابة ردع، والأهم من ذلك ضغط المجتمع الدولي على جماعة الحوثي بالتوقف عن إجراءاتها الأخيرة ضد النساء، والاعتقالات التعسفية، وإيقاف استهداف الأحياء، وزراعة البيئات الآمنة بالألغام.
وأوضحت المقطري أن الانتهاكات لم تستثني أي حق من الحقوق، “وصلت إلى الحق في الكرامة والحياة، والحق في السلامة الجسدية والسلامة النفسية، ولا ينكر أحد الانتهاكات المتعلقة بالعنف الجنسي، ووجود عدد من حوادث التحرشات والاعتقالات التعسفية غير القانونية، جميعنا يعرف الوضع الحالي، بالذات في العامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢، وما قامت به جماعة الحوثي من تضييق على مشاركة النساء في الحياة العامة من خلال طلب محارم، وطلب أذونات للتحرك، وإعاقة دخولهنّ وتواجدهنّ في المنظمات المحلية والدولية”.
اتفاقية سيداو
وتشير العديد من تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى أن المرأة لا تزال تتعرض لانتهاكات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وإن اختلفت هذه الانتهاكات في نوعها وحجمها من بلد إلى آخر، حسب الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في كل دولة على حدة.
وتعرّف المادة الأولى من اتفاقيّة مناهضة كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو) التمييز ضد المرأة بأنه: “أيّ تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتمّ على أساس الجنس، ويكون من آثاره وأغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو أيّ ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق، أو تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية”.
توصيات
دعت الصراري إلى تطوير آليات حماية النساء، وتفعيل التشريعات والقوانين بما يضمن إنشاء قانون يجرم العنف ضد المرأة، ويضمن حقوقها المدنية، والتزام السلطات المحلية بمعايير حقوق الإنسان في كافة الإجراءات التنفيذية والتشريعية والقضائية ذات الصلة باعتقال النساء بشكل تعسفي، أو تعريضهنّ للمحاكمة أو ظروف احتجازهنّ.
وأوصت الناشطة الحقوقية بوقف العنف والممارسات التي تتعرض لها المرأة، والإفراج الفوري عن النساء المعتقلات لأسباب سياسية، أو على خلفيات تتصل بالرأي والتعبير، ومعاقبة كل من يمارس العنف ضدها وفقًا للقوانين والتشريعات، وتعويض اللواتي تعرضنّ للعنف عن الأضرار التي لحقت بهنّ.
ختامًا، ندعو المجتمع الدولي بمراقبة الوضع في اليمن عن كثب، والسعي إلى رصد الانتهاكات وتوثيقها، والضغط على أطراف النزاع لوقف انتهاكاتها بحق المرأة بشكل تام وفوري، وتقديم المسؤولين عن ارتكابها للعدالة.
أنتجت هذه المادة بالتعاون مع شبكة صحفيي البيانات في اليمن