عبير عبدالله
على الرغم من استمرار الحرب في اليمن للعام السابع، إلا أنها لم تمنع “وضاح العبسي” و”سمير الجعشني” من السياحة الداخلية، متنقلين بين المناطق المختلفة والواقعة تحت سيطرة طرفي الحرب، كما لو أنهما بذلك يريدان لفت أنظار المتحاربين إلى ملامح الجمال في اليمن، والذي لا يعيش تفاصيله إلا من يؤمن بقيم المحبة والتسامح والسلام.
يقول “العبسي” أنا حريص أن أزور الحديدة في فصل الشتاء للاستمتاع بالبحر والمناطق السياحية في هذه المدينة التي تعتبر أحب المدن لي، وقد سافرت إليها من عدن رغم الحرب، وكل مرة أتفاجأ بعدد الناس القادمين من مختلف المحافظات للسياحة في الحديدة، وخاصة هذا العام، فالذي يلاحظ عدد الزوار لا يصدق أننا في بلد حرب”.
وعن تجربته يقول “الجعشني” كنت أسمع أخبار عن الحرب في تعز وقصص واشاعات مغرضة عن وجود مضايقات يتعرض لها القادمون من مناطق سيطرة الحوثيين، وهذا كان يجعلني أقوم بتأجيل فكرة زيارة تعز التي لطالما كنت أحلم بزيارتها، وقبل أربع سنوات أصر زميلي في العمل إني أشاركه في عرس ولده، ولم أستطع رفض الدعوة، وحين زرتها وجدت إن الأمور فيها طيبة والناس ودودون مع القادمين من المحافظات الأخرى، كما انبهرت بجمال المدينة وقدرة الناس على صناعة الفرح رغم الأوضاع الماساوية التي أنتجتها الحرب”.
ويضيف “الجعشني” وطبعا تصادفت زيارتي الأولى لتعز مع مهرجان قلعة القاهرة الأول وكانت فرصة إني أحضر فعاليات المهرجان والتي أدهشتني وأثبتت لي فعليا أن تعز هي مدينة الثقافة والفن، ومن يومها وأنا حريص على حضور فعاليات المهرجان سنويا حيث صرت أنا وأسرتي نقضي اجازة عيد الأضحى في تعز من أجل حضور فعاليات مهرجان القاهرة والتمتع بالمناطق السياحية وخاصة جبل صبر وقلعة القاهرة ووادي الضباب ووادي حنا ومنتزه السكون ومنتزه العين”.
“العبسي” و”الجعشني” هما نماذج لآلاف اليمنيين الذين يمارسون السياحة الداخلية رغم الحرب، حيث لا يمثل الانتقال من مناطق سيطرة الحوثين إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والعكس عائقا أمام هواة السياحة الداخلية الذين يشعرون أنهم في بلادهم وأن الجميع إخوانهم، وأن الحرب منتهية لا محالة، ويجب ألا تؤثر على النسيج الاجتماعي لليمنيين.
وعلى الرغم من أن الحرب أثرت سلبا على السياحة الداخلية، وخاصة في الأعوام الأولى حيث تعرضت الكثير من المرافق والمواقع السياحية للتدمير، إلا أن السياحة الداخلية شهدت تعافيا ملحوظا في الأعوام الأخيرة، وبدأ المستثمرون ببناء مرافق سياحية من جديد أمام الزوار الذين يزدادون بشكل كبير جدا خلال العطلات والمناسبات والأعياد الدينية.
مدير عام مكتب السياحة بتعز ميسون النجاشي قالت إن فترة العيد شهدت انتعاشا كبيرا في السياحة الداخلية البينية في المحافظة، وزيادة في الحركة السياحية الداخلية تكاد تصل إلى مستوى الذروة السياحية, وذلك لتوفر المقومات الطبيعية والتاريخية والأثرية في تعز.، ونحن الآن بصدد انتهاج استراتيجية منظمة لاستغلال كل ما تمتلكه تعز من مقومات بهدف النهوض بالقطاع السياحي.
وبحسب تقرير صادر عن مكتب السياحة بتعز، فإن اجمالي عدد المنشآت السياحية قبل الحرب من فنادق وصالات ومطاعم ومكاتب سفريات وحدائق ومتنزهات وفضيات، بلغ 428 منشأة، تضررت منها أثناء الحرب 303 منشأة، كما أن عدد المنشآت الجديدة أثناء الحرب بلغت 41 منشأة.
الباحث الاجتماعي عمر النصاري قال إن السياحة الداخلية تأثرت بسبب تأثيرات الحرب وخاصة في الجوانب الاقتصادية والأمنية، لكن هذا التأثير ليس بالشكل الذي يتم تصويره، حيث لا تزال السياحة الداخلية في اليمن قائمة وتأخذ أشكال متعددة، ولعل أبرزها هي الزيارات العيدية، وهذا يمكن ملاحظته من خلال التزايد المهول في حركة السير بين المحافظات في فترات الأعياد”.
ويؤكد “النصاري” إن السياحة الداخلية تلعب دورا ايجابيا في تعزيز قيم السلام، حيث تتم الزيارات بين المناطق المختلفة لأطراف الحرب، وهذه الزيارات تعزز من قيم المحبة والتعايش وتعزز من النسيج الاجتماعي لليمنيين حيث تذكرهم أنهم أبناء وطن واحد وأنهم اخوة ولابد من انهاء الحروب بينهم، كما أن هذه الزيارات تفرض على المتحاربين في خطوط النار احترام عبور المدنيين ومساعدتهم في الانتقال من جهة إلى أخرى حيث يكون هناك ما يشبه الهدنة غير المعلنة والتي تتم بشكل عفوي كما لو أنها تذكر اليمنيين أن السلام هو قدرهم الذي لابد أن يعم كل البلاد”.
وأمام حب اليمنيين لبلادهم وتعلقهم بكل مدنها دون تمييز، وشعورهم بالاخوة والوحدة الوطنية، وايمانهم بقيم المحبة والتعايش، يبقى على أطراف الحرب الانصياع لدعوات السلام وايقاف الحرب، والشروع ببناء اليمن من جديد، وحينها سيدركون أنهم يملكون بلدا جميلا يمتلك من المقومات ما يؤهله ليكون في مقدمة البلدان السياحية في العالم، فهل ستنجح دعوات السلام في اسكات صوت البنادق ؟