تقرير – محمود سعيد
أبلغ سمير محمد (16 عاماً) أسرته في محافظة صنعاء العاصمة اليمنية أنه سيلتحق بجبهات القتال رغم أن أبويه رفضا ذلك بعد أشهرٍ من التحاقه بـالمراكز الصيفية التي تنظمها جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن ليستقبلانه في نهاية المطاف جثةهامدة في وقتٍ تستمر فيه حملات التجنيد من قبل أطراف النزاع.
اتهامات عدة توجه إلى أطراف الصراع في اليمن بشأن تجنيد الأطفال والإلقاء بهم في أتون حرب مزمنة. وثقت جهات حقوقية محلية و أممية حالات متعددة لتجنيد الأطفال من قبل جميع الأطراف لكن الحوثيين كانوا هم الطرف الغالب فيها بنسبة تتعدى 77 بالمائة.
ماسي متواصلة
وفي الحي المجاور لحي سمير شيع السكان ثلاثة قتلى من أبناء الحي تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً وهم عماد ويوسف ومحمد إذ التحقوا بـالجبهات منذ ما يزيد عن عام و كانوا يعودون في أوقات متقطعة إلى أسرهم لكنهم عادوا هذه المرة في توابيت صغيرة إثر تعرضهم لقصف مباشر ليتم تشييعهم في أجواء حزينة من قبل سكان الحي
وقال أحد أقارب الطفل سمير أن البداية كانت بموافقة الأسرة على التحاق ابنها بـالمراكز الصيفية في فترة العطلة السنوية الدراسية لتعلم الدروس الدينية وغيرها من المقررات والأنشطة التي تجذب اهتمام الفتيان وعند عودته لأسرته كان تأثير المفاهيم والدروس التي تلقاها واضحاً في سلوكه حتى وصل إلى إبداء رغبته في الالتحاق بـالجبهة لـ”الجهاد في سبيل الله” و”الدفاع عن الوطن”.
وعلى الرغم من رفض والدا سمير في بداية الأمر موضوع تجنيده إلا أنه مع مرور الوقت تراجع قلق أسرته الفقيرة إذ كان يعود إليهم كل عدة شهور ويقدم لهم الأموال التي تساعدهم في توفير بعض الاحتياجات المنزلية.
لكنه في المرة الأخيرة عاد إلى أسرته متوفياً ومع جثمانه صورة في برواز كُتب عليها اسمه كـ”شهيد” لتعلقها أسرته على جدران منزله.
انتهاك للقانون الدولي
وفي شهر مايو عام 2014 وقعت الحكومة اليمنية على خطة عمل مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة في البلاد.
وتتضمن خطة العمل خطوات ملموسة لتسريح جميع الأطفال المرتبطين بالقوات الأمنية الحكومية وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم والحيلولة دون إعادة تجنيدهم.
وتشتمل إجراءات الخطة إصدار ونشر أوامر عسكرية تحظر تجنيد واستخدام الأطفال تحت سن الثامنة عشرة مع التحقيق في دعاوى تجنيد واستخدام الأطفال من قبل القوات الحكومية اليمنية وضمان وقوع المسؤولين عنها تحت طائلة المساءلة كما تسهل الخطة للأمم المتحدة رصد التقدم المحرز والامتثال لخطة العمل.
وأعرب التقرير الأممي نفسه والذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن عن القلق البالغ إزاء الزيادة المستمرة في عدد الانتهاكات الجسيمة بما في ذلك تجنيد الأطفال ولا سيما من جانب الحوثيين الذين وضعهم التقرير على لائحة الكيانات المتهمة بالضلوع بالانتهاكات خلال الفترة المشمولة بالتقرير العام الماضي.
الحوثيون يدافعون
وفي وقت سابق هاجم الحوثيون وعبر الحكومة الموالية لهم في صنعاء قرار الأمين العام للأمم المتحدة بتصنيف أنصار الله ضمن قائمة منتهكي حقوق الأطفال واعتبروا أن “التقرير يرسخ قناعة بأن قرارات المنظمة تُصاغ وفقا لإملاءات الإدارة الأمريكية والدول النفطية الممولة لها وليس وفقاً للمعطيات”، مشيرين إلى قيام المنظمة في سنوات سابقة، بإزالة اسم السعودية من القائمة “إثر تهديدها بإيقاف دعمها المالي للمنظومة الأممية”.
وشددت حكومة الحوثيين على أن ما اسمته ب” التحالف السعودي” هو “المنتهك الحقيقي لحقوق الأطفال لأكثر من ست سنوات”وطالبت بمراجعة القرار الذي قالت إنه “يأتي في سياق النهج الابتزازي الذي دأب عليه التحالف لحشد القرارات الأممية بما يخدم أهداف عدوانه”، وفقاً لما جاء في بيان نشر في 20 يونيو/حزيران الجاري.
والحكومة تتهم
وفي حديثه لموقع DW عربية وصف وزير حقوق الإنسان السابق في الحكومة المعترف بها دولياً محمد عسكر “ظاهرة تجنيد الأطفال” بأنها “تشويه للحاضر وتفخيخ للمستقبل” قائلاً إن “هؤلاء المسرحين من المدارس إلى المتارس.. كيف سُيعاد إدماجهم في المجتمع وهم بعشرات الآلاف”.
و أشار عسكر إلى أن كل أطراف الصراع لديها انتهاكات لا تتجاوز 20 بالمائة في مقابل الحوثيين مضيفا إن “خطورة المراكز الصيفية تكمن في كونها تقوم بعملية غسيل مخ لمئات آلاف الأطفال في كل صيف، ويتم فيها حشو أدمغة الأطفال بثقافة الكراهية وشعار الموت لأمريكا، وما إلى ذلك”.
نصيب كل طرف في النزاع
و قالت منظمة سياج وهي منظمة يمنية محلية لحماية الطفولة في بيان لها إن جماعة الحوثيين جندت خلال العام الجاري نصف مليون طفل على الأقل عبر ستة آلاف مخيم صيفي أقامته الجماعة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها وتوقعت إشراك أعداد كبيرة من أطفال المراكز الصيفية في جبهات القتال المستعرة حاليا.
وتعتبر ظاهرة تجنيد الأطفال واحدة من أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات وفقا لتقارير حقوقية وثقت العديد من الحالات لدى مختلف الأطراف وجاءت جماعة الحوثيين في المرتبة الأولى بنسبة 77 بالمائة من حالات تجنيد واستخدام الأطفال الموثقة في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن الأطفال ومناطق النزاع.
في حين بلغت الحالات الموثقة للتجنيد في القوات الحكومية ما نسبته 16 بالمئة وأقل من 5 بالمائة من قبل قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي.
وتيرة التجنيد ترتفع
وقالت منظمة هيومن رايتس ووش “إن جماعة الحوثيين المسلحة في اليمن كثفت من عملياتها لتجنيد الأطفال وتدريبهم ونشرهم، في انتهاك للقانون الدولي. فمنذ سبتمبر/أيلول 2014، عند استيلاء الحوثيين، المعروفين أيضاً باسم أنصار الله، على العاصمة صنعاء، تزايد استخدامهم للأطفال ككشافة وحراس وسعاة ومقاتلين، مع تعريض بعض الأطفال للإصابة والقتل”.
واضافت المنظمة الأمريكية المتخصصة بمراقبة حقوق الإنسان والدفاع عنها “أن على الحوثيين وغيرهم من الجماعات المسلحة التي تستخدم الجنود الأطفال في اليمن التوقف الفوري عن تجنيد الأطفال، بمن فيهم “المتطوعين”، وتسريح جميع الأطفال من صفوفهم، بحسب هيومن رايتس ووتش.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.